-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

من (كِتاب الطّيور) قصيدة للشاعر مهند ساري


 ١ - الطّائر

-----

.

.

طائرٌ يَتأَلّمُ ...

كَمْ يتألّمُ

في صَمْتِهِ -- الطّائرُ !

تَتَأَرجَحُ في ريحِهِ رُوحُهُ

رُوحُهُ

كَوكَبٌ حائِرُ

أَنتَ تَعرِفُهُ ،

وكثيرًا تنامُ على ريشِهِ

وكثيرًا تَرَى حُلْمَهُ نَفْسَهُ

وقليلًا تقولُ لهُ : يا صديقي اسْتَفِقْ

أَوْ تقولُ لهُ في المطارِ : وداعًا

لأنّكُما --صُدْفَةً --

بينَ وجْهَيْكُما .. شَبَهٌ سافِرُ!

طائرٌ يتألّمُ

كَمْ يتأَلّمُ

في سِرِّهِ -- الطّائرُ !

كمْ جَناحاهُ مُنْكَسِرانِ ، وكمْ

يُشْبِهانِ يدَيَّ !

وكمْ غُصنُهُ مثْلُ بيتي كثيرُ

النّدى والجِراحِ

كثيرُ النّوافذِ !

كمْ أَنَا مُبْدي الذي

هوَ يُخْفيْهِ عنّ

ويَعْلَمُ .. ما أَنَا في قلْبِهِ ضامِرُ!

ومَرِضْنا معًا

وشُفِينا معًا

هكذا ضَربةُ الحظِّ ...!

ثُمّ اقْتَسَمْنا معًا خُبْزَنا

وأحاديثَنا والخواطرَ ...

ظهْرًا لبَطْنٍ أُقلِّبُ في جَسَدي رُوْحَهُ

ويُقَلِّبُني .. خَفْقَةً خَفْقَةً

إذْ تَشابَهَ فينا الفُؤادانِ../

كمْ يُشْبِهُ الباطِنَ الظّاهرُ!

وكَبِرنا معًا دُونَما نَدَمٍ:

أَنَا في الكلِماتِ التي

نَبَتَتْ في خُيوطِ النّدى ،

وهْوَ في ريشِهِ الرّطبِ ...

لكنّنا نتبادَلُ أَدوارَنا في حُمَيّا التَّباريحِ

حينَ يُقَلِّبُ في كَبِدي جَمْرَهُ

وأُقلِّبُ في جَمْرِهِ كَبِدي

هكذا

يَسْطَعُ .. الوجَعُ الطّاهِرة

وَوُلِدْنا لأُمٍّ مُهاجِرَةٍ

وأَبٍ ظَلَّ يَهْجُرُها، مُرغَمًا، صُدفَةً

كُلُّ أُمٍّ

-- مُصادَفَةً – هاجَرُ !

طائرٌ يتأَلّمُ ...

كمْ يَتأَلّمُ

في نفْسِهِ -- الطّائرُ !

لمْ تَذُقْ عَينُهُ ، مُنْذُ يومَينِ ، غَمْضًا

وأَعْجَبُ :

كيفَ أَنا .. مثْلُهُ .. ساهرُ ؟!

رُبّما

هوَ مثْلي أَنا / الطّائرُ الشّاعِرُ

رُبّما

أنَا شاعِرُهُ

أنَا شاعِرُهُ / الطّائرُ .. الآخَرُ !

.

.

طائِرٌ .. يَتأَلّمُ ...

.........................

.......................

٢ - وأَنتَ ، فواصِلْ حِسابَك

......................

.

--: أَمّا وقد صِرْتَ ذا بَصَرٍ في المآلاتِ

ذا خِبْرَةٍ في الحياةِ

تعالَ : أُحاسِبْكَ : /

* لمْ أَرْتَكِبْ في حياتيَ إلّا

القليلَ الضّروريَّ .. مِمّا يُسَمّى الحماقةَ ...

--: هَلْ هيَ ، حقًّا ، ضرورةُ عَيْشِكَ حتّى

تَشِبَّ عن الطّوقِ مُكْتَهِلًا

أَيُّها الآخَرُ .. الأَحمقُ ؟!

--: أَما كانَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَجَنّبَها ؟

* رُبّما !

--: شُكَّ أَنتَ ،

أَنا بِيَقينيَ ، ممّا شَكَكْتَ بهِ ، أَوْثَقُ

* رُوَيْدًا رُويْدًا.. تَعَلّمْتُ صَبْرَ المُحارِبِ

رابَطتُ ما بينَ تَلّيْنِ ، حيثُ

نَشَأْتُ صغيرًا ،

أُراقِبُ ما تَفْعَلُ الرّيحُ

بالشّجَرِ المُتشابِكِ -- مِثْلي ومثْلِكَ --

أَوّلُ أَسئِلتي تلكَ :

كيفَ ، بأَمْشاطِها .. وهْيَ مَكْسورةٌ

كيفَ ، يا صاحبي ، شَجَري تَفْرُقُ؟ !

--: ثُمّ ماذا ؟

* دَرِبْتُ أُطارِدُ ظِلّي الصّغيرَ لأَسْبُقَهُ

كان يُحزِنُهُ أَنّهُ لا يَطيْرُ كصاحبِهِ إنْ

أَرادَ

ولمْ أُلْقِ بالاً لهُ ..

ذاكَ نصري الصّغيرُ الذي لمْ أُشارِكْهُ فيهِ

ويُؤْسِفُني

أَنّني .. دائمًا .. أَسْبُقُ!

--: لعلَّكَ لمْ تَنْتَبِهْ لِمنامِ الطّيورِ عليكَ

وأَفْزَعتَها إذْ فَزَعْتَ من النّوْمِ!

* ما زلْتَ تَذْكُرُ ؟! /

نامتْ كلابُ البراري حواليَّ ،

نامتْ على قَدَميَّ وصدري – وكنتُ

صغيرًا – فأَخْفَيْتُ نفْسي بِنفْسي لِئلّا

تَراني

أَنا الرّيحُ ، في ذلكَ الّليلِ ، قد سَكَنَتْ

-- خِيْفَةً سَكَنَتْ --

ومِتُّ تمامًا بلا نَفَسٍ

رَيْثَ أنْ أَسْفَرَ الصُّبْحُ مُسْتَعلِنًا

يَومَها كادتِ الشّمسُ تَنْسَى الصّغيرَ

ولا .. تُشْرِقُ !

على أنْ تَهادَى النّهارُ لِوُجهَتِهِ .. ثُمّ قامتْ

إلى شأْنِها كُلُّ تلكَ الكِلابِ .. تَنَفّسْتُ ...

لمْ أَنْتَبِهْ للطّيورِ التّي حَرَسَتْني

-- لَدُنْ كنتُ ريحًا ومَيْتًا --

وكانت سَمائي .. على أَرضِها تُطْبِقُ

--: إذًا ،

لمْ تُسَدِّدْ دُيونَ الطُّيورِ عليْكَ!

* أَجَلْ ،

ومِنَ الدَّينِ ما

يَبْهَظُ القلْبَ .. ما .. يَخْنُقُ

--: ونَبْعُكَ لمْ تَحمِهِ ؛

ماتَ بينَ يديكَ بشَفْرَةِ جَرّافةٍ

ثُمّ لمْ تَعتَذِرْ للحياةِ التي انتَدَبَتْكَ لَتَحرُسَهُ

ولمْ تَكْبَرا في الحياةِ معًا -- مثْلَما

قد تَخَيّلْتَ --

وحدَكَ فيها كبِرتَ ،

وجَفّتْ يداكَ اللّتانِ تَحَمّلَتا رُوحَهُ

حينَ فاضَتْ هنالكَ بينَ يديكَ ..

وعانَقَها .. المُطلَقُ !

* ........

--: إذًا ، كُلُّ تلكَ الحماقاتِ

ثُمّ تقولُ : أَنا صالحٌ ؟!

* أَجَلْ ، وكذلكَ أَنتَ .

--: صَدَقْتُ أَنا .. وكذَبْتَ .

* تَمَهّلْ ! صدَقْنا كِلانا

وإنْ كانَ لا بُدَّ :

(واحِدُنا أَصْدَقُ)

تذكّرْتُ ، في ذلكَ اللّيلِ ، ما قد تَذَكّرتُهُ

مِنْ حماقاتِنا

وغَصَصتُ وغَصَّ

بِما كان -- مثْليَ – يَذْكُرُهُ

وظلَّ يُقَلِّبُني في المَلاماتِ ...

لا يسْتَرِيحُ قليلاً .. ولا يُشْفِقُ

* أَنا رَجُلٌ صالحٌ ،

وكذلكَ أَنتَ .

فإنْ شِئتَ صَدِّقْ

وإلّا تَعَذَّبْ إلى أَنْ تقولَ اشْتَفَيْتَ

وَزِدني عذابًا

يُبَرِّدُ عنكَ .. بِما يَحرُقُ

تبادَلْتُ – لَيليَ – ما سَمَحَ

الوقتُ مِنْ ذكرياتٍ معي ...

منْ جُروحِ الطّيور على جَسَدَينا الخَفيفَينِ

تلكَ التي بَقيَتْ مثْلَ وشْمٍ قديمٍ

يَلُوْحُ ويَخْفَى

وقد يُعتِمُ الجَسَدانِ معًا

ثُمّ تَبْقَى على حالِها

-- في ظلامِهما -- تَبْرُقُ !

تَبادَلْتُ – لَيليَ – ما سَمَحَ اللّيلُ مِنْ

ذكرياتٍ معي

مِنْ نُدوبِ الحَماقاتِ في قَلْبِنا

وَقَسَوْتُ عليهِ .. كما قدْ قسَى

وخطّأْتُ نَفْسي كثيرًا .. وبَرّأْتُهُ

والأَسيرُ أَنا .. المُوْثَقُ

ولكنّني لَمْ أَقُلْ مثْلَهُ

للحياةِ التي عاشَها :

" أَعطِهِ شجرًا عاليًا ، وعَلَيَّ العَصافيرُ " .. /

ثُمّ انْسَلَلْتُ إلى النّوْمِ وحدي ...

--: إلى أَيْنَ تَتْرُكُني الآنَ وحدي

معَ الشّجرِ المُتشابكِ في ريح

لَيلي وَلَيلِكَ ؟

* عُذْرًا .. ، أَنا .. الآخَرُ المُرهَقُ

وأَنتَ فواصِلْ حسابَكَ لي ساهرًا

أَنا رَجُلٌ صالحٌ آخِرَ الأَمْرِ

لَمْ أُوْذِ يومًا سِوايَ / سِوى

حصّتي فيكَ

مِنْ أَجلِ هذا احتَمَلْتُ فُنونَ الأَذى

واحتَمَلْتَ

ولَمْ أَدرِ بَعْدُ :

على أَيِّنا .. ههُنا أُشْفِقُ!

وقُلتُ لها

للحياةِ التي عِشْتُها :

أَعطِهِ شَجَرًا حانيًا

وعَلَيَّ بُكاءُ العصافيرِ ...

أَوْ فاحرِمِينا معًا يا حياةُ

احرِمينا معًا

هكذا .. أَوْفَقُ

تَرَكْتُ سَمِيّي على حالِهِ

لا يَحِيْرُ هناكَ جوابًا ...

ويَبْكي وحيدًا

ولا .. يَنطِقُ !

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016