فيما كتبَه سليم بركات عن علاقته بمحمود درويش ظهرت تجليات هذا المفهوم، وبخاصة ما "أفشاه من سرِّ حول أبوة الأخير لإبنة غير شرعية"!!. تجنّبتُ الخوضَ في هذا الموضوع، وإن كتبتُ بعض التعليقات على حوائط صديقات وأصدقاء، ليس لنفيِّ "تهمة" أنني جزءٌ من هذه الثقافة، وإنما من باب عدم إشغال أنفسنا بقضية تدخل في الحيّز الخاص للمحكي عنه، رغم "قباحة" ما حُكيَّ، وتوقيته، ومراميه.
وأما في الحيّز العام، علينا أن نتعامل مع ما كتبه سليم بركات كشهادة عن علاقته بمحمود درويش، هذه العلاقة التي بدأت عام 1973 في بيت أدونيس (في بيروت) واستمرت حتى قبيل سفر درويش للعلاج في الولايات المتحدة، عندما حادثه الأخير من عمان. وإن كان درويش يكبر بركات بعشر سنوات فقط، إلا أنّه تعامل معه كإبن غير بيولوجي، وآثره بشكل غير عادل على حساب أقلام فلسطينية عديدة، وعلى امتداد عقود من الزمن. (تجربة فصلية الكرمل نموذجاً).
ولئلا أُتَّهَمُ بأي إتهام تجانبه الحقيقة، كان الكتّاب الفلسطينيون في المنافي بحاجة إلى منصة ثقافية خاصّة بهم، في ظلِّ عدم توفر منصات تطلق نتاجاتهم إلا بشروطها، تكون هذه المنصة منفتحة على الكتّاب الآخرين من عرب وغيرهم، إلا أنّها تمثّلهم، وهذا ما كانت تفتقده تلك الفصلية، وعلى الصعيد الشخصي كتبت هذا الرأي في وقت مبكر، وأظنني حوسبت عليه!
ما لفت انتباهي في (شهادة بركات التي لم يطلبها أحدٌ للإدلاء بها) والمذيّلة في شهر تموز (يوليو) 2012، علوَّ نبرة ألــــ (أنا) فيها. لا أعترض على ذلك، كما أنني لا أعترض على أن يضع نفسَه في مصّاف درويش، وله كامل الحقِّ في أن يتعامل معه بندِّية. يقول بركات: {{كان محمود مذهِلاً في تلقائيةِ "اعترافه"، بلا تحفُّظ من شاعرٍ كبير مثله، أنه جاهدَ كي لا يتأثر بي، وفي اعترافه أنه لم يعد يعرف أين الحدُّ بين أن يراني صديقاً، أو يراني ابناً له}}. ويضيف: {{ لم يَحملْني خيالُ الشاعر الناقدِ فيَّ إلى مساءلةٍ في إنشائِهِ بيانَ قلبهِ شعراً. هو يعود بالشعر مرةً إلى مَأهُوله من الشعريِّ، ويُبقي الشعرَ مرةً في ثقةِ الآخرين بالقضية وضوحاً صِرْفاً".
(ثقافة القطيع) أخذتنا إمّا للدفاع عن درويش من زاوية عدم جواز المساس بالمقدّس، وإما لمهاجمة بركات (الذي خان الأمانة، وأفشى سرّا)!! وإما لمهاجمة الاثنين، وتعميم صفة (الخيانة) و(الخِسَّة) و(النّذالة)!! على الشعراء جميعاً، ورجمهم بحجارة من سِجِّيل. وأمّا القضية الثقافية فيما كتبه بركات: (التأثر باللغة، التناص، حضوره في شعر ونثر درويش/ ورأيه النقدي في منجزه الشعري)، وأعتقد أنها الأهم فيما كتب، ولم يقف عندها كثيرون منا.
هل أراد سليم بركات أن يقول بأنّ درويش لم يفلت من التأثر بلغته؟ أم أراد أن يقول بأنّ درويش كان يشتغل على قصيدته كشاعر أحيانا، وفي أحيان أخرى يكتب قصيدته متكئا على ثقةِ الآخرين بالقضية التي كانت الجزء الأصيل في مشروعه الشعريّ؟ ، وبهذا أراد أن يخلخل أهم المكونات في شاعرية درويش؟!
ورغم ذلك، أعيب على بركات ما قاله فيما يتعلّق بالأبوة، ليس من باب إفشاء سرٍّ أسرَّه درويش له، وإنما إفشاء سرٍّ أسرَّه صديقُه الجالسُ في استراحة الأبدية، وهو غير قادر على قول نعم، أو نقيضها، هذا السر الذي لم يثر فضول بركات وقت بوح درويش به، كما لم يثر فضوله بعد اثنتين وعشرين سنة عندما أفشاه – حسب تعبيره -.
وإذا لم يثر فضوله، فلماذا يفشيه الآن؟ وفي السياق الذي تحدث فيه عن درويش إنساناً وشاعراً، هل أراد خلخلة صورة ومكانة الشاعر؟ وفي ظنِّه إن أراد، أيستطيع ذلك؟
إرسال تعليق