-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

قراءة في ديوان (الأقرع ) للشاعرة المصرية عفاف الصاوي

 الناقد / محمد رمضان الجبور / الأردن

 

 من الكتب التي وصلت لي حديثاً ديوان بالفصحى للشاعرة  عفاف الصاوي  ( الأقرع) والشاعرة عفاف الصاوي تميزت بالتكثيف الشديد فى الكتابة عموما وفى الشعر خاصة     وهي عضو في اتحاد كتاب مصر ، وقد صدر لها العديد من الدواوين مثل 

 -   


ديوان بالعامية المصرية" أنا فيك منفى"

-    ديوان الفصحى" آدم يحفر قبره".

    ديوان بالعامية المصرية "صباع روج لخبط شفايفها".   

ديوان بالعامية المصرية "عينى عليك يا وطن

وديوان ". الأقرع  . بالفصحى


و وهو بين أيدينا عنونته بعنوان قد يكون غريبا بعض الشيء (الأقرع) فما الدلالة التي يحملها هذا العنوان ، وما سبب اختيار الشاعرة لهذا العنوان  ، ومن خلال القراءة الأولية لقصائد الديوان التي جاءت على شكل مقطوعات قصيرة عالجت فيها الشاعرة البعدين الاجتماعي والسياسي ، واختارت عنوان ديوانها من مقطوعة من مقطوعات الديوان الكثيرة ، لتعبر وترسم الحالة الاجتماعية التي تفشّت في المجتمع العربي عامة والمجتمع المصري خاصة ، فقد أصبحت الرؤوس أكثر ما يميزها (القرع) أو (الصلع) ، وكأن هذه الصفة وهذه الميزة قد زادت من تبخر العقول كما وصفت وأرادت الشاعرة . 


الديوان جاء في مقطوعات صغيرة وكثيرة ركزت فيها الشاعرة على الوضع الاجتماعي والسياسي في أسلوب تهكمي ناقد  ، وجاء في مقدمة الديوان بقلم الشاعرة (عفاف الصاوي) ما يؤكد الاهتمام بالبعد السياسي والاجتماعي فهي تعزي الفساد والهوان الذي ضرب أركان مصر إلى الرئيس السابق والمخلوع محمد حسني مبارك ، فقد كتبت في مقدمة ديوانها


"هذا القلم مداده القهر والألم.

70سنة استعمار إنجليزي

ولم تتغير مصر ولا شعبها،

لكن خلال حكم محمد حسنى مبارك

 30 سنة1981/  2011

تغيرت الشخصية المصرية،

وخسرت الكثير من أصولها وأخلاقها.

مبارك ما كان شخصاً يستهان به

إنما هو الفساد بعينه.

عفاف الصاوى""

 

هكذا أرادت الشاعرة عفاف الصاوي أن تبدأ ديوانها الذي وسمته وعنونته (الأقرع) ، والأقرع  هو من أصابه القراع و هو مرض جلدي يصيب الرأس و عوارضه سقوط شعر الرأس ، وفي ذلك رمز للأمراض التي أصابت الأمة العربية عامة والمصرية خاصة ، فالشاعرة مصرية وهي ترصد البعد الاجتماعي والسياسي المصري وما آل إليه حال مصر في زمن ما وفترة تقصدها .


فهي تؤرخ لمرحلة معينة  ، تحاول تعرية الواقع المصري وقد جاءت القصائد على شكل حكم شديدة التكثيف وهذا هو منهج  الشاعرة  وله جمهوره الذي يعشق مثل هذا اللون من الأدب ،  بل ربما كان له الأثر الأكبر في حياة الشعوب والأمم ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، وهناك القليل من الشعراء الذين نهجوا هذا النهج وكان لهم التأثير ألعظيم في حياتهم ، فالقصيدة كثيرا ما نراها تضرب على وتر الوجع والألم والفساد ، فنجد من يرددها ويتغنى بها وقد برز الكثير في هذا اللون الشاعر احمد شوقي وأيضا  الأديب طه حسين كتب عنه فجاءت كلماته

وهذا النوع من الكتابة يسمونه بشعر الهايكو ولكن هذا الشعر ينبع من البيئة العربية  وللشاعرة سمة أساسية  في أشعارها فصحى كانت أو عامية . هو السهل الممتنع وأيضا أشعارها غنائية وغنية بالموسيقى ..    


"حسبوا

حسبوا جهلهم علماً

فزادهم الجهل جهلا

أطلقوا العنان لكل شهوة

فحسبهم جهنم وكرا"

 

هكذا تخاطب الشاعرة عفاف الصاوي فئة من الناس غلبتهم الشهوة وأعماهم الجهل ، فحسبهم جهنم ستكون وكراً وبيتاً لهم .

 

"الهول

أبو الهول قد تكلم

وأنت صامت

الحجر قد تكلم

وأنت صامت

فلتخجل من صمتك

أيها الجامد

 

في أكثر من مقطوعة شعرية تستفز الشاعرة الصامتين عن حقوقهم ، عن عيشة الذل والهوان ، تطلب  منهم أن يتكلموا يصرخوا ، فهم في رأي الشاعرة مجرد جماد ، كما هو تمثال (أبو الهول) لا يحركون ساكناً .

 

في كثير من الأحيان نرى أن القصائد في شعر الفصحى والتي تميزت بالجمل القصيرة أكثر عمقاً وفلسفةً  فهي تقترب من القلوب ، وتُشعر المتلقي بالراحة أحياناً ، وهذا لا يقلل من قيمة القصيدة العامية، لكن هناك من يعشق هذا اللون من الأدب ويؤثر في نفسه أكثر من الألوان الأخرى 

 

يامن

يامن تأكل اللحم محمرا

وتشرب الماء معطرا

وترى الفساد مطهرا

واللهو واجباً مقدرا

فيا ترى هل  ترى

 

النقد الاجتماعي والتهكم من فئة وطبقة ليس لها إلا الأكل من الفاخر من الطعام ، واللهو ، فهي لا ترى بؤس الطبقات الأخرى المسحوقة .

وفي تناص جميل تتناص الشاعرة مع سورة المسد في قصيدة بعنوان (شلّت) لمن يمدون أيديهم بالهلاك للوطن والبلد "

 

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ١ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ٢ سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ٣ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ٤ فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۢ٥  "

 

"شلت

 

تبت يداك

شلت يداك

غلت يداك

يامن تريد

لها الهلاك "

 

 وفي قصيدة بعنوان الوالدان تتناص الشاعرة مع آية من سورة (الإسراء) ، "۞وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا  ٢٣

  "

الوالدان

لا تقل أف لا  تنهرهما

طفلان كبيران هما

بحب وعطف قربهما

كن سكناً واعشقهما


فبرغم من فصاحة الكلمة لكنها سهلة وبسيطة وتصل إلى المتلقي  وهذا إبداع في حد ذاته وهو لا  يخلو من الأدوات الفنية  ، والصور البلاغية ، والفكر ، والشاعرة عفاف الصاوي من الشاعرات اللواتي يتمتعن بثقافة عالية تؤهلها للخوض في موضوعات متنوعة ، رغم تركيزها على الجانب الاجتماعي والسياسي في ديوانها .

 

 في مقطوعة من بيتين تستدعي حادثة الصحفي منتظر الزيدي  الذي رمى بحذائه في وجه الرئيس الكبير والحقير (بوش

 

"مُنتظر

كل سلطان جائر

" له حذاء منتظر"

 

الديوان فيه الكثير من الجمال الأدبي الذي يحفز المتلقي على المتابعة والقراءة ، ويظل ديوان الأقرع للشاعرة عفاف الصاوي أضافة نوعية لرفوف مكتبة شعر الفصحى ، سطرت فيه الشاعرة أفكارها ووعيها الثقافي والسياسي بما يناسب شعر الأبيجرام

 

نتمنى للشاعرة دوام الإبداع  وفى هذا النوع خاصة فهذا الوقت يحتاجه كما تقول الشاعرة عفاف الصاوى ..          

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016