تتجلى مقاصد القصيدة وفلسفة مفرداتها بهذا المزج العجيب بين الأحداث التاريخية والأماكن المهمة التي تحكي حكايات البطولة والمعارك المؤثرة في التاريخ. ربط مقصود بين مراحل نهوض الأمة واستنطاق للأحداث وتجليات الأنسنة في استنطاق الطبيعة لتشتبك مع حدث معاصر يعشعش في ذهن الشاعر، وكأنه يراه دون أن يقع, وهذا الربط بين المواقع التاريخية والجغرافية وتشابك المواقع الدينة بين الاسلامية والمسيحية, والتشابك التاريخي بين الماضي والحاضر لعمري فيه ابداع وينم عن سعة اطلاع, ولا يمكن أن يكون عبثياً ودون فلسفة شعرية, نراها في هذه القصيدة قد استخدمت الرمزية بشكل مكثف. فرمزية المفردات التي وظفت المكان والطبيعة بظواهرها والطير والشجر والتاريخ والجغرافيا, لا يمكن أن تكون عديم الجدوى, فعلى الناقد أن يكون حذراً وفطناً ويستخرج بدوره جماليات الربط والقدرة على توظيف الزمان والمكان والحدث لخدمة القصيدة.
وبحيرة لوط التي
جعلها الشاعر عنواناً لقصيدته هي البحر الميت, وهي أخفض مدينة في العالم القديم
ولوط هو نبي من أنبياء الله سميت البحيرة
باسمه.
وجلعاد المكان
هو اسم موقع جغرافي بين نهري اليرموك والأردن, ويعود المسمى للعمونيين, وهي مملكة
قديمة, وهذا الموقع اليوم يعود لمسمى قرية
تتبع مدينة السلط في المملكة الأردنية الهاشمية , وتبعد عن مدينة السلط إلى الشمال
الشرقي خمسة عشر كيلومتراً تمثل العطاء بينابيعها العذبة وتضاريسها المتنوعة
وغاباتها وأشجارها الحرجية والمثمرة, ففيها اللوز والزعرور والبطم والبلوط والخروب
والدوم والإجاص والرمان وفيها السنديان, وفيها كل ما يسر الزائرين.
هذه هي جلعاد التي ذكرها القاسم وجعل القمر
عليها لا فوقها, لأنه لو أراد أن يستخدم القمر بدون الكناية لقال قمر فوق جلعاد
لأن القمر مرتفع وهو في السماء وجلعاد على الأرض, لكن الشاعر استخدم كلمة القمر
بدلاً من كلمة نور, فكأني به يقول نور على جلعاد, ومن أين يأتيها النور؟ إنه يخرج
من بريق أرواح الشهداء الذين قضوا في معركة اليرموك القريبة منها ومن معركة ذي
قار, والبريق إضاءة ليست باهتة بل لامعة مشعة, ومعركة اليرموك معركة معروفة في
التاريخ الاسلامي, أخذت المسمى من نهر اليرموك الذي ينبع من جبال حوران ويسير على
الحدود الأرنية السورية بمحاذاة فلسطين ويتابع جريانه ليلتقي نهر الاردن ليكون
رافداً من روافده.
أما اليرموك
المعركة فقد كانت بقيادة خالد بن الوليد, الي قاد أربعين ألفاً من المقاتلين
انتصروا على ثلاثمئة ألف من جيش الروم, هذه المعركة التي أجبرت هرقل للخروج من
المنطقة ما فتح المجال ليقوم جيش المسلمين بفتح بلاد الشام ومن ثم الانطلاق لفتح
مصر, وإني أرى الشاعر يرى أن التاريخ سيكرر نفسه وسيعود انتصار اليرموك ليهمن على
التاريخ الحديث.
ومعركة ذي قار
التي قرنها الشاعر في ذات القصيدة بمعركة اليرموك فهي موقعة تاريخية هزم فيها
العرب قبل الاسلام الفرس دفاعاً عن عرضهم ونسائهم, حيث تمكنوا من جر جيش الفرس إلى
الصحراء بعد أن كانوا أعدوا عدتهم وأخذوا حاجاتهم, وبالذات من الماء فتمكنوا منهم
وغلبوهم وهم جيش عرمرم, ولما بلغ الأمر ملكهم كسرى أصيب بسكتة قلبية فمات.
هذا الربط التاريخي يوحي بأن العرب انتصروا
في جاهليهم على قوة نظامية تحت مسمى جيش وهم يعيشون على سليقتهم دون جيش. وقد غلب
العرب بعد اسلامهم الروم بجيشهم بعددهم
وعدتهم وعتادهم , فإذا هزموا أكبر قوتين تمثلان حضارتين تاريخيتين مهمتين,
فأن القمر سيطل على جلعاد من جديد وسيخرج بريق ارواح الصحابة الذين قضوا في
اليرموك وأولاء الذين قضوا في ذي قار.
قمر على جلعاد, وبريق أرواح من اليرموك قد خرجت ومن ذي قار.
ويعود
الشاعر لمزج الطبيعة ومنظرها الأخاذ بالجغرافيا والتاريخ ولعل هذا الاستحضار ينسج
ما في الجملة الأولى حيث جمال جلعاد وضوء القمر وكأننا في ليلة صيفية مقمرة نستمتع
بغصن أخضر تتهادى عليه يمامتان, واليمامة طائر جميل أقرب ما يكون للحمامة, وهو من
الطيور المعمرة, وما جعلنا نستبعد استخدام اليمامة كحدث تاريخي ديني حصل في حروب
الردة في زمن أبي بكر الصديق ضد مسيلمة
الكذاب أمور عدة , منها ما سبقها حيث وجود غصن أخضر وهو يتغذى على النبات,
بالإضافة إلى أن اليمامة من الطيور المهاجرة حيث يتوافق ذلك مع روح الديوان وروح
القصيدة, واليمامة إن استعذبت الموطن أقامت فيه.
وما استخدام كلمة صلصال, وهو نوع من الصخور الغنية بالمعادن
مثل غنى جلعاد بالطبيعة الجميلة, والصلصال يمتاز بمرونته عندما يكون رطباً. لكن
يفقد خاصية المرونة عندما يجف, لكن ما علاقة الصلصال هنا بالمقام وبكلمة دفلى التي
تلتها, قد نتخلص من دهشة المقاربة الشعرية, إذا علمنا صفات شجرة الدفلى فهي على
جمالها ودوام اخضرارها وانتصابها شجرة مقاومة, تعيش حتى في الظروف الحالكات وتتحمل
شدة الرياح وقساوتها ولا تتأثر بالجفاف, وهي كذلك تحمل في جمالها السمية, فهي سامة
لمن يأكل منها, فقد يكون الوطن جميلاً يستعذب الأعداء الإقامة فيه, لكنه سيكون
وبالاً عليهم إن هم حاولوا نهب ثرواته.
وبعد الصلصال
والدفلى, يأتي الربط بين هذا المكان الجميل والعصي على الأعداء وبين ما يراه أمامه
حين يقول" ذئب تائه يعوي" ولا غرابة فعدم معرفة تفاصيل المكان يجعل
الساكن يعيش مرحلة التيه وهنا التشبيه بالذئب الذي يعوي إذا فصل عن قطيعه, فهذ
الذئب تائه إذن هو في غير مكانه ويعوى لعدم وجوده في بيئته فهو يبدو غريباً.
غصن أخضر ويمامتان, صلصال ودفلى, ذئب تائه يعوي.
وفي هذه
الأجواء اللطيفة, يسمع صدى إيقاع أغنية سنذكرها في مقامها, فراش أزرق, وأن تأخذ
الفراشة اللون الأزرق في هذا الجو الذي يحمل كل التناقضات, فهو أمر ذو دلالات,
فبعد البحث وجدنا اللون الأزرق يشير إلى الحيوية والحماسة والنشاط وبصفاء السماء
والبحر, ما يجعله لوناً محركاً للعاطفة التي تتسق هنا مع حب المكان, وهو من جهة
أخرى يعطي عند البعض الارتباط والولاء والثقة والقوة, عدا عن كونه لون للخيال الشاسع
المستمد من الفضاء المرتبط بالسماء.
كأني بالشاعر
يحشد من جديد أرواح شهداء اليرموك, وأرواح من قاتلوا في ذي قار, ويربط وجودهم
باختيار اليمامة للموطن, ويربط صلابتهم ووقوفهم في وجه الذئب التائه القريب من
المكان ويربط أرواحهم كذلك بصلابة الصلصال ومرارة الدفلى, ومن جهة اخرى يشبه
أرواحهم بالفراشات التي تحوم في المكان, لا سيما أنها فراشات زرقاء مفعمة بالهمة
والنشاط, وأغنية واعدة,
وتبرز الفلسفة
الشعرية التالية ومقاصد القصيدة في الدمج بين ما هو مفيد وما هو غير مفيد, وبين ما
هو جميل يسر الناظرين وبين ما هو غير جميل, ما بين الركام وشجرة الصفصاف وما بين البلابل والقحط والبحر الذي يسمى البحر الميت, لكن لا بد من
صفات مشتركة في هذا المقام تجمع بين كل هذه الأشياء. فالصفصاف بالإضافة لجماله هو
نبات جميل المنظر يعيش في المناطق المعتدلة, ولم تكن لفظة الصفصاف اعتباطاً,
فالصفصاف يستخدم لحاءه كعلاج وهو يخفف الآلام ومسكن للصداع, وتخفف من حدة التوتر,
وأوراقه تحست عمل القلب وتبعد نوباته, بالإضافة للعديد من الفوائد الطبية التي لا
يتسع المقام لذكرها, وكل هذا وذاك يتسق مع الجو المتوتر المأزم الذي قد يخفف وجود
الصفصاف منه, فكأن الطبيعة والجغرافيا قد اشتركتا في أيجاد الألم وعلاجه.
أما الأرخبيل فهو مجموعة متقاربة من الجزر غالبا ما
تكون بركانية, وبركانية الأرض تعني أنها
على موعد مع الثوران, وأن هدوءها مؤقت, ولولا هذا الجو الهادئ الجميل, وتلك
البلابل المغردة التي تسهم في التهدئة لما
احتملت البقاء في سكون, مع أن هذا السكون مؤقت وله موعد مع البركان, التي ستشهدها
هذه المنطقة التي توصف بالميت, والتي هي أولاً وأخير بحر يوصف في كثير من الأحيان بأنه هادر.
صدى أيقاع أغنية, فراش أزرق, صفصاف, ركام مدينة جرداء, قحط,
أرخبيلات , بلابل , بحر ميت .
وفي هذه الأجواء يعود بنا الشاعر ليطل من النافذة على
"سديم" وسديم هو جبل على الجهة الجنوبية من
البحر الميت, وتشير الدراسات أن منطقة وادي سديم قد تعرضت للخسف نجم عنه هزة أرضية
شديدة مما ادى إلى اندلاع حريق هائل, وأهل سديم هم القوم الذي أرسل الله إليهم
النبي لوط, لكن أهلها استكبروا ورفضوا دعوته فاستحقوا الخسف, وقد نجى الله منهم
المؤمنين.
ويعود الشاعر المثقف ليستنجد بالتاريخ مستذكراً رياح الشام وأهلها
وبالشرق القديم من أهل حوران, فحوران كم تشير الدراسات تمتد من شمال دمشق وتمتد
لتضم وادي اليرموك وجبال عجلون ووادي
الأزرق وجبل الشيخ وهضبة الجولان من جهة الغرب والجنوب الغربي والبادية من الشرق
وجبل العرب وما يعرف بسهل حوران وسهل النقرة أو حورانو حسب الأشوريين, وقد أطلق
عليها بلاد العمالقة, وحسب التسمية العربية كانت تسمى الملجأ أو الكهف.
وحوران التي
عرفت بأهراء روما حيث كانت هذه السهول تمد الإمبراطورية الرومانية بالتموين, وفي عهد الحكم العثماني
كان القمح ينقل من فلسطين وحوران إلى القدس فاسطنبول ثم إلى ألمانيا لأنها كانت من دول المحور, فأهل
حوران حباهم الله بسهول خصبة وجمال
الطبيعة وعطائها, وبرجال أشداء لم يرضخوا يوما لاحتلال أو استعمار .
أما قرطاج التي قرنها الشاعر بحوران فقد أتى
بها من شمال أفريقيا, فقد خاض أهلها معارك انتصروا فيها مع المملكة التي حكمها ماسينيسا الأفريقي والذي
سعى بعدها لتوحيد شمال افريقيا تحت راية نوميدا وانهاء نفوذ روما, وكان قرار كاتو الروماني بتدمير قرطاج لمنع تشكّل مملكة قوية توحّد كامل شمال إفريقيا
وتُهدّد وجود الإمبراطورية الرومانية, وكان ذلك سنة 149 ق م حيث حوصرت كما يقول
الكاتب السوري جورج حداد لمدة ثلاث سنوات, ثم دمرها وحال دون توحيد شمال افريقيا.
أما الصحراء التي ذكرها الشاعر في ذات
القصيدة فنظنها الصحراء الغربية وليست أية
صحراء أخرى, لأنها سبقت بقرطاج, وقد بدأ النزاع بالظهور سنة 1945 بعد , مما جعل
قسم كبير من سكانها يعانون من اللجوء بسبب الحروب المسلحة التي تخوضها جبهتها التي
عرفت بجبهة البوليساريو والتي كانت تدعمها ليبيا والجزائر ضد الاستعمار الاسباني
ومن ثم النزاع المسلح مع المغرب
وموريتانيا والتي أعلنت سنة 1975 قيام الجمهورية
العربية الصحراوية الديمقراطية, وما زال المغرب يعتبرها جزءاً من أراضيه,
المهم في الأمر أن قرطاج كما حوران كما الصحراء كما
سديم كما جلعاد كما فلسطين عانت من الحروب, ومن محاولات السيطرة عليها, عدا عما
واجهته من مصاعب جغرافية على مر التاريخ, وما كان هذا الاستحضار لهذه المفردات إلا
استحضاراً مقصوداً, تشترك كلها في المعاناة ومواجهة الصعاب.
ونافذة تطل على سدوم,
ريح من بلاد الشام, فرسان من الشرق القديم
من بصرى ومن حوران, من قرطاج والصحراء.
وتعود ذاكرة
الشاعر لاستحضار قادة العرب والمسلمين من التاريخ القديم , في فلسفة تحشيد أرواح القادة العظام الذين كان لهم الأثر في
مفتصل التاريخ, وكأني به يقول أن هؤلاء العظام الذين سطروا الأمجاد الغابرات
وانتصروا, أحفادهم قادرون على عبور على الإنجاز, فنراه قد هاله منظر الوقوف على
حدود فلسطين المحتلة, فوقف شعر رأسه
وانتصبت قامته ليستغيث استغاثة المتفائل, وينادي بأعلى صوته, أن هلموا لتخلص بلاد المسلمين وأدس مقدساتها من يد
المحتلين, زهم جلهم قادة تاريخيون كان لهم صولات وجولات من المعارك دفاعاً عن أرض
العرب والمسلمين, فيبدأ بالسلطان المملوكي الظاهر (بيبرس), وهو ركن الدين بيبرس
البندقداري, وقد لقبه الملك الصالح أيوب بركن الدين من باب التفاؤل.
ثم ينتقل إلى
ملك مؤاب (ميشع) الذي أخذ الحكم عن والده , كانت عاصمته الكرك شرقي البحر الميت
وتحديداً سلسلة الجبال التي تقع في الجنوب منها وهي سلسلة جبال مؤاب, حيث أنشأ
مملكته هناك في السنة الثالثة عشرة قبل الميلاد والذي انتقم من بني اسرائيل وهزمهم
شر هزيمه, لما حاولوا منازلته وقدم ابنه قرباناً على أسوارها كنوع من التضحية
والفداء, فهو يرى الخيل قادمة من هناك لتستعيد الامجاد الغابرة, وهنا تأتي فرحة
الشعور بالنصر, فقد قهرت هذه الخيل الطغيان وظهر الحق وهزم الباطل.
والقعقاع بن
عمرو التميمي, هو الشخصية الإسلامية الثالثة الذي طالته المناداة, هذا الرجل الذي
كان شديد الذكاء وذا عبقرية عسكرية في إدارة المعارك, ذاع صيته حيث أبلى بلاءً
حسناً في معركة القادسية ومعركة اليرموك والذ ي قال عنه الخليفة أبو بكر
الصديق" ولصوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل" هذا القعقاع الذي أبدع
إبداعه في المعارك حيث قال:
ألم ترنا على اليرمــــوك فزنا كم فزنـــــــا بأيــــام العراق
قضضنا جمعهم لما استحالوا على الواقوص بالبتر الفراق
قتلنا الروم حتى مت تساوى على اليرموك تفريق الوراق
وتستمر فلسفة
الاستنجاد بالقادة العظام, حين يوقظ روح
القائد القرطاجي الفذ "هاني بعل "
وقد كانت قرطاج التي هي الآن من ضواحي تونس العاصمة إحدى
المستوطنات الفينيقية, وقد بسط نفوذه على شبه الجزيرة الأبيرية التي كانت تتبع
الرومان. ويعتبر هاني بعل هو فاتح أوروبا حيث سار بجيشه من أبيريا إلى شمال
إيطاليا واحتل في حينه معظم إيطاليا عبر جبال البرانس وجبال الألب, وبعدها عاد
لمقاومة الرومان في شمال أفريقيا, وشاعرنا يرى هذه القوى وهذه الحشود, وغيرها من
القوى العربية والاسلامية التي ذكرنا كلها تأتي وتعبر نهر الأردن الخالد لنجدة
فلسطين وتخليصها من نير الاحتلال, ولا يكترثون بحرارة الشمس ووهجها ولهيبها.
بيبرس , ميشع , القعقاع ,هاني بعل, خيل تقعر الطغيان , جاءت
من مؤاب , جند يعبرون النهر, يحرقهم شواظ الشمس.
وتبرز قبل العبور
فلسفة الاحلال الروحي, إذ تتجمع كل هذه الأرواح من الشرق ومن الغرب, من الشمال ومن
الجنوب تملاهم الفرحة وهم يعبرون نهر الأردن وتخليص فلسطين من شرور الاحتلال, و
الربط هنا ما بين تلك المعارك والانتصارات مع الأغنية الفلسطينية كان ربطاً ذكياً
وإلا لماذا هذه الأغنية دون غيرها من الأغاني, ولم يكن هذا الاختيار اعتباطاً,
فهذه الأغنية من التراث الفلسطيني,
إن هذا مثل شعبي
يتداوله الناس، وما زالوا، ويبدو بأن هذه العبارة قد تفوه بها – أو تفوهت بها –
أحد سكان القرية بتلقائية وعفوية عند وقوع الحدث ... فأصبحت مثلاً يردده الجميع
على مدار الوقت.
قبل عام النكبة سنة 1948م ؛ كان رجال
الثورة من الشباب والرجال الفلسطيني من أبناء القرى والمدن يدافعون عن قراهم
ومدنهم بقوة, وكان البنادق شحيحة, زكان أن حصل السبع على واحدة كان يعاملها ويهتم
بها وكأنها قطعة من جسده, وكانت بارودة السبع تعيش معه كل لحظاته, وكان يسمع
الزغاريد وأغنية " طل السبع ,, طل السبع أينما حل , لكن السبع لم يأتي في
المرة الأخيرة كعادته مع الثوار, وعاد حصانه بدونه فأمسكت زوجته برسن الحصان وغنت
" طلت البارودة والسبع ما طل".
هذا الربط المحكم بين كل ما ذكرنا, يجعل
ذهنية الانتصار هي الفاعلة في هذه المعركة في روح القصيدة وفلسفتها فهو يرى عبور
النهر على وقع هذه الأغنية, والمرجح أن يكون وجودها في القصيدة فيه إشارة على
الشهادة, فلا بد من سقوط شهداء تذهب أرواحهم رخيصة في سبيل أوطانهم.
ويهتفون, طلت
البارودة والسبع ما طل, يا بوز البارودة من الندى منبل.
نعم, فالبارودة كانت على الحصان وكانت مغطاة, لم تبتل
مقدمتها " بوزها" من الندى.
وقد أحسن الشاعر
الربط بين مؤتة والكرامة, فمؤتة من التاريخ الاسلامي العتيق والكرامة نت التاريخ
المعاصر ويجمع بين المعركتين عناصر ثلاث:
العنصر الأول أن كليهما حصل على ثرى الأردن بلد الحشد
والرباط, والعنصر الثاني أن كليهما شهدا نصراً مؤزراً, أما الثالث فهو انتصار فئة
قليلة ينقصها العتاد والعدة وخالية إلا من
الإرادة على فئة كبيرة مدججة بالسلاح,
" كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله والله مع الصابرين"
وما حمحمة الخيل
تكون إلا رأت الخيال, فالخيل رأت فرسانها وأخذت تحمحم طالبة العلف والغارة.
يا الله ,,, إن
الشاعر القاسم يرى الأعداء قد رحلوا على وقع الأغنية حين أتحدت أرواح شهداء مؤتة
بشهداء الكرامة على ارض الكرامة والشراه, يراهم كالأرانب ويراهم رحلوا مدخورين
أذلاء ويصفهم بالزناة وبالطحالب, ويرى
الوجع الذي ألم بالأمة من كل جانب قد انتهى.
وقد جاء وصف الطحالب دقيقاً حسب وجهة نظري من ناحيتين
الأولى أن الطحالب بلا جذور وبلا سيقان وبلا أوراق ,,,,,,, فمن استولوا على الأرض
هم بلا جذور وهم طارئون
على الأرض وعلى كل الأماكن والثانية أن خلاياها تشكل مستعمرات, فالمستعمرات التي
تعيش فيها اشبه ما تكون بالمستعمرات التي يقيم فيها المحتل. ويختم بأن النصر أغنية
الحياة.
خيل
حمحمت في سهل مؤته, في الكرامة, في الشراه, يا أمة موجوعة من كل جانب, رحل الأذلاء
الأرانب والزناة, رحل الطحالب والطغاة.
إرسال تعليق