-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية
  • recent .
  • جاري التحميل ...
  • recent .
  • الإرهاصات وبدايات المسرح الأردني أحمد الخطيب

    الإرهاصات وبدايات المسرح الأردني  أحمد الخطيب


     ما يلفت النظر أن حاضرة الشمال وعروسها " إربد" كان لها قصب السبق في تأسيس المسرح الأردني، والاشتغال على تنوعاته، ورفد الساحة الفنية بمواهب أصبحت تشكل عوالم الفن المسرحي الأردني المعاصر، فيما أضحت في وقتنا الحاضر خاوية على عروشها، إلا من بعض التجارب الخاطفة على استحياء، أو من بعض التجارب الوافدة من العاصمة " عمان"، ما هي ملامح هذا التأسيس ومفاصله، ولماذا غاب عن المدينة مسرحها في زمن الحراك الإبداعي الذي يتجلى في الأمسيات الشعرية والمعارض الفنية والمؤتمرات المتنوعة، وما هي الاليات التي يمكن أن تُقدّم للمدينة إيقاعا مسرحيا متصلا غير منقطع كما نراه اليوم، حيث تُنتج المسرحيات وفق اجتهادات شخصية في فترات متباعدة، أي أنها لا تشكّل حراكا مسرحياً يُبنى عليه.   

    ناجي: الإرهاصات وبداياتها

    يرى الكاتب المسرحي حسن ناجي بأن  الحركة المسرحية بدأت في إربد في عمقها القومي، عربية، أردنية، ووصلت في عمقها الوطني، أردنية، عربية، وهذه المزاوجة بين البُعدين القومي والوطني، قد رسمت الهوية الفنية للحركة المسرحية على تراب هذا الوطن في أبعاده السياسية، والاجتماعية، والفكرية، ويؤطر كل ذلك الحس الإنساني، الذي لم يغب عن مضامين الأعمال المسرحية حتى اليوم 


    ويشير إلى أن أول عمل مسرحي في إربد كان من تأليف محمد بطاح المحيسن وهو أول خريج أردني من الجامعة الأمريكية في بيروت،  وذلك عام 1908م الذي عمل معلماً في مدرسة حسن كامل الصباّح وذلك في العام 1918م ، وخلال عمله في المدرسة كتب مسرحية تتحدث عن البطل الجزائري عبد الكريم الخطابي الجزائري وكان اسم المسرحية باسم بطلها زيادة في ترسيخ قيمة الرجال الذين يخدمون أوطانهم ، والمسرحية شعرية ، وشارك في التمثيل طلاب المدرسة ، وهي أول مسرحية عُرضت في مدارس إربد ضمن المسرح المدرسي.


    ويؤكد أن مسرحية " سهرات عربية"، من البدايات المبكرة للحركة المسرحية في إربد، وهي أول مسرحية تمثل المسرح الاحترافي، وهذه المسرحية من تأليف وإخراج عثمان قاسم  وهو من زعماء الاستقلاليين، والداعين إلى محاربة الاستعمار الفرنسي، ووحدة الوطن العربي، وتقوم المسرحية على مشروعية مقاومة الوجود الفرنسي على أرض سوريا، ووحدة الأحرار العرب المقاومين لكل وجود أجنبي على التراب العربي، وقد شارك فيها ممثلاً الشاعر العربي ابن إربد مصطفى وهبي التل ، الملقّب بعرار، وقد كان حينها يدرس في دمشق، ومن هنا أرى أن لعرار الدور الكبير في استضافة المسرحية وعرضها في إربد، إضافة إلى مشاركته في التمثيل.


    وينوّه أن نشاطات فنية تشبه في منظومتها الاحتفالية الدراما المسرحية، سبقت عرض مسرحية  "سهرات عرب" في مدينة إربد، وكانت تُعرض هذه النشاطات في مواسم دينية، خاصة في رمضان، مثل قصص الجوالين، والبعض الآخر يُعرض في جميع أوقات السنة، لكنه يزدهر في المناسبات الاجتماعية، والوطنية، مثل صندوق العجب.


    ويضيف صاحب مسرحية " وردة الصحراء، البترا"،  كان من مألوف العادة في رمضان أن يحضر القاصون الجوالون القادمون من سوريا، ويتجمعون في مقاهي إربد، ويقومون بسرد القصص التاريخية المشحونة بالأحداث الدرامية، مثل تغريبة بني هلال وقصة ذات الهمة، إضافة إلى قصص عنترة بن شداد، والزير سالم ، وكان الحضور في العادة يدفعون أجراً لهؤلاء الجوالين، ونستطيع أن نُطلق على هذه النشاطات الفنية اسم مسرح الحكواتي، فقد كان الرواة لهذه القصص يجلسون على مرتفع ويبدأون بالقص مع حركات درامية تناسب الجملة المنطوقة، زيادة في جذب انتباه السامعين


    ويلفت ناجي النظر إلى أنه إذا كانت مهمة الجوالين تبدأ في رمضان المبارك وتنتهي في آخر أيام عيد الفطر السعيد، فإن صندوق العجب قد كان حاضراً في إربد في كل أوقات السنة مع التنويه إلى أن الإقبال عليه كان يزداد   في المناسبات الدينية، رمضان، المولد النبوي الشريف، ذكرى السنة الهجرية – وأيضاً في المناسبات الاجتماعية، خاصة الأعراس، وقد ظهر صندوق العجب في الأماكن المزدحمة مثل شارع حكما الذي تكثر فيه المحال التجارية، وهو المدخل الوحيد للمدينة بالنسبة للقادمين من القرى الشمالية المجاورة والتي يصل عددها أربعين قرية، وبذلك يجتمع حوله الريفيون، وأهل المدينة، كما ظهر صندوق العجب في الساحات الكثيرة، خاصة ساحة الأفراح التي تحيط بها منازل أهم عائلات وأيضاً في الساحة الغربية المقابلة لبيت أبي حسن النابلسي، حيث تتواجد هناك محال تجارية كثيرة، في هذه الأماكن الحيوية كان يتواجد صندوق العجب مكملاً للحالة الثقافية والاجتماعية للمكان .


    العساف: الهروب إلى النجومية

    يقول المخرج المسرحي محمد العساف بأن فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي شهدت نشاطاً مسرحياً أخذ شكلاً من أشكال الكوميديا الهادفة أحياناً والساخرة أحيانا أخرى، وكانت تقدم هذه العروض على مسرح مدرسة وصفي التل الصناعية، وأحياناً على مسرح إربد الثانوية للبنين، حيث لم يكن هناك مسارح في إربد غير هذين المسرحين، وكان القائمون على هذه النشاط مجموعة من أصحاب المواهب الشابة بدعم من المثقفين والشعراء، غير أنه لم يكن بين هؤلاء أكاديميون في مجال المسرح، مما جعل هذه التجارب خجولة إلى حدّ ما.


    ويبيّن أن مثل هذه التجارب لم يكتب لها الاستمرار لأسباب كثيرة، منها: حرب عام 1967، وما تبعها من اعتداءات إسرائيلية، وصولا إلى معركة الكرامة، وأحداث أيلول، بالإضافة إلى شحّ الدعم المادي والمعنوي، وكان من بين هؤلاء الفنان مصطفى خليل وغيره من المواهب.


    ويشير إلى أنه مع نهايات السبعينيات، وبالتحديد مع إنشاء جامعة اليرموك، وعودة مجموعة من  خريجي الجامعات المصرية والعراقية والسورية الذين درسوا المسرح مثل باسم دلقموني ود. غسان حداد ومحمد العساف وآخرون، وبمشاركة عدد من الشعراء والمثقفين والفنانين التشكيليين والموسيقيين أمثال: حسن ناجي ومحمود عيسى موسى وكمال النمري ود. إبراهيم الخطيب ود. محمد غوانمة ونبيل الشرقاوي، منوهاً أن جامعة اليرموك ومسرح المدرج ورئيس الجامعة آنذاك د. عدنان بدران، شكّلت لهم مكاناً رحباً لتأسيس حالة مسرحية جادة ومتكاملة لا ينقصها التخصص والموهبة  والدعم وروح العمل الجماعي، منوهاً أن هذا كان قبل تأسيس كلية الفنون في الجامعة،.


    ويضيف مشرف النشاط المسرحي والموسيقي لدى وزارة التربية والتعليم سابقاً، بأن هذا الإيقاع الحركي للمسرح وطواقمه أدّى إلى تأسيس فرقة" مسرح الفن" التي أنتجت مسرحاً فنيا لافتاً، سواء ما كان يعرض للجمهور بموجب تذاكر، وكانت تلاقي هذه العروض إقبالا كبيراً من الجمهور، أو ما كان يعرض في المهرجانات المسرحية الرسمية، مثل، مهرجان المسرح الأردني السنوي.     


    ويؤكد أنه مع استحداث كلية الفنون، وقسم خاص للمسرح، وبدء تخرج عدد من المسرحيين، برزت حالتين متناقضتين، الأولى: وجود أعداد قليلة جداً من المؤهلين الحقيقيين الذين يمتلكون الموهبة والعلم، وهؤلاء غالبا ما اصابهم الغرور، فذهب أغلبهم إلى عمان آملين بالنجومية، والثانية: هي الفئة الأكبر التي تحمل الشهادة ولا تتوفر  فيها أدنى مستويات الجهوزية والموهبة أو  الثقة بالنفس للعمل في هذا المجال، فكانوا عبئاً على الحركة المسرحية وسبباً في تراخي وتراجع أصحاب المواهب ممن لم يتخصصوا في هذا المجال، حيث بدأ صاحب الموهبة يشعر بالحرج من تقديم نفسه وسط هذا العدد من الخريجين.


    ويخلص المخرج العساف إلى أن الجهد المسرحي استمر رغم شحّ الموارد وبقي الإسهام على مستوى المملكة يفرض نفسه في جميع المهرجانات والمناسبات الفنية حتى عام 2011م، ولكن مع بدايات الربيع العربي  طغت الأحداث والارتدادات السلبية لهذا الربيع على الحالة الاجتماعية، واهتمامات الجميع بهذه  الأحداث من جهة وجفاف الموارد المادية الداعمة من جهة أخرى على الاهتمام بالحركة المسرحية، فأصبح انتاج أي عمل مسرحي جديد مرتبط  بالجهة المنتجة إن وجد ذلك، فانكفأ الكثيرون إلى الجلوس في صفوف المشاهدين لا في صفوف الفاعلين.


    جيزاوي: أعمال نخبوية

    يرى الممثل وليد جيزاوي بأن مسرح السبعينيات من القرن الماضي كان مزدهراً، مبيناً أن حراك العمل المسرحي في تلك الحقبة كان يدعم نفسه بنفسه من خلال بيع بطاقات العروض، مضيفاً بأن هذه الحقبة شهدت ولادة الكثير من الأعمال المسرحية لكل من: أبو صالح دروزة، محمود صايمه، وهشام حمادة، والمخرج حسني ذياب الذي أخرج العديد من الأعمال التي كانت تتواصل عروضها لأكثر من أسبوع.


    ويبين بأن دخول التلفاز إلى كل بيت في الأردن في بدايات الثمانينيات، كان من الأسباب التي وقفت وراء عزوف الجمهور عن حضور العروض المسرحية، رغم تسجيل ثلاث فرق مسرحية هي: فرقة مسرح الفن، فرقة أوسكار، وفرقة الفجر، مضيفاً بأن فرقة مسرح الفن ما زالت تمارس إنتاجها المسرحي، غير أن " أوسكار والفجر"، توقفتا عن الإنتاج وتحولتا إلى أندية للعب البلياردو


    إلى ذلك يؤكد المخرج جيزاوي بأن من أهم الأسباب وراء عزوف الجمهور عن حضور العروض المسرحية، رغم قلتها، يرجع إلى أن الأعمال التي تقدم هي أعمال نخبوية 

    إرسال تعليق

    التعليقات



    جميع الحقوق محفوظة

    العهدة الثقافية

    2016