النبيذة نص للكاتبة العراقية إنعام كجة جي بقلم الكاتب خليل عودة
نافس في جائزة بوكر العربية، ووصل إلى القائمة
القصيرة
ما يلفت الانتباه في النص لغته البليغة والحيوية والمصورة، والمتدفقة بعفوية ورشاقة لغة كأنها ريشة فنان تمنحك الدهشة وتدعوك إلى المتابعة والاستزادة.
تتناوب ثلاث شخصيات على السرد : عراقيتان وفلسطيني في زمن مديد يصل إلى ثلاثة أرباع قرن جزء من هذا الزمن يعبر القرن الواحد والعشرين ما يلفت الانتباه، بالإضافة إلى سعة الزمان، مساحة المكان، وحشد من الشخوص العامة المعروفة تاريخيا، حتى أن بعض القراء صنف النص على أنه نص تاريخي ،(العهد الملكي في العراق ورجالاته الأشهر، النكبة والقضية الفلسطينية، الثورة والتحول الجمهوري، الحرب العراقية الإيرانية، احتلال الكويت، ثم انهيار العراق واحتلاله، وتشرد ناسه)
يتم هذا العرض من خلال ثلاث شخصيات تطرح، همها ووجعها الإنساني الخاص والذي لا ينفصل عن العام على اعتبار تغلغله بشرايينه الممتدة إلى قلبه ونبضه، ثلاث شخصيات يروون: تاج الملوك؛ النبيذة ، النابذة والمنبوذة وهي نبيذة النص وخمره المعتق، تروي حكايتها ل(وديان) وتوثق الحكاية من خلال صندوقها السحري القابع أسفل سريرها؛ من صور ورسائل ووثائق ومجلات قديمة، تاج الملوك النبيذة؛ يُفتح لها باب القصر الملكي، ورئاسة الوزراء وكل الأبواب المغلقة، تخترق المستحيل وتبقى حتى اللحظات الأخيرة من عمرها؛ نبيذة النص (وهنا يتحول الدال في النص إلى نشوته وخمرته وتعتقه وتمرده)
وديان الراوية الثانية في النص؛ خرجت من العراق لتلقّي العلاج في فرنسا بعد لقائها بالأستاذ ابن الشيخ والمقصود هو عدي صدام حسين، فعاقبها للتسلي بأغلى ما تملك وذلك بسلب سمعها حيث كانت عازفة كمان، وبهذا افقدها الحرية في التعبير عن إنسانيتها ومشاعرها، وسلب خطبيها أيضا الذي لا يمتلك دفعا ولا ردا، في فرنسا استردت بعض حريتها من خلال السماعة، وبقيت مشدودة إلى الوطن وظلت أسيرته إلى آخر لحظة ، مما زاد الطين بلة أنها التقت تاج الملوك مصادفة في باريس فقامت بينهما علاقة الابنة بأمها حيث تجاوزت تاج التسعين من عمرها وهي لا تخفي دهشتها من هذه العجوز المتمردة حتى على عمرها، وهي بانتظار خبر، عن حبيب كانت قد (نبذته) بمبرر أخلاقي كاذب هو أنها لا تريد تلويثه لبراءته، إنه الراوي الثالث منصور البادي المقدسي الفلسطيني ؛ يسيح منصور البادي في بلاد الله بعد الهجرة في سن مبكرة من عمره، يتنقل من بغداد إلى كراتشي حيث يعمل محررا في إذاعة كراتشي، وهناك يلتقي تاج الملوك الأكبر منه سنا ليطردا معا من الإذاعة، ولا يلتقيا إلا بعد خمسين عاما في باريس من خلال (وديان) التي استطاعت أن تحصل على رقم هاتفه في فنزويلا بعد أن أصبح البروفسور منصور والمستشار الخاص لرئيس الجمهورية شافيز وديان الفنانة، المتسامحة حتى مع من أعمل المشرط في لحمها وافقدها سمعها، (لم تستطع أن تنقل ما بذهنها من تشف إلى كلام وهي تراه جثة هامدة بعد احتلال العراق ومقتله) وديان التسامح والمحبة، والرحمة، وديان هي الكاتبة الحقيقية للنص أنها إنعام كجة جي، تتعثر بنفسها في نهاية النص يفلت النص من يدها وتختلط أكوام الخيوط وتتداخل العقد ولا تستطيع فكها فيقع النص من يدها.
النهاية أضعفت النص وكأن رسالة ما كانت تلح على وعي الكاتبة جعلتها تقترب من وديان حتى تطابقت معها فوقعت في محظور صوت الكاتب الذي تخلى عن تنقله بين أبطاله برشاقة وحذر أكاد أجزم أن الكاتبة لو تخلت عن آخر خمسين صفحة لما سقط النص من يدها وتداخل وترهل لحظة التخلي عن النص وتركه ليلاقي مصيره ؛ محبيه ونقاده ، لحظة جوهرية في بناء النص ومصيره.
إرسال تعليق