شريف الشافعي كاتب وصحافي
كُتاب عرب يناقشون القضية
فيتفقون ويختلفون في وجهات نظرهم
يتفاوت
الكتاب والمبدعون العرب في مدى علاقتهم بالإنترنت وصفحاتها ومدوناتها، ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً "فيسبوك" و"تويتر"
و"إنستغرام". وبحسب درجة انخراط الكاتب وطبيعته في العوالم الافتراضية
بكل ما فيها من تقنيات ومنشورات وردود أفعال ومشاركات تفاعلية من الأصدقاء
والمتابعين، تتجسد وجوه الإفادة من هذه المواقع؛ إبداعياً وجمالياً وترويجياً
وتسويقياً، وتتكشف انعكاساتها على الكتابة وأدواتها وأساليبها ورسائلها وخصائصها
وتيماتها وأنواعها المستجدة في سياق الأدب الرقمي، إلى جانب تأثير هذا الحضور الافتراضي على شخصية الكاتب وملامح
حضوره الأدبي والاجتماعي. ومن جهة أخرى، فقد يحجم بعض الكتاب عن هذه المواقع
الإلكترونية وصفحات السوشيال ميديا، معتبرين أن لهذا الاحتجاب عن الازدحام والفوضى
وضغوط مجموعات القراءة مكاسبه الموازية.
أمير تاج السر: حقيقة افتراضية
يرى
الروائي السوداني أمير تاج السر أن الإنترنت، بخاصة وسائط
التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر"
و"إنستغرام"، قد أصبحت من الأنشطة اليومية، ويظل يعتقد المبدعون أن ثمة
نقصاً حاداً في الدعاية لمؤلفاتهم سيحدث، إن لم يعلنوا عنها عبر هذه الوسائط.
ولذلك دائماً ما نرى المبدعين يسرعون بنشر أغلفة كتبهم حالما يحصلون عليها من دور
النشر. ويقول: "بعد تجارب كثيرة في التعاطي مع تلك الوسائط التي ما زلت
أطرقها، لا أجد فرقاً كبيراً بين أن تملك صفحة فيها وألا تملك، وكم من مرة أعلنت
عن وجودي لإلقاء محاضرة، أو إقامة ندوة في بلد ما أُدعى إليه، وأفاجأ بأن الجمهور
الذي يحضر تلك المناسبة، أغلبه أشخاص لا أعرفهم أبداً، بعكس أصدقائي في مواقع
التواصل الاجتماعي الذين لا أصادف منهم أحداً إلا نادراً".
والخلاصة، وفق أمير تاج السر، أنه عالم افتراضي، وأن معظم من يتداخلون فيه، يظلون في أماكنهم خلف الكيبورد، بينما العالم الحقيقي، يتحرك من حولهم، يحتفل أو يصرخ أو يضج أو يشعل ثورات، أو يموت.
محمد الدميني: تفاعل بطيء
ويتصور الشاعر والكاتب السعودي محمد الدميني أن الخيار الوحيد للحياة الثقافية والإبداعية هو أن تستثمر ذاتها ومستقبلها عبر منصات الإنترنت، ومصفوفة لا تحصى من منتجاتها، من دون أن تعتدي على الوسيط الراسخ للثقافة العربية، وهو الكتاب. ومشكلة النص الإبداعي أو الجمالي اليوم مع منصات الميديا الاجتماعية، أنه نص ذو طبيعة جوانية، ينمو ويكتب في الخفاء، ومفرداته تقاطع السياقات الشائعة، وصوره ذات جماليات غريبة وصادمة، وهي صفات تجعل التفاعل معه عبر المنصات الشعبية بطيئاً ومتشككاً ومنتقداً بشدة أحياناً، لأن القارئ العام لم يألفها ولا يملك الصبر أو الوقت للتفاعل معها، فيما تنتثر أمامه خيارات سارة ومسلية تتيحها تلك المنصات، وتحيط بها كل المغريات البصرية واللونية والسمعية التي أصبحت تشكل شيئاً من القطيعة مع أنماط القراءة المتوارثة.
لكن، هل تنجز الشبكات الحديثة تيارات ومدارس أدبية جديدة مثلاً؟ يجيب الدميني: "إن إحدى جنايات منصات تويتر وفيسبوك وغيرهما، أنها قد أسدلت الستار على فضائل الجدل الخلاق حول النصوص والمواقف الأدبية، وحلت محلها تعليقات مادحة واحتفائية على الأغلب، أو رافضة وشاتمة. وهكذا لم تعد هناك حوارات نقدية حول النصوص، ولم يعد يستمع الأديب لناقد أو دارس ما، وربما لم يعد يشعر بأهمية النقد تجاه نصوصه. والنقاد يعيشون الأزمة ذاتها، إذ كيف لهم أن يتابعوا عشرات المنصات الأدبية وألوف النصوص التي تنسكب كل يوم لكي يقرروا كفاءتها أو رداءتها؟ وأسوأ ما يحدث هو أننا إزاء ضخامة ما ينشر من نصوص على الشبكات، فإن بعض انفرادات المواهب الشابة التي تضيف إلى ماضي الكتابة أسلوباً أو لمسة أو معنى جديداً تغيب عنا أو يلتهمها الطوفان أو ما يوصف حديثاً بقاعدة البيانات الضخمة".
ميسون صقر: غياب الجانب الإنساني
من جهتها، تشير الشاعرة والكاتبة الإماراتية ميسون صقر إلى غياب الجانب الإنساني في وسائل التواصل الافتراضي، ومع ذلك فهي قد تسهل عملية الاندماج والتواصل الجمعي خصوصاً في فترات العزلة كما في ظل جائحة كورونا، وقد ساعدت هذه الأدوات في طرح مخزون معرفي كبير من خلال بث المنتج بسرعة، ووصول المتلقي إليه في لحظة الانتهاء منه، مع إمكانية التفاعل معه.
وتعلق ميسون صقر على إحجام بعض الكتاب عن هذه الوسائل، بقولها: "البعض يحتجب لأسباب كثيرة، منها التخوف من الدخول في مهاترات، باعتبار أن هذه المنصات تشبه المقاهي وسيكون الفرد فيها متاحاً في كل وقت ولأي شخص، فخوفاً على صورته النمطية قد يهاب ذلك. وأيضاً لأنها قد تسحب الكاتب إلى أفكار الآخرين وتساؤلاتهم وتطالبه بأن يدلي بأفكار وآراء هنا وهناك، ما يعتبر إهداراً للوقت، ولعله من الأنسب التعاطي باتزان مع وسائل التواصل من دون إفراط، ولا انقطاع".
عائشة البصري: الخوف من الإدمان
وتتفق معها الروائية والكاتبة المغربية عائشة البصري في الخوف من إدمان هذه الوسائل، والاستغراق في عالم افتراضي بديل عن الواقع الملموس، وهو ما أصاب كثيرين، وتقول: "هناك كتاب سجناء لهذه الوسائل، يقضون وقتاً أمام الشاشات أكثر مما يقضونه في القراءة والكتابة والتأمل، هذا الوقت الضائع الذي يحتاجه الكاتب أكثر من غيره. وهناك من زهدوا في هذه الوسائل لصالح الكتابة بعيداً عن الضجيج، وقد تمنيت لو كنت ضمن هذه الفئة. ومن المعروف أن التطور في هذا المجال سيف ذو حدين، وإذا لم ينتبه الشخص سيجد نفسه داخل منطقة الإدمان".
وترى عائشة البصري أن هذه الوسائل تتيح فرصة كبيرة لتوسيع مساحة التلقي، وزيادة القراء، في وقت عرف فيه قطاع النشر عجزاً عن مواكبة وفرة الإنتاج الفكري الإبداعي، لكن هذا النشر المتاح أنتج استسهالاً للنشر وعدم اختمار النصوص. وبهذا المعنى، فالنشر في هذا الفضاء لم يؤثر إيجابياً في إنتاج النص، من حيث الأسلوب، ولا الشكل. ومع ذلك فوسائل التواصل هي جزء من منظومة مستقبلية لا مفر منها، وبشكل من الأشكال سيساق النص الإبداعي لهذه الفوضى.
خلود المعلا: إيجابيات وسلبيات
وبحسب الشاعرة الإماراتية خلود المعلا، فإن وسائل التواصل الاجتماعي، مثل معظم الأشياء في حياتنا، لها وجهان؛ الإيجابي والسلبي، النافع والضار، الحقيقة والكذب، التوعوي والمضلل. هي بحار شتى لها مداها وجزرها، ونحن بين هذا وذاك صرنا ندور في دوائرها بلا رحمة. وتقول: "لم أكن يوماً نشيطة وفاعلة في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أن دخولي لها كان متأخراً مقارنة بمن حولي. ولا أقضي بين صفحاتها أكثر من نصف ساعة وليست يومية، وتغريداتي قليلة انتقائية ومتباعدة".
وترى خلود المعلا أن وسائل التواصل الاجتماعي بقدر ما تقوم به من نقل الأخبار، وتعدد المصادر، وكشف المحجوب، وتقريب البعيد، وتوفير منصات حية للنقاش وتبادل المعلومة، وتسليط الضوء على الأحداث والقضايا ومواضيع الساعة، وتوسيع نطاق التعارف والصداقات، وخلق مصادر ومساحات في شتى فروع الإبداع، وإتاحة فرص كبيرة وسريعة للانتشار والشهرة، فإنها أيضاً تسهم بشكل سافر ومؤثر، في تأجيج الصراعات، وتضليل الرأي وتوجيهه، وهدم القيم والثوابت، وزعزعة المصداقية، وخلخلة اللغة، ونشر ما لا يستحق النشر. وهي وسيلة خطيرة إن لم ننتبه لها، خصوصاً في ما يتعلق بالكتابة، فهناك العديد من الأسماء التي أبرزتها وسائل التواصل الاجتماعي وصارت فاعلة ومعروفة بسبب كثرة المتابعين، ليس استحقاقاً، وإنما مثابرة على الحضور الافتراضي المكثف سعياً وراء الانتشار الذي اختلفت مقوماته ومقاييسه. وللكاتب الأصيل والحقيقي أدواته الخاصة التي تضمن له تطور إنتاجه ومخزونه الفكري والإبداعي بشكل يرسخ حضوره وانتشاره من خلال القيمة وليس العدد. ولا يجب أن تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على شخصية الكاتب ولا على كتاباته، وإنما يتحدد دورها في كونها وسيلة إضافية وفاعلة للترويج والنشر بشكل أوسع وأبعد مما تصل له دور النشر، ومن دون تكلفة.
جنى الحسن: علاقة غير ثابتة
وتعتقد الروائية والكاتبة اللبنانية جنى الحسن، أننا في زمن أخذت فيه مواقع التواصل الاجتماعي مساحة كبيرة من حياتنا، وقد غيرت بشكل كبير عادات الناس اليومية. ولأنها في مكان ما، لعبت دوراً بديلاً لدور الإعلام النمطي، فإنها مساحة قد يستفيد منها الكاتب في الترويج والتسويق، كما لو أنها بمثابة إعلان مجاني لأعماله. وتقول: "أراقب علاقتي مع مواقع التواصل، بخاصة فيسبوك، وكيفية تدرجها مع الوقت. اختلفت درجة حماستي وتعلقي بمواقع التواصل مع تقدمي في السن. وحين أعيد مراجعة ما كتبته منذ سنوات في منشورات عبر فيسبوك، أشعر بأنني كنت أكثر جرأة في فضح نفسي والإجابة عن سؤال مارك زوكربيرغ الشهير: بماذا تفكر الآن؟ كنت أكثر اندفاعاً في عبور جسور في التواصل لم أكن لأعبرها في الحياة العادية. مع الوقت، أصبحت مقلة وحذرة. لا يبدو اليوم الحضور العام بشكله الخاص مبهراً بالنسبة لي، بل يبدو أحياناً كأنه يسلبني من ذاتي، كأننا اعتدنا أن نصبح متاحين طوال الوقت، سواء عبر فيسبوك أو إنستغرام أو واتساب أو عبر الإيميل أو حتى الاتصالات التي أتاحتها هذه المواقع بشكل مجاني. بات الوصول لكل شيء سهلاً بشكل قد يكون أحياناً غير مستحب. الكتابة تحتاج إلى كثير من التأمل والعزلة والابتعاد عن الضجيج. ولعل الاعتدال في كل شيء هو الأساس، بما في ذلك علاقة الكاتب مع العالم الافتراضي".
فاروق صبري: نافذة حرية
ويسترجع الكاتب والمسرحي العراقي فاروق صبري أنه بعد بدء إقامته في نيوزيلندا، اقتنى جهاز الكمبيوتر الساحر، حيث أدرك أنه ليس فقط ساعي البريد السريع كي يتواصل مع الأحبة والأصدقاء والأهل، وإنما هو نافذة يستنشق خلالها حرية التعبير عن آرائه وهواجسه وانشغالاته الكتابية والمسرحية، إضافة إلى التواصل مع المشهد الثقافي والمسرحي بشكل خاص، وذلك عبر البريد الإلكتروني ومواقع التواصل التي توالت في الظهور مثل "سكايب" و"يوتيوب" و"واتساب" و"فيسبوك" وغيرها.
ويوضح صبري أنه منذ البدء لم يتوهم أن هذه المواقع واحات خضراء، أو نوافذ نقية النسمات، أو ممرات مضاءة، قائلاً: "أدركت معتمداً على تجربتي الحياتية أنني أستطيع أن أبرمج كيفية التعامل والتفاعل والتناغم مع سحر التواصل وكيفية استخدامه وتوظيفه واستثماره لصالح انشغالاتي القرائية وتواصلاتي الصداقية واهتماماتي المهنية. ولقد حققت كثيراً في هذا السياق، وتمكنت من تحويل التواصل الافتراضي إلى تواصل واقعي وملموس ومثمر. فمثلاً حينما بدأت التعامل مع الشاعر العراقي عبد الرزاق الربيعي من أجل إنجاز عرض مسرحية (أمراء الجحيم)، أسسنا غرفة إلكترونية تعمل تقريباً يومياً، ومن خلالها تبادلنا الأفكار الكتابية والمقترحات البصرية والآراء المتسائلة حول كيفية بناء النص والعرض. وقد توسع هذا الحضور لوسائل التواصل وتنوع في السنتين الأخيرتين، بسبب العزلة وإجراءات مواجهة كورونا".
محسن يونس: في قلب الحدث
وينوه الروائي والكاتب المصري محسن يونس إلى أنه يستخدم الكيبورد بديلاً عن القلم منذ ما يربو على ربع قرن، وأصبحت الكتابة الإبداعية لديه منذ ذلك متوائمة نفسياً مع ذاكرته الإبداعية تماماً، بخاصة مع رغبته في أن تكون صفحته الإبداعية نظيفة بلا شطب، كما اعتاد قبل ظهور الكمبيوتر. ويقول: "لقد جاء التعامل مع ما أتاحته الثورة التكنولوجية من وسائل بالنسبة لي ضرورة منهجية في تكويني الذي يميل دائماً نحو الجديد. اتسعت بالطبع صلتي بالإنجاز التكنولوجي المعاصر من خلال إنشاء أكثر من مدونة أعلن من خلالها صفتي وأقدم شيئاً من كتاباتي، لمن يشاركني الاهتمام بهذه المدونات، وكذا المواقع التي تقدم ضمن أنشطتها القصة والشعر. وكنت أتابع التعليقات، فهي مهمة جداً للمبدع، وطبعاً هناك اكتشفت أن بعض المترددين على هذه المدونات والمواقع الثقافية مريض بسرعة السأم، فهو يبحث عما هو مثير، ومكتوب في أقل كلمات، كما تنتشر المجاملات، ولكنك لا تعدم وجود زميل أو أكثر يهتم بما تكتبه، ويقدم رؤية لنصك، وهذا النوع من الأصدقاء والقراء هو ما أريده".
وحول "فيسبوك" و"تويتر" ومواقع التواصل الاجتماعي، يوضح محسن يونس أنها قد تحملت بالأداءات نفسها، إلى جانب أنها مفيدة في الحضور الاجتماعي والسياسي، فالمشارك يكون في قلب الحدث ساعة وقوعه بالصورة والحركة، ويتابع الآراء حول الحدث، وآخر أخبار الكتب وما صدر منها، وما سوف تعقد ندوات لمناقشته، وهكذا تفيد هذه المواقع في الدعاية والترويج بشكل كبير، إلى جانب التثقيف وتوسيع دائرة انتشار الكتابة وتأثيرها.
فرات إسبر: وجهاً لوجه
الشاعرة السورية فرات إسبر أن من دهشة العلم أن وسائل التواصل الاجتماعي قد جمعت البشر من كل الجهات وعبر أطراف الكون على صفحة واحدة، وجهاً لوجه، نتحدث معهم وإليهم، نرافقهم في تصفح أخبار العالم وأحواله وحروبه واحتفالاته وسجالاته، ويمكن تسمية هذه الحالة طفرة كونية، بخاصة في ظل "كورونا" التي قيدت العالم بكل ما تعني كلمة قيد من معان. وتقول: "أن نتابع أخبار جائزة نوبل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن نتعرف مباشرة على الفائزين بالجوائز عبر بث مباشر، هذا ما يجعل الحلم حقيقة، والمعرفة أكثر اتساعاً، والمعلومة أكثر انتشاراً".
وتشير إسبر إلى أن التواصل الافتراضي خلق جسراً ثقافياً بين البشر، وذلك من خلال عمليات الترجمة التي انتشرت بفضل الإنترنت ووسائل التواصل، والندوات والمؤتمرات والمناقشات "أونلاين" عبر تطبيق "زووم" وغيره، إلى جانب ما أتاحته هذه الوسائل من النشر اللحظي للنصوص، من دون حاجز رقابي، أو حدود مكانية للتلقي، إلى جانب تأثير الإنترنت ومواقع التواصل عى فنيات الكتابة نفسها وجمالياتها ولغتها بشكل ما.
_____
المصدر: انتبندنت عربية
إرسال تعليق