لا أَفْهَمُ الدُّعْسُوق . مهنّد ساري
فوضى مُنَظَّمَةٌ ...
وتَجْمَعُني معَ "العَقّادِ" أَشياءٌ مُعَقَّدَةٌ :
كِلانا يَعشَقُ الحَشَراتِ، يَدرُسُها
ليَفهَمَ ما تَبُثُّ له الطّبيعةُ مِنْ رسائلِ
حكْمةِ الخلّاقِ ..
تَجْمَعُني معَ "العَقّادِ" حَشْرَجَةُ الصّدَى بأَنينهِ
في صَرخَةِ المخلوقِ.. للمخلوقْ
.. ..
وقرأْتُ أَيّامًا عن المَلِكِ الوحيدِ بِلَيلِهِ
لكنّني.. لا أَفْهَمُ الدُّعسُوق :
يُمْضي ليلَهُ مُتأَنِّقًا في زهْوِهِ
- والزّهْوُ خَمْرُ
الفارِهينَ - ...
أَراهُ يَمْشي – فوقُ/ تَحتُ - على النّباتِ
ويأْكُلُ المَنَّ الشّهيَّ - وما تَيسّرَ مِنْ
هَوامِّ الأرضِ - لا شَرَهًا ولا جُوعًا - !
كأنّهُ، حينَ يأْكُلُ ، لا يُؤَدِّي غيرَ واجِبِهِ الشّريفِ
بِمَنعِها عن عادةِ الإفسادِ
فاعمَلْ صالحًا، وانْشُر بهذي الأَرضِ راياتِ
السّلامِ.../
...
عنِ الحياةِ بِوَجْهِها العاري أُحَدِّثُكُمْ
عنِ الخافي من َ الحيواتِ، فيما نحنُ منشغلونَ أكثرَ
بالفضائيّاتِ واللّغوِ الحداثيِّ الخفيفِ ...
رأَيْتُ دُعْسوقًا ولمْ أَفْهَمْ كثيرًا منْ حكايتهِ !
فقلتُ : سأَدرُسُ الدُّعسوقَ حتّى لا يَظَلَّ
هنا غريبًا في ظلامِ اللّيلِ، والغُرَباءُ
إخْوانٌ لِعَلّاتٍ، يُؤَانِسُ بَعضُهمْ بَعضًا
وتَرجُفُ روحُهمْ أَلَمًا بهذا اللّيلِ منْ
وَجَعِ الثّلاثةِ :
الحقيقةِ ،
والخُطا نحوَ الحقيقةِ،
والتّثَبُّتِ.. مِنْ مَتاهاتِ الطّريقْ !
.. ..
وعن الحياةِ بِنَبْضِها الصّافي أُحَدِّثُكُمْ
كِلانا صارَ أَجْمَلَ في كُهُولتِهِ !
لعلّكَ كنتَ،أَنتَ، أَشَدَّ قُبْحًا في الطّفولةِ
مِنْ صَبيٍّ كُنْتُهُ يومًا بعيدًا !
ليس لي ظَهْرٌ جميلٌ،أو قويٌّ، مثْلَ ظَهْرِكَ
بل أُعاني "الدِّسْكَ" في فِقْراتِهِ السُّفْلَى
وأَنتَ بخِدمةِ الفلّاحِ تَحيا إذْ تُلقِّحُ زَرْعَهُ
نَقْرًا حَميمًا في سريرِ اللّيلِ ...
أَيْضًا أَنتَ مثْلي، لا تُحِبُّ البَرْدَ
والمطَرَ المفاجِئَ، غيرَ أنّكَ
لسْتَ مثْلي كائنًا مُتَطَلِّبًا !
تَحتَ الحِجارةِ قد تنامُ ، وفي جذوعٍ
أَنْشَفَتْها الرّيحُ، والبَردُ امتحانُ الكائنِ الهشِّ/
احتراقُ أنينِهِ من وَخْزِهِ ...
إنّ العدُوَّ البَردُ في لَيلِ الطّبيعةِ
فادّثِرْ بِلِحاءِ أَشجارِ الصَّنَوبرِ
واتْرُكِ الصُّوفَ الدّفيءَ لِمَنْ سَيَنْزِعُهُ
عن الشّاةِ التي عَرِيَتْ بهذا اللّيلِ ،
أَوْ بَرَدَتْ بها، من أَجْلِنا، تلكَ العُروقْ
.. ..
ادْخُلْ لزهْرَتِكَ الأَثيرةِ/ زَهْرةِ الخَشْخاشِ
واستَمْتِعْ بِدِفْئكَ في سُباتِ الكائنِ المَكْنونِ ...
بيتُكَ فوق ظهْرِكَ قِشْرتانِ خفيفتانِ
- فليسَ يُؤْذيكَ
التّنقُّلُ كابنِ آدمَ في المنافي -
قِشْرتانِ كَفيلتانِ بأنْ تَطِيرَ إذا هَزَزْتَهُما قليلًا ...
في الرّبيعِ تَزوَّجِ الأُنثى ، وأَثْقِلْها مِنَ
البَيضِ الخَفيفِ مِئِينَ ما يكْفي منَ اليَرَقاتِ
أَوْ يُرْضي غُرورَكَ في الحفاظِ على
بَداهَةِ لَونِكَ الزّاهي.. العَتيقْ
.. ..
واغْفِرْ إساءةَ أَنّني أَنْجَبْتُ إبْنًا واحدًا
ثُمَّ ابْنَتَيْنِ، ولم يَكُنْ شَبَهي بهمْ مُسْتَحْكِمًا !
مِنْ ضَعْفِ "جِيناتي" أُتِيْتُ ، ومِنْ مَلالاتي
وخوفي أَنْ أَظَلَّ هنا طويلًا في ضجيجِ الأرضِ...
أَنتَ هوَ القويُّ ، هوَ المُسَيْطِرُ/ يأْمُرُ
الأُنثى.. فَتُنْجِبُ مِثْلَهُ
وإذا تكرَّمَ قد يقولُ لها: " انْجِبي خَمْسًا مِنَ
اليَرَقاتِ مثْلَكِ ، فالنّدى – وهْوَ المرايا -
ليس يُعجِبُهُ تكاثُرُ صورةٍ في وجْهِهِ الصّافي
ويُعجِبُهُ التّنوُّعُ.. والفُروقْ"
. . ..
لا أَفهَمُ الدُّعسوقَ ، يَفْرَحُ بالحياةِ
كأَنّها أَبَدِيّةٌ
وهْوَ الذي يَحيا ثلاثَ سنينَ حَسْبُ !
لعلّهُ فَرِحٌ بما يُذْري مِنَ اليَرَقاتِ
فوقَ حقولِنا وَنَباتِهِ !
فافْرَحْ بِنَسْلِكَ/ بَيْضِكَ المَلَكيِّ يَفْقِسُ كُلُّهُ
وافْرَحْ بأنّكَ تَعرِفُ الهَدَفَ الذي من أَجْلِهِ تَحيا
وحاولْ أنْ تكوْنَ أَقلَّ سُخْرِيَةً منَ الإنسانِ
وهْوَ يُثيرُ نَقْعَ وُجودِهِ .. ليموتَ مُخْتَنِقًا بهِ !
عيناكَ أَعيُنُكَ الكثيرةُ إذْ تراني جالسًا في
اللّيلِ.. أَكْتُبُ عنك شِعرًا غامضًا
كَنِقاطِكَ السَّبْعِ الشّهيرةِ فوقَ ظهْرِكَ ...
لن يُفسِّرَ سَطرَ شِعري ها هنا مَنْ لمْ يَجِد
يومًا جوابًا واضحًا لِسؤالِ طفْلٍ عن نِقاطِكَ !
أَعرِفُ العَدَدَ السّماويَّ المُبجَّلَ
ثُمّ أَجْهَلُ كيف صارَ بظَهْرِكَ المَحنيِّ وَشْمًا طافِحَ
الأَلوانِ
وَشْمًا لا يُفارِقُ سِرَّهُ
وغُموضَهُ الثّاوي العميقْ !
.. ..
وقرأْتُ عنهُ ،
قرأْتُ أَيّامًا عن المَلِكِ
اللّصيقِ بظلِّهِ
عن لُغْزِ تلكَ السّبعةِ الأَعدادِ
يَحمِلُها دوائرَ فوقَ ظهرٍ ليسَ
ظَهْرًا في الحقيقةِ
بل جناحانِ اسْتدارا قُبَّتَي جَمْرٍ ومَرجانٍ
ليَبْتَرِدَ الفؤادُ هناكَ تَحتَهُما
وَيَدفَعَ عنهُ غائلةَ الخيانةِ والعُقوقْ
.. ..
والشِّعرُ خمْرُ الهائمينَ بِكُلِّ وادٍ
كي يَحُلُّوا اللُّغْزَ/ لُغْزَ نِقاطِكَ السَّبْعِ
الشّهيرةِ فوقَ ظهْرِكَ ...
تَنْظُرُ الكَلِماتُ في المعنى الذي سَتَكوْنُهُ
فَيَخِفُّ مِنْ فَرَحٍ ، ويولَدُ - قبلَ موعِدِهِ -
بِوَشْمٍ ناقصٍ ...
إنّ الحياةَ هيَ الوُشومُ على الوُشومِ
ولم يَعُد في الأَرضِ - أو في ظَهْرِكَ المَحنيِّ -
مُتّسَعٌ لِوَشْمٍ زائدٍ كيما نَحُلّ خريطةَ المَعنى بهِ !
قَرْناكَ أَنْفُكَ ، لن تفوْتَكَ في الظّلامِ وليمةٌ
فاسْلُكْ ، إذًا ، سُبُلَ الرّوائحِ
واتْبَعِ الوشْمَ المُبدَّدَ في الرّذاذِ
وثِقْ بقَرْنَيْكَ العتيدَيْنِ ، القُرونُ هُما
دليلُكَ خلْفَ شهْوَتِكَ القويّةِ بالبقاءِ
وأَنتَ تَعْرِفُ ما تُريدُ
لأَنَّ قلْبَكَ قد خَلا مِنْ مِثْلِ حَيْرَتِنا بهذي الأَرْضِ ،
والإنسانُ خَلْقٌ حائرٌ مُتَرَدِّدٌ
أَعمى
يموتُ.. ولا يُفيقُ !
.. ..
ها أنتَ عافيةُ الحقولِ ، وبَهْجَةُ
الفلّاحِ . شُمَّ هواءَ هذا اللّيلِ كي
تقْفو خُطا أُنْثاكَ / "أُمِّ العيدِ"
- وامْهَرْها حَساءَ
الخُنْفُساءِ لكي تُحِبَّكَ ليلةً
أَوْ ليلَتينِ ، ولا تُبالغْ - أَنتَ أَوْ هيَ - باحتِفالِكُما
وجَريِكُما معًا مُتَلاصِقَيْنِ ، فإنَّ عينَ الطّيْرِ
تَرْصُدُ ضجّةَ الأَعراسِ والفَرَحَ الرّبيعيَّ الحميمَ /
افْرَحْ بنَفْسِكَ، وابْتَهِجْ عنّي وعنْكَ لأنّني
بَشَرٌ غبيٌّ لا أَميلُ إلى السّعادةِ قَبْلَ
- أَوْ بعْدَ- الحياةِ ،
ولا أَميْلُ إلى السّعادةِ - غالبًا –
إلّا لأَختَبِرَ النّقيضَ منَ الكآبةِ ...
والسّعادةُ عادةٌ مهجورةٌ قد تُسْتعارُ هُنيْهَةً
مثْلَ الحياةِ .. بلا رَحيقْ
* *
لا أفْهَمُ الدُّعسوقَ ! لكنّي انْتَبَهْتُ
لأَيّ شيءٍ كان سمّا(ها) أَرُسْطو "كِلْيوبترا"
!
فالخبيثُ ، أَخو اليُونانِ( *)، صَبيُّ أفلاطونَ يَعرِفُ
ما يقولُ ، ولا يُثَرْثِرُ - غالبًا - إلّا
ليَفْهَمَ صَمْتَهُ الذَّهبيَّ أَكْثَرَ ...
ثُمَّ إنّي لن أَبوحَ بِسِرِّهِ إلّا لِخُلَّصِ أَصدقائي ،
(أَوْ لأَخْلَصِهِمْ
مُصافاةً.. على التّحقيقْ)!
.. ..
وقرأْتُ عنهُ ،
قرَاْتُ ، أَيّامًا ، عن الملِكِ السّعيدِ بليلِهِ
لأَكونَ من نُدَمائِهِ الظُّرَفاءِ : /
كيف يعيشُ في الدّنيا ؟ وما أَطوارُهُ في
الخَلْقِ ؟ ما نَزَواتُهُ ؟ ماذا يُحِبُّ منَ الطّعامِ ؟
وكيفَ يختارُ الإناثَ إذا أَرادَ تَعفُّفًا ؟
ما صورةُ الدّعسوقِ في التاريخِ / في
مرآتِهِ الكُبْرى ؟
وما دَوْرُ "المُهرِّجِ" في الأَساطيرِ القديمةِ ؟
مَنْ يُصاحِبُ إذْ يُصاحِبُ ؟
أَينَ يَسْكُنُ في المعاجِمِ ؟ /
غيرَ أنّي لَمْ أَقُلْ
(ماذا أَرادَ اللّهُ في
الدّنيا بهِ مثَلًا لِيَخْلُقَهُ).؟!
– كما سأَلَ المُحَمَّقُ
في الحكايةِ -!
لمْ أُصدِّقْ أنّ قَرحًا سوفَ يشْفَى في النّهايةِ
مِنْ رمادِ الكائنِ المحروقْ !
.. ..
وعَلِمْتُ عن تشريحِهِ شيئًا مُفيدًا بَعدَها
لكنّني ما زلْتُ أَجْهلُهُ تمامًا !
أَجْهَلُ الدُّعسوقَ هذا !
لستُ أَصلُحُ أنْ أَكونَ نديمَهُ في لَيلِهِ الملَكيِّ !
أَجْهَلُ كيفَ أَكْتُبُ عنه شِعرًا غيرَ هذا اللّغْوِ !
لكنّي وحيدٌ مثلُهُ في مثْلِ هذا اللّيلِ ...
أَيضًا في يدي قَلَمٌ .. وفي قلبي فُتُوقْ
.. ..
اذْهَبْ لِبَيتِكَ سالِمًا
اذْهَبْ ونَمْ في زهْرَةِ الخَشْخاشِ
واتْرُكْني مَعَ الكَلِماتِ وَحدي
أيُّها الدُّعسوقْ
.
.
.
(*) تُقرآن
هكذا (كِلْيُبَتْرا) و(اليُنانِ)
لسلامة وزن الشِّعر.
إرسال تعليق