-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

عشر روايات تبدد وحشة العزلة في زمن "كورونا"

 

 صلاح أحمد كاتب وروائي

حين تنازل البراءة قبح العالم وتتصادم الهوية مع "البديل" في قرية نيجيرية

تحفل الساحة الأدبية بروايات عدّة لا حاجة إلى تقديمها لأنها صارت جزءًا من الوعي المعرفي العالمي... ألف ليلة وليلة وأشعار دانتي القصصية وروايات هوغو وديكنز ودستيوفسكي، وحتى أعمال حديثة مثل "مئة عام من العزلة" لماركيز. ولكن ثمة أعمالاً أدبية أخرى قد تخطئها العين في عجالة العصر وسيادة الشاشة الرقمية على الرغم من أنها تستحق القراءة. والآن و"كورونا" يبطئ سرعة عقارب الساعة ويفرض على معظمنا عزلة إجبارية، فربما وجدنا في بعض الروايات جليساً أنيساً ينقلنا إلى عوالم - ملاذات أخرى. ونقتطف أدناه عشراً منها، كأمثلة فقط لنوع القصص القادرة على تبديد الوحشة


لست خائفاً/ نيكولو أمانيتي

  (2001)

المكان: قرية فقيرة متخيلة تُسمّى أكوا ترافيرسا في أحد أرياف جنوب إيطاليا. الزمان: موجة الحر التي ضربت البلاد في صيف 1978. موضوع القصة: في أحد مشاوير لهوه البريء على دراجته، يكتشف الراوي - وهو صبي في التاسعة يُدعى ميكيلي اميترانو - طفلاً في عمره اختطفه أهل القرية وسجنوه رهينة طمعاً في فدية من أهله الأثرياء. وعلى الرغم من حداثة سنه، يعلم ميكيلي أن هذا سر من الضخامة والخطورة بحيث أنه لا يستطيع أن يخبر به أحداً. وهكذا نجد أننا داخل عقل صبي يصارع بعض أسوأ ما تتفتق عنه عقول الكبار. إليك إذاً بالبراءة تنازل قبح العالم. هذه رواية بيعت منها فوق الـ700 ألف نسخة وتُرجمت من الإيطالية الى أكثر من عشرين لغة وعادت على كاتبها الماهر نيكولو أمانيتي بالجائزة تلو الأخرى وقذفت به إلى مصاف الكبار في عالم الكتابة الأدبية.


النمر الأبيض/ أرافيند أديغا

  (2008)

"النمر الأبيض" هي الرواية الأولى المنشورة للصحافي الهندي أرافيند أديغا ونال عنها جائزة "البوكر" في 2008. وهي "مونولوغ" في شكل خطاب طويل موجّه إلى الرئيس الصيني وين جياباو، الزائر وقتها. الرسالة يكتبها، في سبع ليال متصلة، بالرام هالواي، اليافع الهارب من فقر قريته ليعمل سائقاً وخادماً لثري وزوجته الشابة في نيودلهي. وهنا يشهد بعينيه الهوة العظيمة بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، بخاصة أن الاثنين يعيشان ملتصقين، وكيف أن عجلة الرخاء لا تدور إلّا بكمّ هائل من الفساد والخطيئة. وعبر هذه المطية ذاتها وفوق حطام أسرته وأسرة مخدمه، يصبح بالرام نفسه من رجال الأعمال، أصحاب المال والنفوذ.

أحد الأسباب الأساسية التي تجعل من هذا العمل متميزاً حقاً هو التصوير الكوميدي لمطحنة الرأسمالية الهندية ونوع التراجيديا التي تظلّلها حتى النخاع. هذه رواية لا تخلو أي صفحة فيها من دراما هائلة مؤطرة بالسخرية وتنمحي فيها الحدود بين الدمعة والابتسامة والنفس المنقبضة والصعداء.


 
البحر المحيط/ أليساندرو باريكو

(1993)

"البحر المحيط" رواية تجمع في بوتقة الواقعية السحرية قصص نزلاء في فندق بمنتجع بحري قصي. ومن هولاء: فنان تشكيلي يرسم لوحة للبحر و"ألوانه" الوحيدة هي ماء البحر ذاته. عالم يسطّر خطابات غرام عميق لامرأة لم يلتقِ بها بعد. زوجة خائنة "ينفيها" زوجها إلى الفندق حتى يخفّف استعدادها الفطري للوقوع في غرام الرجال، ومراهقة تبحث عن علاج لمرض حيّر الأطباء. جميع هؤلاء يلتقون في هذا الفندق وتصبح أحلامهم وأقدارهم طرفَيْ صراع شرس، بخاصة بعد عاصفة هوجاء تأتي إلى الفندق بما يشبه شبحاً بحرياً، له أيضاً مطلبه الخاص المخيف.

ويؤخذ القارئ بالأجواء السيريالية والشاعرية المرهفة التي اختطّ بها باريكو كتابه، ولا غرو فهو دارس للفلسفة والبيانو ويكسب عيشه من النقد الموسيقي في بعض أكبر الدوريات الإيطالية. وقد أثبت عمق موهبته الأدبية بعدد من الروايات الأخرى، ربما كان أبرزها "حرير" التي حوّلها المخرج الكندي فرانسوا جيرار إلى فيلم ناجح في 2007.

ستعرفون سرعة عطائنا/ ديف إيغرز

(2002)

 في هذه الرواية المعنونة You Shall Know Our Velocity يحصل الراوي، واسمه ويل، على 32 ألف دولار من شركة للطاقة لأنها استخدمت صورته الظلية وهو يغيّر مصباحاً كهربائياً، ويحصل معها على وخز الضمير لإحساسه بأن هذا المال الوفير لم يأتِ من عرق جبينه. فيقرر مع صديق له اسمه هاند أن يسافرا حول العالم لتوزيع المال على من يعتبران أنهم فقراء أحق به، لأن البشرية أسرة واحدة حري بها التعاضد. على أن هذه المغامرة السامية ليست من دون أخطارها وثمنها الذي يبدو لنا أن ويل يدفعه في اختلال موازين أحكامه. لكن هذه الرواية لا تنتهي هنا، لأن مؤلفها الأميركي أصدرها مجدداً في 2003 تحت اسم Sacrament (احتفال طقسي) حاملةً في منتصفها ملحقاً من 49 صفحة هي رواية هاند للأحداث. وهنا يشكّك هاند في معظم ما يسرده علينا ويل. وعليه تصبح الرواية الأصلية روايتين في شكلها المعدل. أيهما الصادق؟ لكل قارئ حكمه.

بيل كانتو/ آن باتشيت

(2001)

"بيل كانتو" Bel Canto مصطلح موسيقي يعني "الغناء الجميل"، وهو العنوان الذي اختارته الكاتبة الأميركية آن باتشيت لروايتها الرابعة. وهي عن حفلة في مسكن نائب الرئيس - في بلد جنوب أميركي غير مُسمّى - على شرف نائب رئيس مجلس إدارة شركة يابانية عملاقة (لاجتذاب استثماراتها إلى البلاد). وكان يُفترض لمغنية أوبرا أميركية شهيرة أن تغني في ختامها. غير أن مجموعة ثورية تقتحم الدار وتبدأ أزمة رهائن تستمر شهرين، تنشأ خلالهما علاقة حب بين الضيف الياباني ومغنية الأوبرا على الرغم من غياب اللغة المشتركة، وبين المترجم الياباني وإرهابية يافعة في الزمرة الثورية.

الرواية مستقاة من أزمة رهائن السفارة اليابانية في ليما، بيرو، (1996-1997) وتسعى إلى تصوير انبثاق النور من قلب الظلام. وقد كتبتها باتشيت بمهارة وشاعرية ضمنتا لها أن تُترجم إلى ثلاثين لغة وأن تتحوّل إلى أوبرا في 2015 وإلى فيلم في 2018.



الأشياء تتداعى/ تشينوا أتشيبي

  1959

تُعتبر هذه الرواية القصيرة - لمؤلفها النيجيري تشينوا أتشيبي (أبو الرواية الأفريقية) إبداعاً أدبياً يصحّ القول إنه أعظم رواية خرجت بها القارة السوداء على الإطلاق وبين أهم ما سطّرته الأقلام في تاريخ القصة الحديثة.

تدور أحداث هذه الرواية في قرية نيجيرية خيالية تصبح مسرحاً لتصادم "البديل" الاستعماري (البريطاني) مع تقاليد المكان الضاربة في القدم. وهي تحكي عن الانحسار السريع الذي يبتلع هذه التقاليد في قرابة لقمة واحدة، ولجوء بطلها إلى "الملاذ الأخير" وهو يرى عالمه، بخيره وشره، يتداعى من حوله.

وتتّخذ هذه الرواية مكانتها السامية وسط عيون الأدب العالمي (احتلت المرتبة 14 في قائمة "نيوزويك" الأميركية - عام 2009 - لأفضل 100 رواية في التراث الإنساني الأدبي) لأنها - على قصرها النسبي - جاءت مرآة حقيقية لاندثار الهوية المحلية بفعل هوية غازية في أي مكان في العالم.



  الأطلس السُحُبي/ ديفيد ميتشيل

2004

العنوان الإنجليزي لهذا الكتاب هو Cloud Atlas الذي لا يعني شيئاً في حدّ ذاته. لكن مؤلفه البريطاني، الذي يقول إنه أُلهم بقطعة موسيقية يابانية بهذا العنوان، يفسّره بأن الأطلس يرمز إلى الطبيعة البشرية (الثابتة)، بينما ترمز السحب (المتحرّرة أبداً) إلى المراحل المتعددة التي قد تدخل فيها وتخرج منها هذه الطبيعة. والرواية – وهي من فئة الخيال العلمي - ملحمة زمنية على مدى خمسة قرون تتناول ست قصص تترابط على نحو أو آخر... من القرن 19 مع سفينة في مياه نيوزيلندا تحمل أرستقراطياً يصادق مسافراً أسود خبّأ نفسه داخلها، إلى ثلاثينيات القرن العشرين في بلجيكا حيث يعمل موسيقي موهوب منوطاً لموسيقي عجوز أقل موهبة منه، إلى عام 2144 في كوريا الجنوبية حيث تخضع أنثى روبوت للاستجواب بتهمة رغبتها في التحوّل إلى إنسان... وهكذا دواليك في حكايات متّصلة تستند أيضاً إلى مفهوم "الاستنساخ".

هذه رواية من الوزن الثقيل سواء على مستوى الشكل أو المضمون وتستلزم شيئاً من التركيز من جانب القارئ. وقد نافست وفشلت في الحصول على جائزة "بوكر"، لكنها صارت من معالم الرواية البريطانية خصوصاً والغربية عموماً، وحوّلتها هوليوود في 2012 إلى فيلم ناجح بطولة توم هانكس وهالي بيري.



الخادمة/ كاثرين ستوكيت

  2009

هذه رواية "مختلفة" تدور أحداثها في جاكسون، ميسيسيبي، في أوائل الستينيات وتحكيها ثلاث خادمات سوداوات لأسر بيضاء إضافةً إلى صحافية بيضاء أيضاً، وذلك في فصول تتشابك خيوطها لتنسج مجتمعة قصة مدهشة على أكثر من مستوى.

وهناك عددٌ كبيرٌ من الروايات التي تتّخذ من العنصرية الأميركية هاضمة الحقوق السوداء موضوعاً لها، و"الخادمة" واحدة منها. لكنّ هذه القصة المدهشة قفزت إلى الواجهة بفضل منعطف معيّن أحدث شهقة جماعية كادت تصبح عاصفة بفعل الصدمة المحتواة فيه.

 وربما كان هذا المنعطف الفجائي الصادم هو السبب في أنّ ستوكيت اضطُّرت لتقديم عملها هذا إلى 60 من العملاء الأدبيين رفضوه جميعاً الواحد تلو الآخر، قبل أن تحظى أخيراً بناشر. ومنذ وقتها، بيعت من الرواية 7 ملايين نسخة ورقية ومسموعة وجلست في قائمة "نيويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعاً 100 أسبوع متتالية ونُشرت في ما لا يقلّ عن 35 من بلاد العالم.



حادثة الكلب الليلية الغريبة/ مارك هَدون

  2003

فازت هذه الرواية بثلاث جوائز رئيسة في بريطانيا في عام نشرها وحده. ومن الأمور البارزة التي تميّزها أنها نُشرت في طبعتين إحداهما للكبار والأخرى للصغار، وأن صفحاتها ليست مرقّمة بالشكل العادي المتسلسل وإنما بالأرقام الأولية (2-3-5-7-11... إشارةً إلى موهبة بطلها الصبي في الرياضيات).

بطل القصة وراويها صبي في الـ 15 من عمره يُدعى كريستوفر بون، مصاب بـ"التوحّد"، لكنه يصف نفسه بأنه "عالم رياضيات يعاني من بعض الصعوبات السلوكية". وتبعاً لمؤلف الرواية، مارك هَدون، فإنّ الكتاب "ليس عن التوحّد وإنما عن الرؤية المختلفة". وبالفعل، فهي رواية حريٌّ بكل باحث عن المنظور المختلف قراءتها لأنها تجمع في بطنها خيوط القصة البوليسية والمغامرة الاستكشافية والملاحظات الاجتماعية وغيرها وجميعها على لسان صبي يفسّر العالم وفقاً لرؤيته الخاصة به ولا أحد غيره، وكل ذلك في قدرين متساويين من الدراما والفكاهة. ولنذكّر أنه بخلاف عدد الجوائز التي حصلت عليها الرواية، فقد اختطفتها خشبة المسرح القومي اللندنية وبُث عرض المسرحية الافتتاحي إلى مختلف الشبكات العالمية.



 العين الأشد زرقة/ توني موريسون

1970

هذه هي أولى روايات الكاتبة الأميركية السوداء توني موريسون حائزة "البوليتزر" ثم "نوبل" لأعمالها الكثيرة المخصصة بأكملها لطرح مسألَتَيْ العبودية وتركتها العنصرية أمام ضمير العالم الحديث.

تدور أحداث هذه الرواية - التي طوّرتها موريسون من قصة قصيرة حول فتاة سوداء تُدعى بيكولا تعيش في لورين، أوهايو (مسقط رأس موريسون). وبسبب لونها الداكن وهيئتها عموماً، فقد اعتُبرت "قبيحة". ومن هنا، تنشأ لديها "عقدة نقص" مرَضيّة، فتصبح أمنيتها في الحياة  أن توهَب زرقة في عينيها لأنّ هذه، في يقينها، هي أهم صفات البنت البيضاء الجميلة.

ومع أنّ موريسون اشتهرت بشكل خاص بعد روايتها Beloved (محبوبة) ولامتلاكها ناصية اللغة الشاعرية في سائر أعمالها الأدبية، فإنّ "العين الأشدّ زرقة" تظل – على قصرها النسبي – من أبدع ما كتبت. فقد غاصت بهذه الرواية في أعماق النفس البشرية ورؤية العالم عبر منظور الجمال واختلاف مقاييسه، وأيضاً لأنها مسّت أكثر من عصب اجتماعي حساس، كالاستغلال الجنسي للأطفال وزنى المحارم. ونتج من هذا حظرها في المدارس والمكتبات العامة ولم يشفع لها أنّ موريسون تناولت كل ذلك بقدر مدهش من الشفافية الخلّاقة

_____

المصدر: اندبندنت عربية

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016