-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

العثور على قصائد غير منشورة لفوكنر مع رسوم




العثور على قصائد غير منشورة لفوكنر مع رسوم بخط يده
روما: موسى الخميسي

الروائي الأميركي وليم فوكنر (1897ــ1962) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1949، عاش حياة غير عادية حفلت بالأحداث، وتنوعت إبداعاته للحد الذي تخطى المألوف، فعبر عن مشاعر الناس الذين عاشوا الهزات التاريخية والكوارث والمخاطر، ورسم صورة حقيقية لإنسان الجنوب الأميركي وهو يكابد صعوبات الحياة.

صدرت في روما مؤخراً، ولأول مرة باللغة الإيطالية، ترجمة لمؤلفاته الشعرية التي ترتقي إلى فترة شبابه ابتداء من عام 1918 إلى 1925. وهذه المجموعة الكبيرة من القصائد غير المنشورة ترافقها مجموعة من التخطيطات التي رسمها الروائي الشاعر في فترة شبابه. والديوان الشعري الكبير عبارة عن مجموعة قصائد حب كتبها فوكنر قبل فترة قصيرة من تركه الشعر نهائياً، وانصرافه للرواية، وكان فوكنر قد أهداها إلى زوجته اللاحقة «إستيلل فرانكلين» حين كانت لا تزال مرتبطة بزوجها الأول.


حمل الديوان عنوان «رؤيا في الربيع» ويضم أكثر من 200 قصيدة، كتبها فوكنر خلال ست سنوات إلى ثماني سنوات، قبل أن يعلن أنه «شاعر فاشل» عندما كان عمره أربعة وعشرين عاماً، بعدها انصب اهتمامه كلياً على النثر.

والمجموعة تعالج مواضيع مثل الحب والموت، المعاناة والوحدة والرغبة، وخلفيتها مشاهد مدينة قاحلة، ومشاهد بحر واهنة. وعلى العموم فالمجموعة اعتبرت تمريناً ذهنياً لنثره اللاحق، في الوقت نفسه اعتبرت عملاً ثانوياً بالنسبة لإنجاز فوكنر الروائي.

وقد جرت الإشارة إلى هذه المجموعة «رؤيا في الربيع» في البيوغرافيا التي ألفها الكاتب جوزيف بلوتز عن فوكنر، لكن قصائد المجموعة ظلت مجهولة لسنوات طويلة.

ويعتقد الدارسون أن فوكنر ربما نقح قصائده، وغير عنوانها، وقدمها إلى دار نشر صغيرة في عام 1923. وحين أخبرته دار النشر بأنها ليست قادرة على طبع المجموعة بدون مساعدة مالية، أجابهم: «إني لا أملك النقود»، لا أستطيع أن أتعهد بالكلفة الأولية للمطبوع، وحين أعادت قراءة بعض القصائد اكتشفت أنها ليست مهمة جداً، ولكن قد تربح الدار كثيراً من شعر محدود الأهمية بسعر دولار و25 سنتاً للمجلد الواحد.

مات فوكنر عام 1962، وامتلكت زوجته المخطوطة حتى وفاتها في عام 1972، وكانت النسخة الأصلية قد اختفت، إلا أن الناقدة جودث.ل. سنسيبار، حصلت قبل سنوات قليلة على نسخة مصورة عنها بين أوراق مختلفة تملكها «جل» ابنة فوكنر، ثم أعدتها الشاعرة سنسيبار للنشر.

وفي الوقت ذاته الذي صدرت فيه المجموعة مع مقدمة بقلم الشاعرة الناقدة سنسيبار بشكل مستقل، صدر أيضاً كتاب فخم عن حياة فوكنر لسنسيبار بعنوان «أصول فن فوكنر».

يقول بلوتز، وهو بروفسور في جامعة ميشغان، «هذان الكتابان يشيران بوضوح إلى أن فوكنر هو قارئ جيد ومتتبع للشعر الحديث. وتحليل جوديث سنسيبار يكشف لنا أن الشعر لدى فوكنر قد هيأه لتطوير نثره، الذي اعتمد على أسلوب الشعر بقوة».

ويرى بلوتز وغيره من دارسي أدب فوكنر أن ما أنجزته الناقدة والشاعرة سنسيبار في بحثها الذي حصلت عليه درجة الدكتوراه من جامعة شيكاغو عام 1980 هو تأسيسها لحلقة بحث سميت باسم فوكنر، لدراسة الشعراء من القرن التاسع عشر أمثال الشاعر كيتس، والشاعر سونبريرن، والشاعر ويتينيسون، إلى القرن العشرين، أمثال كونراد وإليوت.

هناك مجلدان لفوكنر تضمنا قصائده، قد طبعا من قبل، لكن الدارسين يقولون إنهما عوملا باعتبارهما ديوانين من الدرجة الثانية. إلا أن بلوتز يقول إن طبع ونشر «رؤيا في الربيع» مع تحليل سنسيبار أعاد التقييم النقدي لفوكنر كشاعر مرموق.

ويضيف بلوتز قائلاً: «لم يكن فوكنر مقتنعاً بشعره، وبمقدورنا معرفة السبب، ذلك أنه يعتقد أنه من الممكن أن يكون شاعراً معروفاً، ولكن ليس شاعراً من الدرجة الأولى، والمطبوع الشعري الذي تحقق يكشف للجميع نمطاً من التكتيك الشعري لديه أعظم مما كنا نعرف من قبل».

في المقدمة وفي الكتابين اللذين وضعتهما الشاعرة سنسيبار، نوقشت مسألة استخدام فوكنر لـ«بايروت» في الشعر، و«بايروت» هو مهرج ذو قناع يظهر في أعمال العديد من الشعراء، مثل كونراد وإليوت وغيرهما، وهو يعني في «رؤيا في الربيع»، المغزى الرئيسي الذي يتحرك نحوه فوكنر. وكتبت سنسيبار تقول: «إن بايروت يظهر كثيراً في إقليم المسيسبي المتخيل من قبل فوكنر، ليس فقط كجوانب من جنورايس، وجونز ودونالد ومارغريت في رواية (راتب الجندي)، بل أيضاً كأجزاء من كونتين كومبسون في روايته الشهيرة (الصخب والعنف) ورواية (ضوء في آب) و(أبشالوم أبشالوم)».

من أجواء ديوان فوكنر الشعري الكبير نختار قصيدة «رؤيا الربيع»، التي تلقي أضواء على أفكاره وأسلوبه في كتابة القصيدة:

وفي النهاية، وهو يتبع الصوت الذي كان يدوي بداخله

هبط المساء عليه مستقيماً مدهشاً، وهو يتوشح بالظلال اللونية

واتسعت من حوله حلقات الناقوس

وأنزل ناقوساً آخر مثل نجمة في الصمت

فرقد حول نفسه واعتلاه الشرود المؤلم

وقال... هكذا، ثم ارتجف

هو قلبي الهرم الذي تهدم

قلبي المحمي بجسد خاو

قلبي، النبتة، البذرة من الأحداث اليومية

قلبي الذي صاحب الشيب كي يستكين فيه

قد تهدم واضمحل

فها أنذا الباحث

أحتقر العملات من أجل الشراء

فالسلام زاوية تدفع فيها الخطوات المتعبة

سريعة وضعيفة


××××

كانت الأشجار ترمي نفسها بأذرع فضية وأكمام خضراء

بأطراف مشرقة وأغصان

كانت تتحرك بإيقاعات خرساء لألحان قديمة

ومرة أخرى تأتي الوجوه

الراقصون في الحلم يتمايلون أمامه

هادئين... مستسلمين في بحور الهواء المتنافر

أفواه كانت تعيد تلك الألحان التي تسند رعشات الغروب

وفي الخريف تثبت خصلات الشعر

××××××

بزغت من حوله بخفة... أنعشته بالسحر

وضعت هكذا كل حياته في عينيه

تحرك مرة أخرى، فهذا الجمال قد مسه

إنه هادئ، لكنه متعب

القمر يترنح يترنح بنعومة حول رأسه

وقمة الأشجار ترتجف

××××××

وحين سمع قبلة الأوراق... صاح: ها هو، ثم اختفى الحلم

فرفع يديه وتحرك

أراد أن يصرخ، ولكن خرسه مثل الغصون

التي كانت مضغوطة

التصق بها كخيوط العنكبوت... فانشبكت

وصدح الناقوس مرة أخرى

×××××

انتصب بنفسه بعكس صمت تلك الأوراق المتساقطة

بقلبه الفارغ... كان كل شيء لديه...

إلا أنه هرب... فتهدم

طالما أنا... تعذبت في أروقة الضحكات المبهمة

باحثاً عن حلقات الضوء في تلك المحفوظات المظلمة

ماذا سأفعل، وأنا المتعب الوحيد؟

____
المصدر: جريدة الشرق الأوسط

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016