ألقت برأسها فوق كتفي كطفلة مدللة. احتضنت يدي بيديها. ابتمست وهي
تهمس : أحبك. واصلت الحافلة انطلاقها نحو البحر. الليل طويل والطريق ممتد كأفعى.
هواء البحر لزج. حرارة الطقس مرتفعة. حاولت النوم فلم أستطع إغماض عيني. تشاغلت
بعرض تلفزيوني مثبت قرب سقف الحافلة. العرض ممل. التدخين ممنوع. طفلتي نائمة فوق
كتفي إنه اللقاء الأول. أحببتها عن بعد وأحبتني هي كذلك. لم نلتق. لم
نتحدث. كل ما فعلناه أننا تحدثنا بالهاتف المحمول لمرة أو مرتين. مرّت أيام وشهور
نحلم خلالها بلقاء مختلف. لقاء له رائحتنا ولوننا وطعمنا. لقاء خاص بنا. حلمنا
ورسمت خيالاتنا الأحلام والأماني. إلى أن كانت اللحظة الأولى حيث كانت تقف هناك.
اتجهت نحوها دون علم مني بأنها هي. واتجهت هي نحوي بتلقائية ولا تعرفني أيضا.
التقت عيوننا صدفة. شيء ما في داخلي ابتسم. ابتسمت هي كذلك . عانقتني ثم قالت
اشتقت إليك سائق الحافلة ما زال يثرثر مع امرأة تجلس في المقعد
الذي يلي السائق بعد أن نام زوجها. ازعجني صوت المرأة وتلميحات الرجل الجنسية. كدت
أصرخ بهما أن اصمتا. ماذا لو فعلت؟ وما علاقتي أنا بالموضوع؟ ماذا لو اتهمتني
المرأة بأشياء لم أفعلها؟ من سيصدق أني لم أفعل لها شيئا؟ . الحافلة ما
زالت تتهادي كأفعى في منحدر الطريق. البحر بعيد. والليل شديد السواد. وطفلتي
مازالت ترتاح في نومها على كتفي. ليتها تستيقظ وتحدثني بأي شيء. فأنا أكره
المسافات الطويلة. أؤمن بقصر المسافة للوصول إلى الهدف. لكن على ما يبدو فإن
السائق يؤمن بعكس ما أؤمن أو أنه يتباطأ متعمدا كي يطيل الحديث مع المرأة النائم
زوجها. لماذا لا تنام هي مثل زوجها وتريح رأسي من زعيقها. ارتاحت نفسي لهذا الخاطر
وتمنيت لو أنه يتحقق أسرع من تحقق استيقاظ طفلتي النائمة على
كتفي أوشكت الساعة على السادسة صباحا وأنا أحس بتيبس في ساقيّ ونمنمة
في قدمي. كم بقي من الوقت كي نصل البحر؟ سألت السائق فأجاب باقتضاب: ساعة وعاد للحديث
مع المرأة. تبا لهذا الزوج ليته يستيقظ ويسكت زوجته. لكن شخيره كان عاليا وكانت
تنظر إليه ثم تبتسم. فلربما كان شخيره يؤكد لها نومه العميق وعدم استماعه لما يدور
بينها وبين السائق من حديث أكثر اتفاقا وحميمية لعلمهم أن لا أحد مستيقظ سواي وكاد
السائق أن يلقي بي من النافذة لو استطاع كي يتخلص مني ويخلو لهما الجو ببعض
القبلات المسروقة ربما أو كان حلمه أكبر من ذلك. المرأة كانت تنظر لي بطرف من
عينها وهي تكاد تغمز مبتسمة وتود أن تدخل معي في حديث مشابه فاقتربت برأسي على
الفور جوار رأس طفلتي المدللة على كتفي كي أشعر المرأة بأني اختصرت النساء بطفلتي
هذه. لكن المرأة ازداد إصرارها على إقحام نفسها بالحديث معي. وقد تخلت عن التلميح
بالتصريح فقالت: البحر؟ عرفت ماذا تعني أي أنني سأنزل جوار البحر في سكني؟ أومأت
لها برأسي دون أن أجيب وبغير مبالاة أن نعم كي تصاب بالاحباط ولا تسألني ثانية.
لكنها أضافت: شقة؟ لا قلت هذه المرة بنبرة حادة. شاليه؟ سألت . لم أجب هذه المرة
في إشارة لها أن اخرسي أيتها المرأة. لكنها لم تخرس. ليتها تخرس هذه المرأة فقد
جرّتني لحديث لا أريده معها. زوجتك؟ لا صيده؟ اقشعر بدني لطريقة نطقها ووصفها
لحبيبتي وهي تنظر إليها بطريقة وقحة لا. أجبت بحدة وحزم لا تخف لن أخبر أحدا ولكن
إن احتجت لشيء هذا رقم هاتفي أنا بالخدمة تبا لك ولزوجك ولكل الأزواج الذين هم من
أمثاله همست لنفسي وهي تناولني ورقة صغيرة تركتها بين أصابعي كي ألقي بها في أول
فرصة تتاح لي الحمد لله على السلامة. قال السائق وزعق بمنبه حافلته
عاليا فاستيقظ الركاب وجفلت طفلتي. مسّدت شعرها. خففت من روعها. أعطيتها كوبا من
الماء. شربت نهضت. تبعتها. نزلت عن درجات سلم الحافلة. نظرت إلى الورقة
التي كتبت فيها المرأة رقم هاتفها. ألقيت بالورقة بعيدا . تبعت قلبي الذي يسير على
الأرض. وركضنا كطفلين نحو البحر
إرسال تعليق