-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

إضاءة على الأدب الاجتماعي / إعداد: د. سلطان الخضور


تعريف الأدب  

يعرف  معجم المعاني الجامع الأدب على أنه " ما أنتجه العقل الإنساني من ضروب المعرفة وتشمل عند المتقدمين من اللغة والصرف, والاشتقاق والنحو والمعاني, والبيان والبديع, والعروض والقافية, والخط, والإنشاء, والقصص, والرواية, وعلوم اللسان, وعلوم القرآن, والتاريخ والجغرافيا, والفلسفة وآداب البحث, والمناظرة وطرقها, وآداب المناسبات من خطب وقصائد". وهناك ما يسمى الأدب المقارن الذي يعنى بدراسة التأثيرات الأدبية المتبادلة التي تتعدى الحدود اللغوية والجنسية والسياسية, كأن يدرس آداب بلدين ويقارن بينهما, ويربط الواحدة بالأخرى, مستخلصاً أوجه الشبه والتأثيرات المتبادلة. ورجال الأدب هم رجال الفكر.


ويعرف الأدب اصطلاحاً على أنه تشكيل لغوي جمالي الموقف من الواقع. وعرفه ابن خلدون على أنه فكر الأمة الموروث الذي يعبر عنه الشاعر أو الكاتب بلغة ذات مستوى رفيع. ينقل بشفافية موروث الأمة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والحضاري...الخ


      وأقتبس عن "هاشم قاطع" في ترجمته عن وليم جي لونج ما نصه "والأدب بمعناه الواسع ربما يعني ببساطة الكتابات التي تتناول الأعراف البشرية وتشمل تاريخها وعلومها فضلاً عن قصائدها الشعرية ورواياتها، أما في المعنى الأضيق فإن الأدب يمثل سجل الحياة من الناحية الفنية وبذا نستبعد منه معظم كتاباتنا مثلما نستبعد الأعداد الكبيرة من البنايات التي لا تعدو كونها أكثر من مأوى عن الريح والبرد، وهي بذلك لا تشكل جزءاً من الفن المعماري. إن عملاً ما يتناول موضوعاً تاريخياً أو علمياً ربما يكون مادة أدبية أيضاً بشرط أن يتوافق موضوعه وطرحه للحقائق مع جمالية التعبير التي تميز الأدب" ويضيف " أول سمة هامة للأدب هي الصفة الفنية للأجناس الأدبية كافة، وأنواع الفن بمجملها هي تعبير عن الحياة بصفتي الحقيقة والجمال أو أنها انعكاس لبعض الحقيقة والجمال الماثلان في هذا العالم، لكنهما يظلان بعيدين عن الملاحظة إلى أن تقوم روح إنسانية حساسة بجلب انتباهنا إليهما تماماً مثلما تعكس الانحناءات الرقيقة للمحارة أصواتاً وتناغمات تصعب ملاحظتها بسبب أصواتها الخفيضة. في هذا الشأن ربما يمر مائة شخص بحقل للقش فيشاهدوا العمل الشاق فحسب مجسداً أمامهم فضلاً عن كوم الحشيش الجاف. لكن هناك شخص أخر يمر بمرج روماني تعمل فيه فتيات في حقل القش وهن يغنين فيلقي نظرة عميقة للغاية ليرى الحقيقة والجمال فيما لا نرى نحن سوى الحشائش الجافة ليطلق بعدها العنان لتفكيره فيصوغ ما يراه بقصيدة قصيرة يخبرنا فيها القش عن قصته الخاصة.


           أما كلمة اجتماعي فهي من كلمة جمع سواء كان جمع قلة من ثلاثة إلى عشرة وما بينهما أو جمع الكثرة وهو ما يطلق على ما فوق العشرة مثل جيش, خيل, نساء ,رجال...الخ ونقول هو اجتماعي أي يحب مخالطة الناس والاجتماعي هو من يهتم بشؤون الناس ويشاركهم أنشطتهم وقضاياهم والعلم الذي يبحث بقضايا المجتمع وتركيبه وتطوره هو علم الاجتماع, وعليه نستطيع أن نستخلص أن الأدب الاجتماعي هو أي جنس أدبي يهتم بقضايا المجتمع الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو تركيبته السكانية ...الخ. وهذا يقودنا للحديث عن المسؤولية الاجتماعية التي تتضمن الحقوق والواجبات والمبادرة والاستعداد الذاتي للمساهمة في حل المشاكل التي من الممكن أن تواجه المجتمع


   دور الأدب في المجتمع

     يعتبر المجتمع الحاضنة الأهم للأدب, فلا يمكن للأدب أن ينتعش أو يتطور بعيداً عن المجتمع الذي ينتمي إليه وبدون أن تكون هناك علاقة دافئة بين الطرفين, يساهم الأدب في بناء المجتمع ويكون المجتمع عشاً يحتضن ما ينتجه هذا الأدب من أفكار, ولا بد من أن يوفر هذا المجتمع أشخاصاً يستمعون وآخرين يقرأون وغيرهم يحللون وينتقدون ويوظفون مخرجاته لصالح الجماعة, فيكونون بذلك علاقة تبادلية تنقب عن مرامي الأدب وتضعه في بوتقته الصحيحة التي تقوده إلى تحقيق أهدافه ومراميه.


      ما ذكرنا في الفقرة السابقة لا يمكن أن يتحقق إلا في حالة من الوعي تفرض على الأديب أن يكون مدركاً لما يجري حوله إدراكاً يفوق إدراك الآخرين, وتحديداً المتلقين ليتمكن من تحقيق المهام التي تمت صياغته من أجلها.


      وتعتبر الكلمة الصادقة ذات المعنى, واللوحة الموحية المعبرة, والقصيدة ذات الصور الجميلة والموسيقى العذبة التي تعبر عن الذوق العام, كل ذلك يستطيع الأديب توظيفه في موقف معين يعبر عن تجربة يشعر الأديب أنها تستحق أن تصل إلى المتلقي ليستمع بها ويستفيد منها.


        تعتمد العلاقة بين الطرفين على مدى استعداد الأديب على تحمل مسؤوليته تجاه هذا المجتمع, فعليه أن يكون قادراً على الفك والربط والتركيب والتحليل, فتحليل المواقف الحاضرة والقدرة على ربطها بالماضي بشكل مؤثر وجاذب يسهم بلا شك في تمتين العلاقة المجتمعية المتبادلة بين الطرفين وربط المنتج بروح الأمة لتجديد هذه الروح, وبعثها من جديد لتبقى أمة حية متجددة تقوم بمهامها تجاه العالم التي هي جزء منه, فتعزز القيم الإنسانية التي يتفق عليها الجميع كقيم مثلى لها أثرها الجم في بناء عالم متحضر تحكمه أسس التعاون وتبادل المنافع المشتركة بين أطرافه.


       إن الأديب الصامت الذي لا يعبر عن موقفه تجاه ما يعصف بالأمة من أزمات وما يعتريها من مشاكل, لا يعتبر أديبا, فعليه أن يكون شخصاً متميزا قادراً على التقاط  الفكرة وتوظيفها توظيفاً ايجابيا بطريقة إبداعية مثمرة ويضعها في الموقف الملائم والزمن المناسب والأسلوب الجاذب ليسهم في التغيير. فيجب على الأديب أن تتوفر فيه شروط القدرة على الكتابة شعراً أو نثراً وأن يمتلك ملكة التذوق ولديه إحساس الناقد.


        ويستشهد الكاتب بتوفيق الحكيم بقوله أن الحكيم عندما سئل لماذا تكتب أجاب " لأن الفنان لا بد أن يكون له وجهة نظر في الحياة وفي الناس وفي الأفكار. الفنان ليس مجرد متفرج. إنه متفرج وصانع لمجتمعه في وقت واحد." ويستشهد الكاتب أيضاً لقول نيتشيه " من لم يكن يحيا لكشف الحقيقة كاملة ...لن يكون ذلك كاتباً وإنما هو أفاك مزور لا قدر له ولا مقام له".


        نستنتج أن الأديب جزء من النسيج المجتمعي, عليه واجب كشف الحقيقة وإظهارها للناس, وعليه أن يكون له رأي واضح وبين مبني على عنصري الإبداع والإمتاع. وعلى الأديب واجب البناء على من سبقوه من أصحاب الخبرة والدراية, وتشجيع جيل الشباب وبث الروح فيهم وإرشادهم وحثهم على تحمل مسؤولياتهم تجاه مجتمعهم.  


      وعلى عاتق الأديب الذي يتصدى للأدب الاجتماعي مسؤولية اجتماعية مهمة تجاه المستجدات التي يقف على رأسها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة سلبية, إذ أصبحت هذه الوسائل وسيلة متاحة وسهلة الاستخدام ولا تحتاج غلى تخصص أو دراسة, بل تعتبر لدى الكثيرين وسيلة للتسلية, لكنها تؤثر على السلوك بشكل ملحوظ ومبالغ به في كثير من الأحيان مما ينعكس على السلوك العام للمجتمع. ولم يقف تأثيرها عند هذا الحد بل تعداه ليضفي طابع الصمت على البيوت, ويحدث أثراً سلبياً, فلم يعد للحوار أو النقاش مجالاً فبات الكل مشغولاً, يظن أن ليس لديه وقتاً يعطيه للآخرين, فظهر ما يعرف بالتوحد الإلكتروني, وبالتالي صار هذا السلوك يوحي بعدم الاحترام.


        إن مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي تستحق أن تأخذ حيزاً في الأدب الاجتماعي, وأن يتم تسليط الضوء عليها كمشكلة اجتماعية تستحق الطرح وتحتاج إلى علاج, لأنها تترك آثاراً سلبية على من يستخدمها حيث قلة التركيز وقلة الاهتمام, والتراجع في التحصيل العلمي, والبعد عن الروحانيات, والتأثر بالشائعات, ونشر الأكاذيب, واستنزاف الوقت دون فائدة وعلى المحيطين به حيث تصيب الشائعات الكثير من الأبرياء نظراً لسهولة التركيب واستخدام الصور بشكل سلبي, يترك أثراً قد يطول أو يدوم وينعكس سلباً على نفسية المستهدف.   


   حاجات الأدب

نقصد بالحاجات الأسباب التي تقف خلف دوافع الأديب للكتابة, فالأديب لا يكتب من فراغ, بل هناك مسوغات تضغط باتجاه تدوينه ما يختلج في ذهنه من أفكار قد تبدو بالنسبة له ضرورة وضرورية التدوين

 أما حاجات الأدب فيحددها ميخائيل نعيمة في كتاب" الغربال" على أنها تتمثل فيما يلي:


1- حاجات نفسية مثل الرجاء واليأس, والنجاح والفشل, والأيمان والشك, والحب والكره, واللذة والألم, والحزن والفرح, والخوف والطمأنينة وكل ما يدور في فلكها من انفعالات.

2-الحاجة إلى الهداية التي تقود إلى الحقيقة, حقيقة ما في أنفسنا وحقيقة ما في العالم.

3- الحاجة إلى الجمال حيث في النفس روح تتوق إلى الجمال, والجمال نسبي قد تتفاوت الأذواق في وصفه ما, إلا أن هناك جمالاً لا يختلف عليه ذوقان.

4- الحاجة إلى الموسيقى فالروح تميل غلى الألحان واهتز لصوت الرعد ولخرير الماء ولحفيف الأوراق, وتنكمش من الأصوات المتناثرة وتأنس بما تآلف منها. زينب الحربي- غاية الأدب في رأي ميخائيل نعيمة


إضاءة على الأدب الاجتماعي

       لا شك ان هناك ارتباط وثيق بين الأدب وعلم الاجتماع, فالأديب يكتب لأفراد المجتمع الذي يعيش فيه, والمجتمع يتوقع من الأديب بغض النظر عن الجنس الأدبي الذي يهتم به أن يطرح سواء بشكل مباشر أو غير مباشر جزءاً من قضاياه وهمومه, وان يتعرض فيما يكتب لهذه الهموم, سواء بالإشارة إليها أو بالإسهام بتسليط الضوء عليها, والتعرض لنقاط القوة والضعف في المجتمع الذي يعيش فيه, واضعاً حلولاً يراها مناسبة لهذا الوقت أو ذاك.


    ويحاول الأدب الاجتماعي أو ما يطلق عليه علم اجتماع الأدب أن يقوي العلاقة ما بين علم الاجتماع والأدب وأن يكرس الأدب بأصنافه لخدمة المجتمع ليسهل فهم أحوال البشر وجعلها أكثر عمقا وأيسر على الفهم.


ولأن علم اجتمع لم يجعل من الأدب حقلاً من حقول دراساته, فقد ظهر فقد ظهر في ستينات القرن الماضي من الباحثين من أهتم بهذا النوع من الأدب لاعتباره حالة إنسانية ارتبط وجودها بوجود الإنسان نفسه وعلاقته بذاته وبالآخرين, مما يبين قدرة الأديب على توظيف اللغة  للتعبير عن تطلعاته وآماله وآلامه ومدى قدرته على تصوير الواقع المحيط .


ومن الجدير ذكره أن الأدب الاجتماعي يهتم بالإنسان من الناحية الاجتماعية دون غيرها, ويرتبط بمدى استقراره واستمراره وبقائه ومدى تكيفه مع هذا العالم وتطلعاته نحو مستقبل أفضل.

تعريف الأدب الاجتماعي وأهميته:


         يرى أحمد أمين في كتابه فيض الخاطر أن الأدب الاجتماعي هو "الأدب الذي يجب لأن يتأدب به الفرد من حيث هو عضو في المجتمع"  ويضيف أن الإنسان له شخصيتان شخصية فردية ترتب عليه واجبات فردية وشخصية اجتماعية ترتب عليه واجبات اجتماعية, ما يجعل لديه عاطفتان, عاطفة حب الذات وعاطفة حب الأمة وكلا هما ترتب عليه حقوق إذا ارتقى رأى خيره في خير أمته وخير أمته في خيره.


          إن الإنسان كعضو في مجتمع فيه يتعلم النظام, ينشأ حسب قدرة هذا المجتمع على التأثير فيه, ومجتمعه هو الذي يحدد مقدار حبه لنفسه, فكلما زادت علاقته بمجتمعه, وبأمته كلما قل حب الذات وزاد حبه الأمة, نتيجة للمعاني السامية التي يكسبه إياها هذا المجتمع وهذه الأمة, ما يجعل معاييرها هي الأساس في سلوكياته. لكن هل ينطبق هذا على جميع الأدباء؟"


          أرى أن الوضع نسبي على المستويين الفردي والجمعي, بالوضع على المستوى الفردي يختلف من شخص لآخر ويعتمد على التربية التي ترباها الأديب خلال مسيرة حياته, وعلى مدى قناعاته بقربه من هذه الأمة ومدى ما تقدمه هذه الأمة للفرد من مزايا, وأحيانا شعور الفرد بأنه يعيش ضمن مجتمع مظلوم يحفز الشعور بالانتماء لديه, ويدفعه للانصهار في أمته أكثر وبالتالي يزداد منسوب الاستعداد للدفاع عن قضايا هذه عن طريق ما ينتجه من أدب. أما على الصعيد الجمعي فتلعب القوانين والأنظمة المطبقة على الفرد وعلى المجتمع دوراً أساسياً في تحديد مدى التفاعل ومدى الاستعداد للدفاع عن كيان هذه الأمة, فالشعور بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص, والحصول على الحقوق وتوزيع الواجبات, يجعل الفرد ينخرط في الأنشطة الاجتماعية والثقافية وغيرها فتعزز الحس الجماعي, وتجعل من الأديب محام يدافع عن قضايا أمته وتعيش الأمة في ضميره وبين ثنايا سطوره, أما الشعور بالظلم الذي يتولد نتيجة لممارسات تقلل من نسبة الشعور بالعدالة فمن الممكن أن تخلق منه أديباً يهاجم أمته بشراسة, ويلجأ لفك الارتباط معها, فيلجأ للأنا على حساب ال" النحن".


      ومما يعزز جنوح الأديب في الكتابة في الأدب الاجتماعي هو الثقافة المجتمعية السائدة, فعدم وجود حد فاصل بين ما هو خاص وما هو عام, وشعور البعض بحقه في تملك ما هو حق للغير مثلاً ومحاولة بعض من أفراد مجتمعه الاعتداء على الملكية العامة, أو التغول على حقوق الغير بحكم الموقع أو النفوذ, يقلل أيضاً من انسجام "أنا" مع "نحن", ما يقود إلى النزعة الفردية ويعزز الذات عند الأديب, ويقلل بالتالي من منسوب الأدب الاجتماعي, ومثل ذلك التنمر ونقصد به هنا تخويف البعض للبعض أيضا نتيجة استثماره لنفوذه سعياً للتحييد والاستئثار بالموارد بدلاً من السعي لتضميد جراح الأمة ومحاولة تقليل الفجوة بين أفراد المجتمع على اختلاف مشاربهم.


      إن الأمة - أي أمه – تحمل في طيات سلوك أفرادها مقومات نجاح أو فشل هذا النوع من الأدب, ونضرب مثلاً آخر على ذلك وهو تعرض الأمة للمخاطر, وهو غالباً ما يكشف عن معادن الأفراد, فإن للأدب الاجتماعي دور رئيس في تكريس مفاهيم الشعور بالمسؤولية من قبل الفرد تجاه الجماعة ومن قبل الجماعة تجاه الفرد وتعزيز مفهوم المشاركة والتصاق الأديب بقضايا أمته ومساهمته   في وضع الحلول الناجعة والناجحة لمواجهة هذه المخاطر , وضمان عدم تكرارها نتيجة وضع حلول استباقية لما يتوقع أن يحصل في المستقبل.


     إن للأدب الاجتماعي دور مهم في إشاعة مبادئ التسامح وطرق الاستئذان والشكر وتقدير الجهود, حتى لو ظهرت قليلة, ما يسهم في بناء مجتمع يشعر أفراده بالطمأنينة والارتياح والفخر والاعتزاز في الانتساب إليه, وما يسهم في إضعاف الأنا أمام نحن.


     ويمكن القول أن الأدب الاجتماعي مرآة المجتمع التي تعكس ما يجول فيه, ويعتمد في نجاحه على مقدار جديته ودقته ونقائه ومدى اهتمامه بالقضايا الإنسانية التي يصبح فيما بعد جزءاً منها. ولا يشترط في الأدب أن يكون واقعياً يعكس الواقع, بل من الممكن أن يكون خياليا يشطح فيه خيال الأديب ويسحب معه المتلقي إلى عالم مجهول لكنه جميل يحرك المشاعر ويحرك الذكاء ويستثير الفضول. وهنا لا بد من التفريق في النتائج ما بين الأدب الواقعي وبين ذاك الذي يعتمد على الخيال, فالأدب الاجتماعي الواقعي يفرح ويحزن ويغضب ويتألم تبعاً للواقع الاجتماعي الذي لا يعيشه الأديب فهو  استقرائي رصدي غير قابل للتحريف أو التزوير, بينما الأدب الخيالي يستشعر عوالم أخرى يسبر بها  الأعماق وقد يذهب إلى ما بعد النفس البشرية, فيترك فسحة أكبر للتصور وتذبذب المشاعر.


    وحتى يكون الأديب أديباً محترماً, يجب أن لا يكون تركيزه على الشهرة فقط باستخدام أساليب قد تحسب رخيصة لا تراعي القيم والعادات والتقاليد المجتمعية ولا تعتمد الشفافية والوضوح, فهذه وإن حققت بعض الأهداف لكنها سرعان ما تزول, وعليه فالبقاء للأدب الإنساني الواعي  الشفاف المتزن. والسؤال الذي يطرح نفسه, هل يكفي أن يصور الأدب الاجتماعي الواقع ويعكسه كما هو؟ والجواب عن تصوير الواقع دون أن يكون هناك حركة وتفاعل ورؤى تضفي على الصورة تفاصيل ضرورية لشرح ما ترمي إليه هذه الصورة من أبعاد بلغة تعمق البسيط وتبسط العميق وتخرج بقالب مقبول يسهم فيه الأديب بفرض روحه الخاصة به والتي تتمايز عن الآخرين, فيستجيب لهذه الروح ويبدأ برسم صورة  جديدة على الورق مستوحاة من تصوير الواقع, ويصبح فيه الأديب جزءاً من الحل وليس جزء من المشكلة. سناء أبو شرار- العلاقة بين الأدب والواقع الاجتماعي.


        ومن القضايا المهمة التي من الممكن أن يتناولها الأدب الاجتماعي, الدعوة للاهتمام بمنظومة القيم والمبادئ والأخلاق, ومنها العدالة والمساواة, وحب الوطن وحب العمل, والتضامن الاجتماعي والوحدة, ونبذ الفرقة ومحاربة الفساد والمحسوبية والواسطة. إضافة لقضايا المرأة وتمكينها وتأهيلها لأخذ دورها في المجتمع. وقيم المجتمع متنوعة وعديدة منها القيم الأخلاقية التي ذكرنا العديد منها والتي تركز على السلوك والأخلاق, والدينية التي تركز على تنشئة الفرد على الأخلاق المبنية على التعاليم الدينية والتي انطلقت من الكتب السماوية وتعاليم الرسل والأنبياء والقيم الاجتماعية التي تسهم في تحديد أنماط التفكير.


    إن الأدب وإن بدا إبداعاً ذاتياً  يعتمد على الابتكار, إلا أن العلاقة بين الأديب ومجتمعه علاقة تبادلية, ويمكن اعتباره ظاهرة اجتماعية لأن الأديب يستمد مادته من المجتمع حتى في أكثر الموضوعات خصوصية, فيؤثر كل منهما بالآخر ولا يمكن الفصل بينهما, وأن  فهم المجتمع يأتي في كثير من الأحيان من خلال فهم النص الأدبي ومجموعة القيم التي يتحدث عنها وبالتالي من خلال  فهم الأديب, وفهم الأديب يكون من خلال فهم المجتمع الذي يعيش فيه. فالإلياذة مثلاً تتغنى بعواطف الجماعة اليونانية, وقد صورت من استبسلوا في حروب طروادة. وقد أجاد عمرو بن كلثوم وهو الشاعر العربي الجاهلي تصوير عصره والحديث عن تقاليد العرب وعاداتهم, فتناقلت بنو تغلب قصيدته حين أشار إلى قوة بأس رجالاتها وانتصارهم على قبيلة تغلب في حرب البسوس. ولم يكتفي الوضعيون الذين ظهروا في العقد الثالث من القرن التاسع عشر ومنهم الشاعر ت.س. إليوت أن الشعر كنص ليس تعبيرا عن انفعال وجداني أو تعبيراً عن الشخصية بقدر ما هروب منها. وهنا نود التأكيد أن الهروب من الذات لا يكون إلى الذات, بل يكون هروباً إلى الجماعة, بل قد يصل إلى درجة طمس معالم الذات وإذابتها في الجماعة.


     باختصار يمكن القول أن الأدب بشكل عام يشكل واحدة من الروافع المهمة حيث يسهم في الحفاظ على ثقافة المجتمع, ويسهم أيضاً في تعديلها, أو تحييد ما يمكن أن يشار إليه على أنه ثقافة سلبية, ويمكن بالتالي أن يتعدى تأثيره على المجتمعات الأخرى بشكل مباشر لأنه بات التبادل الثقافي سهلاً, وصار العالم قرية صغيرة بفضل التكنولوجيا الحديثة سهلة الاستخدام ومتوفرة في جميع الأوقات وفي معظم الأماكن.


    ويمكن تحديد بعض الخصائص الهامة الخاصة بالأدب الاجتماعي بالنقاط التالية:

- يعطي أولوية لمناقشة القضايا الاجتماعية, ويسعى إلى بعث الأمل وتجديد روح الأمة.

- له دور أساس في بناء وتعديل وتعزيز وإلغاء بعض أنواع الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع.

- مواكبة الأحداث الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الأزمات التي تعصف بالمجتمع.

- يسهم إسهاما فعالاً في المواضيع ذات العلاقة بالتنمية البشرية بإعطائها أولوية فيما يتعرض له من مواضيع.

 يتصل اتصالاً وثيقاُ بالمجتمع الذي يعيش فيه وبالأمة التي ينتمي إليها, ويمثل ضميرها الجمعي.-

 - يمتاز بالصدق والموضوعية وهدفه إصلاحي.

- يستمد مواضيعه من المجتمع الذي يعيش فيه.

- يعكس المزاج العام لذات الأديب ويشكل الأديب فيه حالة استجابة لقضايا المجتمع.

- يستخدم لغة ومصطلحات أدبية واجتماعية مفهومة من قبل السواد الأعظم من المتلقين.

- يستخدم لغة خاصة تتنوع حسب الزمان والمكان.

- يلقى إقبالا جماهيرياُ واسعاً.

- يعتمد على قدرة الكاتب, فهو متفاوت التأثير في نفوس المتلقين.

- يبتعد عن الأهواء المتعلقة بأفراد المجتمع.

 - يكتب للجماعة ويبتعد عن الشخصنة.

- يواكب التغيرات العامة في مختلف المجالات وعلى مختلف الصعد.

- يشكل حالة إبداعية تنسجم مع الوضع الثقافي العام, ويستمد مادته من المجتمع الذي يعيش فيه.

- يعقد مقارنات خاصة بالمواد التي يتناولها بين مجتمعه والمجتمعات الأخرى.

- يطرح حلولاً للقضايا التي يتناولها أو يشجع على استنباطها.


معوقات تحول دون تحقيق أهداف الأدب الاجتماعي

والأدب الاجتماعي كغيره من الأجناس الأدبية الإبداعية الأخرى, لبست الطريق دائماً معبدة أمامه, قلا بد من معوقات تجعل مهمته صعبة منها الخوف من الفشل وعدم القدرة على تحقيق الهدف, لكنا نرى أن هذا أمر عادي يمكن استغلاله وتصحيحه في محاولات أخرى قادمة. وقد تكون العادات والتقاليد السائدة في المجتمع معيقاً آخر, وذلك نتيجة لخوف الأديب من الاصطدام بها من جهة ومحاولة عدم الخروج عنها أما خوفاً أو حرجاً مما يلزمه بالتمسك بها ويقيد إبداعه ويحول دون قدرته على التقدم. ويأتي التعرض للإحباط وقوى الشد الأدبي العكسي بغض النظر عن قرب أو بعد مصدرها من المعوقات الرئيسة التي تحول دون غزارة الإنتاج, وأحيانا التوقف وذلك لأن الأدب الاجتماعي على تماس مباشر مع المجتمع, ويتعرض بشكل مباشر لقضاياه, وخاصة إذا اقترن هذا الإحباط بعدم الثقة بالنفس من قبل المرسل. ونضيف عامل الوقت وعدم وجود فسحة من الوقت كافية لتلمس حاجات المجتمع وهمومه وخاصة إذا كان الأديب يسعى لتوفير لثمة العيش له ولأسرته مما يشل تفكيره في القضايا العامة ويحصرها في القضايا الخاصة. ويلعب ضغط العمل دور المعيق إذ ينحصر التفكير فيما يخص العمل على حساب الإبداع والتفكر في الهم العام. وهذه وتلك تتطلب العزيمة والإصرار والثقة بالنفس وعدم الإحباط من تقولات المغرضين, ومضاعفة الوقت والجهد, للخروج بحالات أدبية إبداعية تشق طريقها للمتلقي بسهولة ويسر. وسام طلال- معوقات الإبداع

___

*إبراهيم محمد –علاقة الأدب بالمجتمع- الحوار المتمدن

*علم اجتماع الأدب للأستاذ الدكتور محمد سعيد فرح والأستاذ الدكتور مصطفى خلف عبد الجواد 

*"أحمد أمين فيض الخاطر الجزء الرابع"

  *عبد الجواد خفاجي- الأدب وهموم المجتمع   

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016