الأبعاد السياسية في رواية (سلامة الحافي)
الناقد/ محمد رمضان الجبور
نعتبر
الرواية من أبرز الأنواع الأدبية في معالجة قضايا المجتمع ، وذلك لاهتمام الرواية
بالتفاصيل الدقيقة للأحداث والعلاقات الاجتماعية ، فقد أصبحت الرواية في الآونة
الأخيرة الأداة الفنية الأكثر انتشاراً في رصد أوضاع المجتمع وتحسيد ما يمر به من
أزمات من خلال شخصيات متخيلة وأحداث وعلاقات اجتماعية أقرب ما تكون من ذلك المجتمع.
إنّ قضايا الفكر ومشكلات
الأيديولوجيا أصبحت (التيمة) الرئيسة والمحور الغالب عند كثير من كتّاب الرواية
العربية المعاصرة ، ولا سيما مبدعي تيار ” قص الحداثة ” ، الذين يتبنون موضوعات
السياسة وأساليب التجريب".
د. حسين العموش |
نجزم أن الموضوع السياسي قد فرض نفسه على الرواية
العربية ، وأصبح عنصراً هاماً وغرضاً من أغراض الرواية العربية عامةً . فكتّاب
الرواية السياسية بغض النظر عن البلد الذي ينتمي إليها ذلك الكاتب يتأثرون بالواقع
السياسي والاجتماعي السائد والذي لا يختلف كثيراً من قطر إلى آخر ، فالقهر ، وغياب
الحريات ، والتسلق ، والنفاق السياسي ، مفردات مشتركة ، وقد لا تختلف كثيرا من
مكانٍ إلى آخر ، ومن دولةٍ إلى أخرى .
ربما ما يختلف هي الجرأة ، فالتصدي إلى الظواهر
السياسية والاجتماعية وكتابة المشهد السياسي ، في مجتمع ما ، يحتاج إلى الجرأة ،
جرأة غير عادية ، نعرّي تلك الظواهر بكل شفافية ، وهذا ما كان في رواية د. حسين
العموش ( سلامة الحافي )
فرواية ( سلامة الحافي ) من الروايات الحديثة
الصادرة عام 2013 بدعم من وزارة الثقافة الأردنية ، وقد جات الرواية في مائتين
وخمس وعشرين صفحة من القطع 20*14 ، وقد قسمها الروائي إلى عشرة فصول ، ومن خلال هذه
الفصول استطاع الروائي د. حسين العموش أن يضع المتلقي أمام مشاهد سياسية واجتماعية
متعددة فشخصية سلامة الحافي الشخصية الرئيسية والمحورية والرمزية التي بنى عليها
الروائي أحداث هذا العمل الروائي المتميز بجرأته تمر في مراحل مختلفة ومتعددة ،
فهو الولد الذي لا يقول (لا) الخدوم ، الذي ينفذ كل ما يقال له دون تردد ، وفي
الجامعة بدأت حياته السياسية ، بالخروج في المسيرات ، وتوزيع المنشورات ، حتى
عندما أحب ، أحب ريتا الفتاة الفلسطينية ، وتجره قدماه لينضم إلى مجموعة من الشيوخ
يسلمونه مبلغاً من المال ليفتح مشروعاً يخدم الجماعة ، ولكنه عندما يرى المال بين
يديه يقرر الترشح إلى مجلس النواب ، ويصبح نائباً ، وهنا تبدأ الجماعة المطالبة
بالأمانة ، حتى يصل الأمر إلى التهديد بقتله أو بقتل زوجته التي يهرب بها إلى
القاهرة ، وفي القاهرة يلتقي بحبه الأول ريتا التي أصبحت مذيعة ، وقد حضرت إلى
القاهرة لتغطية الثورة المصرية ، ثورة الشعب على النظام .
يستوحي الروائي د . حسين العموش الأحداث السياسية في روايته ( سلامة الحافي) من روافد عديدة ، فهو يبدأ روايته بذكر الكاتب الراحل والمتمرد ( محمد طمليه ) الذي يذكّره “بالزنزانة” ويقارن بين الزنزانة في الجندويل والزنزانة في فندق محمد رسول ” الزنزانة في الجندويل غير الزنزانة في فندق محمد رسول …هكذا قال لي محمد طمليه يوماً ..قال أيضاً إن زنازين الجندويل خمس نجوم …ولأنني لم أحظ بشرف دخول فندق محمد رسول في العبدلي فقد ظلت زنزانة الجندويل هي نموذجي في القياس عند الحديث عن المعتقلات والمشهد السياسي في الرواية لا يقف عند ذكر الزنزانة والاعتقالات وذكر صدام حسين والاشتراك في المسيرات والمظاهرات والاتحادات الطلابية بل يحاول توثيق بعض الأحداث السياسية الهامة في الأردن العزيز ، فالروائي ينوه في معرض حديثه عن فلسطين عن الخطاب التاريخي لجلالة الملك حسين وفك الارتباط مع الضفة الغربية في تاريخ 31/7/1988 ، ويرسم لنا بعض مشاهد التحقيقات ، فشخصية سلامة الحافي تتقمص أدوار مختلفة ، فهو ناشط سياسي من الدرجة الأولى ، بل يصرّ على ما يفعل ويعتبر قضية فلسطين قضيته كما هي قضية كل العرب ” ناقشني بالمنشور الذي وزع في الجامعات والذي حمل تصويراً لمقابلة الدكتور جورج حبش مع مجلة الأسبوع العربي والذي كان فيه الاتهامات للأنظمة العربية بما فيها الأردن ..بل واتهم بعضاً منهم بالتواطؤ لحماية حدود إسرائيل".
في الفصل الأول من الرواية يكثر الحديث عن السياسة ، وعن الكثير من الأحداث السياسة ، حرب العراق وإيران ومعركة الفاو ، وقصص تروى عن صدام حسين وكيف أن البعض رآه في القمر ، والإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس . . فالروائي يحاول رصد الأحداث السياسية في فترة زمنية محددة ،يصف الوضع والمشهد السياسي العام للمنطقة العربية في الثمانينات والتسعينات يسعفه في ذلك ذاكرة مثقف متابع لما يجري حوله ، فالفضاء العام للرواية تلخصه مجموعة من الأمور والقضايا السياسية ، فالمبلغ الذي استلمه سلامة الحافي ، -الشخصية المحورية والرئيسية في الرواية – ومطالبة الجماعة برد الأمانة ساعد في تطور الحبكة القصصية ، وتنامي الأحداث ، فالتهديد المستمر من الجماعة ، جعل سلامة في خوف دائم وعدم استقرار ،فإصرار سلامة على الترشح للانتخابات النيابية نفّر الجماعة منه وراحوا يطالبونه بالأمانة التي تسلمها منهم لبناء مشروع لهم ” قبل أن يودعوني وضع أحد المشايخ ورقة في يدي ، دسستها في جيبي ، وعندما خلوت إلى نفسي أخرجت الورقة لأقرأها ، سطر واحد كان في أعلى الورقة
” سلّم الأمانة إلى أهلها ….وإلا…”
وكأن الروائي يريد أن
يذم العمل السياسي لما فيه قلق دائم وخوف مستمر ، فهذا حال السياسي في كل مكان ،
المطاردة والاعتقال ، والخوف ، وعدم الراحة ، حتى بعد أن أصبح سلامة نائباً ، ظلّ
الخوف يطارده ، خوفه على نفسه وزوجته التي غادرت دون رجعة وفي أحشائها ولده .
من أحب السياسة عليه أن
يتحمّل أوزارها ، فشخصية سلامة لم تستقر في مكان بل كان دائما في جاهزية تامة
للانتقال والتحرك من بلد إلى أخر ، فقد ذهب إلى العراق ليقاتل في العراق مع ”
الزرقاوي” ، وسلامة ليس إلا رمزاً ، وظفه الروائي لسرد الأحوال السياسية في الوطن
العربي الكبير ، فهناك الكثير من الذين اقتنعوا برسالة الجهاد مع الزرقاوي وغيره ،
” تعرفت
على شاب متحمس من الأردن . كان لقبه ” الزرقاوي” قال لي : هل تريد القتال في
العراق …أجبته ” نعم” . وما هي إلا أسابيع حتى دخلت العراق . كانت العمليات
الاستشهادية على أشدها …وكان الأمريكان يخسرون المئات من القتلى كل يوم".
ولا يغفل الروائي د. حسين العموش عن ذكر الثورات العربية في الدول المجاورة ، مصر ، ليبيا ، اليمن ، تونس ، فهو حريص على توثيق هذه الفترة الزمنية الخاصة بالحركة السياسية وتطوراتها ، فقد كان ميدان التحرير في مصر حاضراً في متن الرواية ، فالروائي قادر على تشيد العالم الروائي الخاص به والمتفرد لغةً وكتابة ، أضافة إلى عنصر التشويق الذي يحث المتلقي على المتابعة ، ففي ميدان التحرير (ريتا ) التي أحبها وأحب محمود درويش الذي كتب ريتا والبندقية ، ريتا حب سلامة الأول ، ” كنت أعرف يا ريتا بأنني سأراك مرة أخرى ، لم أضع فيك كما ضاع محمود درويش ف ” ريتته” ليالي طال بي السهر وأنا أكرر أغنية ريتا على لسان الرائع مارسيل خليفة …تذكرت أن:
ريتا لم تضع مني فرحت أردد مع المغني
قبل هذه البندقية
كان يا ما كان
يا صمت العشية
قمري هاجر في الصبح
بعيداً
في العيون العسلية
والمدينة كنست كل
المغنين وريتا".
بعد ثمانية عشر عاما من الغياب تظهر ريتا في حياة سلامة مرة أخرى ، فيطير قلبه
إليها ، ويتجدد أمل الحب من جديد ، ويلتقيها ، ويسمع منه وتسمع منه ، ولكنه تستأذن
للذهاب إلى ميدان التحرير ، لتغطية أحداث الثورة المصرية ، ولكنها تستشهد وهي تقوم
بواجبها ، وتخور قوى سلامة الحافي ، ويفقد النطق والحركة ، فرينا ما هي إلا رمز
للقضية الفلسطينية التي ماتت في عيون البعض وما زالت حية في عيون وقلوب
الكثيرين .
الرواية فيها الكثير من المشاهد السياسية التي
تلخص فترة زمنية ما ، وقد أبدع الروائي د. حسين العموش في توظيف هذه المشاهد لخدمة
هذا العمل الأدبي ، الذي تميز باللغة الإبداعية السهلة الممتعة ، وبالصور الجميلة
المعبرة.
هوامش:
(1). د.
طه وادي ، الرواية السياسية ، الشركة المصرية العالمية للنشر ،لونجمان ، ص3
(2). رواية
(سلامة الحافي ) ص 11
(3). رواية
(سلامة الحافي) ص 31
(4). رواية
( سلامة الحافي) ص 73
(5). رواية
(سلامة الحافي ) ص 59
(6). رواية
(سلامة الحافي) ص 21
إرسال تعليق