قال الشاعر د. محمد مقدادي في محاضرته التي نظمتها اللجنة الثقافية والاجتماعية بالتعاون مع لجنة المتقاعدين النقابيين،، أول من أمس، في قاعة الكندي في مجمع النقابات المهنية بإربد، إن جل ما يريده الغرب الآن، هو “تجريد الشرق من قيمه الروحية السامية النقية، وتدمير منظومته الأخلاقية الرفيعة، وتهميش إرثه التاريخي وحضارته العريقة، وتحويل شعوبه إلى كائنات تلهث وراء القيم المادية، لتظل أسيرة لمفاهيم الغرب في حرية الفرد المطلقة، ومنافع مؤسساته الاقتصادية كشركاته العابرة للقارات من غير حدود أو شروط”.
وأشار في المحاضر التي أدار مفرداتها نقيب المهندسين الزراعيين عبد الهادي فلاحات، إلى أن المصالح الاقتصادية والسياسية الكبرى للغرب جعلته يفكر في ابتكار وسائل جديدة لبسط نفوذه على الشرق وإطالة أمد هيمنته على شعوبه التي تخلفت حضاريا، مبينا أن الغرب بعد أن توسع في الإنتاج “الصناعي والزراعي والمعرفي”، مقابل تخلف الشرق في هذه الحقول كافة، أصبح الشرق هدفا مستباحا للغرب الطامع في فتح الأسواق الجديدة لتسويق منتوجه السلعي الهائل، والحصول على المواد الخام اللازمة لصناعته التي يزخر الشرق بها، الشرق الذي يشهد حالة موت سريري على الأصعدة كافة التي يقاس بها مستوى تحضر الشعوب وتقدم الأمم.
وبين مقدادي في المحاضرة التي حضرها نخبة من المهتمين، أن الغرب يريد عالما كونيا مستكينا، يقدم كل ما يلزم للرأسمالية الغربية لتعظيم منافعها، وتراكم ثرواتها، على حساب كل شيء، يريد عالما كله يساهم في عملية الإنتاج الرأسمالي ويقدم لها النفط والمواد الخام واليد العاملة بأبخس الأثمان، ويشكل سوقا استهلاكية للمنتجات الرأسمالية، وذلك كله لصالح الشركات الكبرى التي تدير شؤونها وترعى توسعها في العالم، القوي، السياسية المنتخبة ديمقراطيا من قبل القوى الرأسمالية المتنفذة نفسها، التي تدير وتمول حملاتها الانتخابية باهظة التكاليف، حيث يتبارى كل المرشحين لتقديم أفضل ما يمكن تقديمه من الاجتهادات والبرامج التي تقود إلى تحقيق منافع رأس المال وطموحاته غير المحدودة في إحكام السيطرة على العالم باسم “النظام العالمي الجديد”.
وأشار في حديثه عن الدراسات الغربية حول عالم الشرق، إلى أن هذه الدراسات ظلت محافظة على نهجها المستبد، وهو نهج يفكك الشرق ويعيد صياغته وإنتاجه، ويقدمه وفقا لرؤية يصنعها الوعي الغربي نفسه، والمخيلة الغربية ذاتها التي تدرس الشرق وتقدمه، على النحو الذي تبلغ به أهدافها السياسية والاقتصادية والثقافية، وهي أهداف لم تكن غائبة عن أذهان الدارسين الذين ذهبوا إلى تعميق معرفتهم بتاريخ الشعوب الشرقية وعاداتها وتقاليدها وطرائق تفكيرها وأساليب فهمها وتحليلها للأمور وردود أفعالها واحتياجاتها في الحاضر والمستقبل، ما شكل قاعدة مهمة استرشد بها السياسيون في توجيه حملاتهم الاستعمارية والاستيطانية في هذا الشرق، الذي يمثل جزءا من العالم الثالث الذي بات قبلة لقوى الغزو الاستعماري في مراحل تاريخية متعاقبة رسخت في المخيلة الغربية أن هذا الشرق لابد وأن يكون محكوما من قبل قوى حضارة سامية.
ونوه مقدادي إلى أبرز الأهداف التي يطمحون لتحقيقها، وهي تعتمد على سلسلة من الخطوات، أهمها: معرفة الطريقة التي يُفكّر بها الناس، وكيف يُمكن بناء العلاقات معهم بطريقة تخدم المصالح الغربية في المجالات الاقتصادية والايدولوجيا التي تُمثل مجموعة المعتقدات والأفكار والتوجهات.
وأوضح أن درجة التقابل بين الشرق والغرب جغرافيا تستند إلى مبدأ التقابل الإيديولوجي والعرقي؛ بمعنى أدق فإن الدراسة الغربية للشرق تنطلق من البعد الفكري، لدارس يشعر بتفوقه بصفته صانعاً لقدره ولحضارته وحاملاً لها.
وخلص د. مقدادي إلى ما تتناوله وسائل الإعلام الغربية والعالمية عن مظاهر
التطرّف والإرهاب، مضيفا “مع أن الإرهاب موجود على امتداد العالم كله، على اختلاف
شعوبه ودياناته، وتباين طوائفه وأعراقه، ومع أن لهذا العنف دوافعه وأسبابه، لكن
الغرب يتجاهل هذه الدوافع والأسباب، حينما يتعلّق الأمر بالعالم العربي الإسلامي،
ولا يُقدّم تفسيرا لتلك الأعمال سوى، أن الإرهاب جزء لا يتجزأ من البنية النفسية
والذهنية للعربي المسلم”.
___
إرسال تعليق