الناقد الأميركي يعزو إلى الرمزية كل أدب كبير في زمانه
حول
حفنة من مبدعين
وضع ويلسون لكتابه هذا
عنواناً ثانوياً يكاد يبدو أكاديمياً هو "دراسة في الأدب الإبداعي الذي ظهر
بين عامي 1870 و1930". ولئن كانت الدراسة قد اقتصرت على سبعة كتاب اعتبر
ويلسون أنهم ينتمون إلى الأدب الرمزي بصورة أو بأخرى، فإنه عمد إلى تحليل الحياة
الإبداعية الأدبية برمتها من خلالهم باعتبار أن معظمهم كانوا من أبرز المبدعين
ولكن أيضاً من الذين حذا حذوهم العدد الأكبر من مبدعي الأجيال التالية لهم. ويلفت
جبرا النظر إلى أن ويلسون حين وضع دراسات الكتاب كان لا يزال زمنياً شديد القرب من
موضوعه حيث أن خمسة من الأدباء الذين جعلهم محور البحث الرئيس كانوا لا يزالون على
قيد الحياة "فيما لم تكن قد مرت سوى سنوات قليلة على موت مارسيل بروست"
بينما كان إليوت لا يزال في مطلع أربعيناته و"لم يكن قد كتب بعد أياً من
رباعياته الأربع وأيا من مسرحياته فضلاً عن بعض نقده المتأخر". أما الذين
تناولهم ويلسون في فصول كتابه فهم وليم بطلر ييتس وبول فاليري وجيمس جويس وغرترود
شتاين ناهيك ببروست وإليوت وفصل بعنوان "آكسل ورامبو". ولنضف إلى ذلك
ملحقين بعنوان "سهرة فينيغان" و"ذكريات عن الدادائية". وكل
هذا في أقل من 250 صفحة علماً أن ويلسون اعتاد في كتاباته استخدام جمل قصيرة
ومكثفة.
"الرمزية
خلقت أدبنا المعاصر"
منذ الصفحات الأولى
يحدد ويلسون أنه إنما أراد بكتابه هذا أن يرسم "ما الذي يجب أن يكون عليه
النقد: تاريخ أفكار الإنسان وخيالاته في إطار الظروف التي أسبغت عليه
أشكالها". وما يهم ويلسون هنا خاصة في نهاية المطاف هو أن يصوّر كيف ورثت
الرمزية في بدايات القرن العشرين مجمل التيارات التي سبقتها (ولا سيما الرومانسية
والطبيعية) وتجلّت في كتابات الأدباء الذين يدرسهم شارحاً كيف أتت الرمزية موروثة
من مالارميه الفرنسي علناً بأن "هناك أمور كثيرة استجدت في الأدب الإنجليزي
يصعب علينا فهمها دون الإطلاع على المدرسة الرمزية" مؤكّداً أنه "إذا
كان أكثر النقد الإنجليزي والأميركي يقف حائراً إزاء أعمال بعض الأدباء المحدثين
فإن بعض ذلك يعود إلى أن أعمال هؤلاء الأدباء اتت نتيجة ثورة وقعت خارج الأدب
الإنكليزي". وهنا يخلص ويلسون في مقدمته إلى أن "تاريخ الأدب في عصرنا
إن هو في معظمه إلا تاريخ نطور الرمزية واندماجها في النزعة الطبيعية أو صراعها
معها".
إنطلاقا من هذه النظرة
التي بدت شديدة الغرابة حينها، تناول ويلسون إذاً بعض أشهر الأعمال الأدبية في
الثلث الأول من القرن العشرين، ما جعله يعتبر في نظر الكثيرين، أفضل ناقد أدبي
معاصر. ولئن كان إدموند ويلسون قد عرف بالجدية في نقده، فإنه كذلك عرف باللؤم
الشديد وباستخدامه العبارات الجارحة حين لا تنفع حجة مع "خصومه" ولا
ينفع جدال. ومهما يكن، إذا كان إدموند ويلسون قد برز كناقد كبير، فإنه لم يكن
ناقداً وحسب، بل كان روائياً وباحثاً ومؤرخاً ايضاً، كما أصبح واحداً من كبار
أقطاب الحركة الأدبية الأميركية بعيد الحرب العالمية الأولى، واشتهر بمعاركه
الأدبية الصاخبة، تماماً كما اشتهر بزيجاته المتعددة، وكان من أشهر زوجاته الكاتبة
التقدمية ماري ماكارتي، التي رغم طلاقهما السريع ظلت صديقة له، ولسان حالها يقول:
"الإبقاء على صداقته خير، في نهاية الأمر، من اكتساب عداوته"، وهو حافظ على
تلك الصداقة ودافع عن أدب السيدة دفاعاً شديداً.
اللامنتمي
في كل مكان
ولد إدموند ويلسون
العام 1895 في ردبانك بولاية نيو جيرزي الأميركية، وتخرج العام 1916 من جامعة
برنستون حيث كان رفيقاً لسكوت فيتزجيرالد. خاض ويلسون الحرب العالمية الأولى مع
الجيش الأميركي المحارب في فرنسا، وبعد عودته عمل أولاً في الصحافة حيث راح يكتب
المقالات النقدية لمجلة "فانيتي فير" ثم لمجلة "نيو ريبابلك"
وبعد ذلك لمجلة "نيويوركر". وكانت كلها من أهم مجلات النخبة التقدمية في
الولايات المتحدة في ذلك الحين. غير أن ويلسون، خلال كتابته في تلك المجالات، لم
يشعر بأدنى انتماء إلى أي منها، على أي حال، بل كان يشعر باستقلاله التام، وهذا ما
جعله، في الوقت نفسه، محل غضب الشلل المتحكمة في الأدب الأميركي، كما محل رضا
أنواع الكتاب المستقلين والطليعيين كافة.
طوال الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، أصدر إدموند ويلسون روايته الوحيدة "فكرت بديزي" (1929)، كما نشر عدة قصص قصيرة جمعها لاحقاً في مجموعة وحيدة حملت عنوان "مذكرات مقاطعة هيكات" (1946) وخمس مسرحيات جُمعت في مجلد واحد عام 1954، كما نشر العديد من القصائد والأفكار في كتابين حملا عنواني "دفاتر الليل" (1942) و"أفكار ليلية" (1961).
في أعماله جميعاً كان ويلسون حاذقاً هادئاً ثابتاً، بحيث أن كاتبي سيرة حياته والباحثين في أدبه قالوا عنه على الدوام إنه الرجل الذي أعاد اختراع ما يطلق عليه في الأدب الأميركي اسم "مراجعة الكتب" إذ لولاه لما كان لهذا النوع من النقد المكانة التي يحتلها الآن. كل هذا على رغم أن ويلسون يكاد يكون شبه منسي اليوم، بعد مرور نحو نصف قرن على موته، هو الذي رحل عالمنا عام 1972.
____
المصدر: اندبندنت عربية
إرسال تعليق