هاني علي الهندي
تعتبر الشخصية من أهم العناصر الرئيسية في البناء القصصي، التي لا يمكن فصلها عن أي مكون من مكونات البناء القصصي، ولا يجوز تجاوزها في أية دراسة قصصية تسعى لشموليتها، إذ ترتبط بها الأحداث، فلا يمكن أن يقوم الحدث دون شخصيات، ودون تداخلها مع المكان والزمان.
ويرتبط بناء الشخصية
في القصة القصيرة على قدرة القاص في الخلق والإبداع لقصر شكلها ومحدودية زمنها وبيئتها، مما يمنع نمو
الشخصية، ولا تقدم لها إلا بعض الملامح الخارجية أو النفسية مما يجعل تقديم صورة كاملة
للشخصية من الأمور الصعبة التي تتنافى مع مقومات القصة القصيرة، ولذلك تتطلب عملية
رسمها كما أوردها عبد الملك مرتاض في كتابه (تحليل الخطاب السردي ص147) "جهدا
فنيا كبيرا، وخبرة عميقة بأساليب الفن القصصي للعديد من الأساليب".
والحديث يطول
عن الشخصية القصصية، فقد شغلت الأدباء والشعراء كما شغلت النقاد والفلاسفة وعلماء النفس.
تقوم طرق بنـاء
الملامح الشخصية القصصية عند محمد رمضان في مجموعته أكاذيب المساء على تقديم بعض الملامح
بطريقة مبـاشرة، مـن خلال صفات المظهر الخارجي، أو الصفات داخلية السيكولوجية، وبطريقة
غير مباشرة.
فقد قدم لنا صورة
أبطال قصة (رحلة) ص51 بطريقة لا تحتاج من القارئ تحليلها، فقد قدمها الراوي بطريقة
مباشرة من خلال أفعالهم "تتعثر أرجلهم بأشياء كثيرة ألقيت هنا وهناك، فهم في فرح
ونهم شديد للانطلاق، يتفقدون حقائبهم"، تلمح من تصرفاتهم الطفولة المتقدة، بانتظار
موعد انطلاق الرحلة إلى "بحر قد مات منذ قرون" وهو يلمح إلى البحر الميت.
كما وصف شخصية
البطل في قصة (وصول) ص9 من الداخل، من خلال
صفات نفسية "سيكولوجية" طلقها الكاتب على شخصيته، ليعبر عن حالة العجز
والاغتراب، والانفصال عن المجتمع والانكفاء إلى الذات. "هو لا يعلم كيف وصل إلى
هنا، من أين جاء لا يتذكر، كل الذي يتذكره أنه وقف ينتظر مركبة تقله، بحث في جيبه عن
عنوان، لعله وضعه في جيبه. هذه الشخصية القلقة التي تبحث عن آمال لا تأتي.
نجح القاص برسم
الملامح النفسية للشخصية منذ بداية القصة عندما قدم وصفها: "... ومعطف قديم أثقل
كاهله اعتاد ارتداءه رغم تقلب الفصول"
وهكذا قدم القاص
(الراوي) بطل قصة جثة رجل آخر ص21 بصورة انهزامية مسلوبة الإرادة "عاجز ... جبان
... لا تغامر...خوف ... خوف .. يشل الخوف حركاتك ويجعلك عاجزا".
وبالطريقة غير
المباشرة منح القاص شخصية الراوي /البطل في قصة (ليس الآن) ص15 حرية التعبير عن نفسها
وما يدور بداخلها من أفكار وأحاسيس مستخدما ضمير المتكلم.
وتعد شخصية عبد
الستار من الشخصيات المحورية في القصة, فهي مركز سير الأحداث ومحور استقطاب الصراع
في القصة إذ امتازت هذه الشخصية بالحضور السردي على مدى القصة, وعبر السارد عن حيرته
في كيفية عبور عبد الستار إلى الجهة الأخرى من النهر مستخدما تقنية الأسلوب المباشر
تارة وأخرى تقنية المنولوج الداخلي، ورغم كل المحاولات التي حاولها السارد في إيقاظ
عبد الستار من غفلته (أو نومه) إلا أنه لم يستيقظ حتى الآن.
وبطريقة غير مباشرة
أيضا قدم لنا الراوي شخصيته الرئيسية الشواخص في قصة شواخص ص 53 للكشف عن أزمة الثقافة العربية "فهذه شاخصة
إرشادية تأخذك إلى اليمين، وما تبدأ خطوتك الأولى وتسلك تلك الطريق حتى تجد نفسك في
أقصى اليسار، وهذه إشارة تحذرك من المضي في هذا الاتجاه ...وتقرر أن تعود من حيث بدأت
لتعرف اسم هذا الشارع الغريب، فإذا بشاخصة كبيرة جدا، قد كتب عليها شارع الثقافة العربي"
وهكذا قدم لنا
محمد رمضان شخصية البطل في قصة(خبر مفجع) ص13 سلوك الشخصية‘ فكشف لنا بصورة غير مباشرة
عن مركزه الاجتماعي وعمله " ثم لا يتوانى بعدها كثيرا، فيحمل حقيبته ويمضي إلى
جريدته الإلكترونية، ينقل الأخبار أولا بأول،
... يزود الطاقم الإخباري بما يجري من حوله وهو يدون".
مثلما نوع القاص
في أساليب بناء الشخصية القصصية، قدم لنا بعض أنواعها مثل:
1 - الشخصية الرئيسية
تقوم الشخصية
الرئيسية في القصة على تحرك الأحداث وتعمل على تطويرها، ويمكن أن نتابع صفة الشخصية
الرئيسية في قصة (ليس الآن) الفاعلية والمتفردة بالحدث من خلال النص مثال:
• ناديته بصوت عال ... لم يجب.
• تساءلت ... ربما كان نائما
• فكرت قليلا ثم بدأت أجمع
حجارة صغيرة، وألقي بها قربه. ص16
2 - الشخصية الثانوية
تسير الشخصية
الثانوية، جنباً إلى جنب، مع الشخصية الرئيسية، وتنفعل بالأحداث من حولهـا، دون أن
تكون فاعلة بها إلا في نطاق ضيق، قدمها لنا القاص بلسان الشخصية الرئيسية في قصة (جثة
رجل آخر) ص22 :
• تعفن جسدك وأنت جالس، تراقب
• ورحت تحدثها بخوض البحر،
وبأنك كسول.
• الخوف يأكل أوصالك
ظهرت بعض ملامح
الشخصية الثانوية من بداية القصة إلى نهايتها، فهو من الناحية النفسية " السيكولوجية
مهزوز وجبان، وعاجز عن الفعل وعاجزة عن التطور.
3- الشخصية العابرة
الوظيفية
تقوم هذه الشخصية
بدور محدود يكون بالضرورة ذا أثر بيّن في سير
الأحداث وتطور الشخصية الرئيسية، تظهر إلا لتؤدي دورها وتنسحب في اللحظة المناسبة حسب
رؤية القاص، فنجد هذه الشخصية في قصة (زهرة الأمارلس) ص78 ممثلة في شخصية بائع الورد
الذي اقتصر دوره بسؤاله للشخصية الرئيسية "هل تنتظر أحدا"، الأمر الذي عجل
في نهاية القصة.
ومن الشخصيات
العابرة التي وظفها القاص في قصة (موت الحصان والأمر) ص30 لكشف الغطاء عن بعض الصور
القبيحة والتنمر في المجتمع «وهو يدوس على
وجهه ويأمره بتناول قطعة من الدهن قد تعفنت وأصابها الجرب ولم يرفع قدمه عنه إلا بعد
أن أكلها.
وهناك شخصيات
عابرة لا مجال لحصرها في مجموعة أكاذيب المساء.
4 – الشخصية المعيقة
تظهر هذه الشخصية
في بنية السرد لتحاول حرف الشخصية الرئيسية عن تحقيق مشروعها العملي والنظري، محاولة
تعطيل حركة السرد، رغم ذلك فوجودها غالبا ما يعمل على تحريك الحدث وخلق عنصر التشويق.
فقد جاءت شخصية
الكلب في قصة (حوار) ص84 شخصية معيقة لتوجهات البطل في كشف أمراض المجتمع من الكذب
والنفاق، حتى العهر السياسي. فيوجه الكلب صفعة لهذه التوجهات بقوله:" هذه ليست
إلا في قاموسكم أنتم أيها الفقراء، تعزون بها أنفسكم، فقط لا غير".
هذه الشخصية تقف
في وجه أي تطور ممكن لشخصية البطل رغم كل محاولاته إلا انها لم تنجح أمام إصرار البطل
على مواصلة مشروعة بكشف زيف المجتمع، وتعترف شخصية الكلب بفشلها: "فقط أحببت أن
أحلم ..."
5 - الشخصية المساعدة
تسير الشخصية
المساعدة بشكل مواز للشخصية الرئيسية، وتدفعها على مساحة القص لكي تقوم بأعمالها، حيث
تبدو هذه الشخصية المساعدة رديفةً من الناحية النظرية أو العملية ، للشخصية الرئيسية
في تحقيق مشروعها
على الرغم من
أن شخصية الكلب في قصة الحوار ص84 من الشخصيات المعيقة ، إلا أنها من الشخصيات المساعدة
التي ساهمت في تحقيق مشروع الشخصية الرئيسية لنقد أمرض المجتمع من كذب ونفاق وعهر سياسي.
تميل قصص المجموعة
إلى توظيف شخصيات نكرة بدون أسماء علمية، فقد حملت المجموعة (32) قصة ما بين قصة قصيرة
وقصة قصيرة جدا، من بينها (29) قصة لا تحمل شخصياتها أسماء معينة، و(3) قصص حملت الشخصية
فيها أسماء صريحة.
قد يأتي غياب الأسماء عن الشخصيات لتعميمها
ومنحها البعد الإنساني وجعلها أقرب للمجتمع ، يعبر من خلالها القاص عن رؤيته وأفكاره
ورسالته إزاء قضايا مجتمعية.
أما الأسماء الصريحة
التي وردت في القصص، فقد اختارها القاص بعناية منها ما يرتبط بالحدث مثل قصة (خبر مفجع)
ص13 الذي وردت فيه شخصية (إسراء)، هذا الاسم ورد في معاجم اللغة يحمل دلالة المسير
ليلا، وهذا يعني أن إسراء الفتاة الجامعية التي تدرس في أحدى جامعات الجنوب، عليها
أن تخرج مبكرا من بيتها لتلتحق بمحاضراتها، فتتعرض لحادث سير على الطريق الصحراوي أودى
بحياتها.
وفي قصة (ليس
الآن) ورد اسم عبد الستار، والستر هو التغطية والحجب، فالراوي يستغرب كيف وصل عبد الستار
إلى الجهة الأخرى، "ما الذي أتي به إلى هنا؟" ص17 فوصوله للجهة الأخرى تم
دون أن يراه أحد(الستر والحجب) وهو محور الحدث.
وفي قصة (البوابة
السوداء)كشف لنا الراوي منذ بداية القصة أن حياة محمود السعيد لا علاقة لها بالسعادة،
ولم يكن له من اسمه نصيب، "لم يكن سعيدا مطلقا وهو يطرق الأبواب الباب تلو الآخر،
يبحث عن لقمة يسد رمق من تركهم وقد نسو شكل الخبز الطازج" ص95، فقد اختار القاص
هذا الاسم معتمدا على التضاد. وفي قصة (أكاذيب المساء) ص40 ذكرت أسماء (عبد الستار ويوسف وسليم العلي وشهيرة) دون أن تحمل هذه الأسماء
دلالة تخدم القص، وربما أرادها أن تكون شخصيات عامة في المجتمع
إرسال تعليق