قال الناقد د. محمد صالح الشنطي بأن البنية نسق مغلق، منظومة من العلاقات القارة في وجدان وعقل الأمة، وصاحب هذه الفكرة الذي يتكلم عن البنية يقول إن البنية بنية التخلف هي الأساس، حيث يولد الإنسان ويبرمج في المحيط الذي يعيش فيه وفق ثقافة المجتمع، وتترسخ في نفسه قيم المجتمع من عادات ومعتقدات وآراء، وتتملك في داخله، وتتحول جزءا من بنيته الفكرية والعقلية.
وأشار في محاضرته التي جاءت تحت عنوان " أسباب التخلّف وأدوات التقدم في ثقافتنا المعاصرة"، ونظمها فرع رابطة الكتاب بإربد، بالتعاون مع ملتقى إربد الثقافي وملتقى المرأة، مساء أول من أمس، إلى أن التيار العملي الوحيد الذي أحدث شيئا من التحول في حياتنا في عصر النهضة، بعد قرون من الانقطاع التاريخي على الحضارة العربية، كان التيار التعليمي اللغوي الذي انبثق في لبنان، في مدارس المقاصد الإسلامية ومدارس التبشير، التي أدت إلى تفصيل كثير من قواعد اللغة العربية، وأتت أكلها في بناء المعاجم وغيرها، فكانت الحصيلة في البعد اللغوي طيبة.
وقال في محاضرته التي عُقدت في مقر إربد الثقافي، بعد عودة الأنشطة التي توقفت جرّاء جائحة كورونا، إن بنية التخلف في مجتمعاتنا تتكوّن من جملة من السلبيات الموروثة : التنافي لا التنامي والتآكل لا التكامل والإلغاء لا الإبقاء والهدم لا البناء، لافتا النظر إلى أن عملنا في الغالب محكوم بالتحفظ والحذر والمراقبة والترصد وذلك ما يقتل روح الإبداع، وعلى الرغم مما يزعمه مفكرو الثقافة من أنه نسق مضمر في تراثنا فإنه قابل للتغيير بدليل تلك الصفحات المشرقة في تاريخنا.
وأوضح في المحاضرة التي أدار مفرداتها القاص د. حسين العمري، أن المشكلة في البعد النفسي، إذ أننا في أعمالنا التي نقوم بها نحتاج إلى رقيب، رقيب مترصد، نحتاج إلى مراجعة دائمة، إلى تحفظ، هناك قتل للروح الإبداعية في حياتنا نتيجة لهذه السمات التي تهيمن على أعمالنا، وبالتالي صار نوع من التخوف، ونوع من الإحباط، ونوع من فقدان الثقة، أدى إلى من نحن فيه، الرقابة مطلوبة، ولكن أن تكون على هذا النوع من التسلط تصبح منزعا إحباطياً يؤدي إلى الإحباط.
وأشار إلى أن هناك من يقول إن هذا نسق ثقافي مضمر، موجود في تراثنا، امتد إلى هذه اللحظة، وأن هذه السمات التي تسمى " الشعرنة" امتدت إلى حياتنا المعاصرة، وأصبحت سمة من السمات الثقافية التي تهيمن على فكرنا المعاصر، موضحاً أن هذه السمة موجودة في البشر بشكل عام وليست مقصورة على الثقافة العربية.
وأكد أنه لا يجوز أن ندمر المنظومة القيمية التي نعتبرها حصناً من حصوننا الثقافية بهذه المقولات، وأن النسق الثقافي المضمر الذي امتد إلى كل هذه السلبيات انتقل إلينا، ولا يمكن أن نسلّم بأن هذا النسق المغلق يأخذ بتلابيبنا حتى هذه اللحظة، فهذا نوع من أنواع الإحباط الذي يدمرنا ويدمر كل ما نتأمله في المستقبل من خلاص من هذه الأوضاع التي تسود عالمنا العربي وتشتته.
وقال بأن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، في تصنيف بنية التخلف، فالناس في تعاملهم وفي سلوكهم على أربعة أنواع، هي: طائفة تمدح في الوجه وتذم في الغيبة، وهم المنافقون، وطائفة تذم في الوجه وفي الغيبة، وطائفة تمدح في الوجه والغيبة ولكن هذا الطائفة غير صادقة، وطائفة تذم في المشهد وتمدح في الغيبة وهذي طائفة الحسد، فإذا كنا مصنفين على هذه النحو فهذه مصيبة، ولكن هناك طائفة خامسة صادقة تمدح بالحق ولا تذم.
وأضاف بأن هناك تصنيف آخر، من يسبق لسانهم عقولهم، لأنهم يتكلمون لكي يتكلمون، وتسيطر عليهم شهوة الكلام، وهناك من يتحدث لينتصر لرأيه هو ويراه حقاً ويذم رأي الآخرين، وهذه ثقافة الأنانية، وقليلٌ ما هم أؤلئك الذين يتكلمون بالحق ويدافعون عنه، وبالتالي هكذا يشخصون مجتمعنا، ونحن نقول هذا الكلام غير متفقين معهم.
إلى ذلك استعرض د. الشنطي أقوال أعلام كبار في تراثنا، وعرض الاختلالات في خطابنا الإعلامي والاجتماعي والأدبي والمفاهيمي، وفي علاقاتنا بالآخر، وفي خطابها اللغوي، وعرض لآليات التقدم ممثلة في ضرورة تطوير أساليب التعلم والإقبال عليه ببهجة انضباط وتكامل، والاستفادة من تجارب، الأمم وإفساح المجال للمواهب الفردية والتحفيز والأنسنة.
وخلص د. الشنطي إلى أن هذه الخصال ربما تكون موجودة، فعلينا أن نتنبه لها، إن مثل هذا التشخيص يفيدنا، مثل هذا الحديث عن البنية أمر مقبول لكي ينبهنا لوجود مثل هذه الكارثة، ولكن لا يمكن أن نتقبّل أن كل مجتمعاتنا على هذا النحو، مؤكداً أن الحديث عن هذه البنية يحتاج إلى مناقشة ويحتاج إلى مراجعة، ولا يجوز أن نقع فريسة لبنية التخلّف.
إرسال تعليق