سعدية مفرح: لا أؤمن بوظيفة معينة للشعر والنقاد
العرب أكاديميون منغلقون!
حوار: منى حسن
سعدية مفرح شاعرة وكاتبة
وناقدة وصحافية كويتية. اختِيرت من قِبل جريدة «الغارديان» البريطانية ممثلة
لبلادها في خريطة الشعر العالمي، واختارتها حركة شعراء العالم سفيرة للشعر العربي،
كما اختيرت ممثلة للشعر الكويتي في عددٍ كبير من الأنثولوجيات العالمية.
تعد سعدية مفرح من
المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، صدر لها أكثر من سبعة عشر مؤلفا تنوعت بين
الكتب الشعرية والنقدية والأنثولوجيات، وعملت محكمة لعدد من الجوائز الأدبية
المحلية والعربية. اختيرت بعض قصائدها ضمن مقررات الدراسة في كليات الآداب، وقررت
بعض نصوصها الشعرية على تلاميذ الصف الثاني في المرحلة الابتدائية في دولة الكويت.
التقتها «القدس العربي» في الحوار أدناه حول تجربتها شاعرة وصحافية، وآرائها حول بعض القضايا الثقافية:
■ من خلال خبرتك الطويلة في مجال الصحافة الثقافية، كيف تقرأين دور وتأثير الشعر في المجتمع الكويتي خاصة والعربي عامة؟
□ لا أظن أن للشعر في المجتمع الكويتي أو العربي دورا مختلفا عن دوره العام كحالة جمالية وخلاص بالنسبة للشاعر وحتى المتلقي حتى لو لم يع ذلك. لا أؤمن بوظيفة معينة للشعر لا في حياة الفرد ولا في حياة المجتمع، فالشعر حالة وجودية ووجدانية تتجاوز الدور أو الوظيفة مهما قيل عن ذلك، ومهما أنتجت الأقول نظريات بهذا الشأن. والحالة الجمالية التي يمثلها الشاعر حالة نبيلة وراقية، ولا أدري لماذا ينظر لها البعض نظرة هامشية فيحاول البحث عن وظيفة للقصيدة تبرر وجودها أو تعزز ضرورتها مثلا. لا أتخيل الوجود الإنساني من دون فضاء شعري، وهذا بالتأكيد يتجاوز الجغرافيات الصغيرة والكبيرة ليصبح المعنى العام للإنسان وللقصيدة.
■ ما هو سبب أزمة المنجز الشعري العربي المعاصر، وتوسُّع الهوة بينه وبين النقد؟
□ لست من المؤمنين بوجود مثل هذه الأزمة
المشار إليها بين المنجز الشعري العربي المعاصر. أرى العكس تماما، وهو أن الشعر
لأسباب كثيرة تخلص من كل الشوائب الخارجة عن معنى الشعر، والتي تراكمت فوق بشرته
لعقود طويلة من الزمن، وأصبح الآن أكثر عمقا ورهافة في تعامله مع العالم ومع
المتلقي في الوقت نفسه. لم يعد يعني الشعر غالبا سوى محض الجمال، وهذه وظيفة تستحق
الخلود الإبداعي ويستحق معها الشاعر أن يتخلص من هالته السحرية المتوهمة، ليعود
إنسانا فاعلا في الفن والجمال بقدر إنسانيته الخالصة وبشريته المحض. والنقد كما
أرى ليس مهما أبدا للشعر ولا للشاعر لكنه مهم للناقد نفسه وللمتلقي، وإذا كان
الشاعر يهتم بالنقد فبصفته متلقيا وليس بصفته شاعرا. الشاعر ينتج قصيدته، أو هكذا
ينبغي، بمعزل عن أي رؤية نقدية مسبقة، وبالتالي ليس عليه الاهتمام بمثل تلك الرؤية
النقدية لاحقا. وهذا ليس تقليلا من شأن النقد ولا نفيا لأهمية وجوده، ولكنه تحديد
لدوره الحقيقي كمنتج لاحقا للإبداع الشعري. وإذا كنا نتلمس وجود هوة بين القصيدة
والنقد في الراهن العربي فلأن النقاد أصبحوا يتجاوزون دور النقد إلى ما هو أوسع
منه، ويتعزز ذلك أحيانا للأسف بتشجيع من الشعراء أنفسهم، خصوصا من الباحثين منهم
عن نجومية مؤقتة يرون أن النقد يمكن أن يساهم في صناعتها لهم بكثير من الطرق.
لست قلقة على الشعر العربي الراهن من ابتعاد
النقاد عنه، فلم يكونوا أبدا في يوم من الأيام جزءا من القصيدة حتى وهم يمارسون
دورهم بتلك الأشكال الجديدة كما يحدث مثلا على منصات تحكيم الجوائز الشعرية
وغيرها.
■ تقولين في أحد تصريحاتك واصفة الحداثة «إنها تيار جار ومستمر
ينبغي أن نجري معه إذا أردنا أن نعيشه بشكل حقيقي»، فكيف يستطيع الشاعر كتابة نص
حداثوي مواكب للعصر، ومقبول في الوقت نفسه لدى المتلقي؟
□ ليس على الشاعر أن يهتم بأي تيار جار ولا حتى بمواكبة العصر،
بل عليه إن كان شاعرا حقيقيا أن يجتهد في ابتكار عصره الجديد بنفسه، وتجاوز كل ما
هو موجود حتى لو كانت الحداثة نفسها. الشاعر الذي يتعمد أن يكتب وفقا لتيار
الحداثة مثلا هو شاعر غير حداثي، حتى لو نجح بمهمته شكليا، فالحداثة في واحد من
معانيها تجريب وتجاوز وكسر للمألوف.
لم يعد يناسب أطفال اليوم ما كان يناسب طفل
الأمس. الأطفال اليوم أصبحوا أكثر اطلاعا على العالم بواسطة ما توفر لهم من وسائط
جديدة وسريعة جدا. أصبحوا يتواصلون مع ثقافات مختلفة ليس فقط عبر الأدوات
والألعاب، بل عبر البشر أيضا.
■ كيف يستطيع الشاعر الانعتاق من الأيديولوجيات التي تحيط به،
وإلى أي مدى عليه الالتزام بها؟
□ مشكلتنا في الثقافة العربية أننا نتحدث عن الشاعر بصفته
الشعرية، حتى وهو خارج محيط القصيدة. علينا أن نتعامل مع الشاعر خارج قصيدته،
باعتباره فردا أو مواطنا أو إنسانا حرا فقط. وفي هذه الحالة للشاعر أن يلتزم بما
يشاء من أيديولوجيات يؤمن بها، وأن ينعتق مما يشاء من أيديولوجيات يرى أنها لا
تناسبه. ما المشكلة؟ لماذا على وعينا الجمعي أن يكون وصيا على أفكار الشاعر
والتزاماته الفكرية مثلا؟
■ الشعر تجربة متجددة الوجوه عبر الزمن، ماذا عن تجاربك
الشعرية الأولى، هل فكرت يوما في إعدامها، كما يفعل كثير من الشعراء؟
□ بالعكس، أردد دائما أنني ضعيفة أمام تجاربي الأولى في الشعر
وفي الحياة. وحتى لو فكرت يوما بإعدامها فلن أنجح، ولا أظن أن الذين اعتقدوا انهم
أعدموا تجاربهم الشعرية الأولى قد أنجزوا تلك المهمة فعلا. القصيدة لا تموت، والكلمة
قادرة على مقاومة الزمن حتى إن لم يعترف بها مبدعها. وأنا عندما أعدت نشر مجموعاتي
الشعرية الست الأولى في كتاب واحد قبل سنوات تشاورت مع الناشر وبعض الأصدقاء في
الأمر، وهل عليّ أن أنقح تلك المجموعات الأولى من أخطاء البدايات مثلا؟ وأن أحذف
منها بعض التجارب المبكرة التي لا أراها تصلح، لأن تمثلني الآن، أم لا.. وفي
النهاية قررت أن أنشرها كما هي.. وكلها. فهي تمثلني في وقت كتابتها، وباعتباري قد
ارتضيت نشرها آنذاك، فلن أتردد في نشرها الآن. وهذا ما فعلته وما سأفعله دائما.
■ إلى أي مدى نجحت المبدعة الخليجية في أن تتجاوز الهم الذاتي
في كتاباتها إلى الهم العام؟
□ في سياق الشعر والأدب والثقافة عموما أنفر دائما من التوصيفات
التي تعتمد الجغرافيا معيارا لها. لا معنى لمصطلح الشاعرة الخليجية أو الشاعر
الخليجي، أو الشعر الخليجي هنا، فالشعر ينسب للغته دائما، وليس علينا أن نكرس تلك
التسميات المستوردة من عالم السياسة والإعلام. علينا أن ننسب الشعر والإبداع إلى
اللغة العربية، فنتحدث مثلا عن «الشعر العربي» في الكويت أو في مصر أو في الجزائر
أو في الخليج أو في دول المغرب العربي، إلخ. وعموما التجارب الشعرية يمكن تقييمها
بشكل فردي محض، فالشعراء والشاعرات لا يتفقون على أفكارهم الشعرية في مجموعات
واتساب مثلا.. وبالتالي يمكن القول بأن هناك شعراء وشاعرات تجاوزوا الهموم الذاتية
إلى الهموم العامة، وهناك من لم يفعل منهم، وهذا أيضا ينبغي أن لا نضعه في معايير
الحكم على جودة ما يكتبون.. فموضوع القصيدة ليس هو المعيار الوحيد، وأحيانا ليس
معيارا مهما أبدا في الحكم على القصيدة. هناك من يكتب قصيدة عن حبة رمل منسية في
صحراء الربع الخالي، قصيدة يتفوق بها على شاعر خصص كل شعريته للحديث عن مشكلات
البشرية الكبرى.. والعكس صحيح أيضا.
■ كشخصية فاعلة ومؤثرة بمواقع التواصل الاجتماعي، هل تؤيدين
الصوت القائل إنها تشكل خصما على الإبداع أكثر من كونها إضافة؟
□ مواقع التواصل الاجتماعي منصات كغيرها من المنصات الأخرى، التي
تعتمد قيمتها في الأساس على ما ينشر أو يبث من خلالها، لكنني لا أتجاهل أبدا ما
أحدثته هذه المنصات من آثار على الإبداع، لا لكونها تمثل خصما، بل لأنها كما يبدو
فرضت على كثيرين نوعا من التعلق بالنجومية التي تعتمد على التقرب من الجماهير، في
أي شكل من الأشكال، حتى إن جاء ذلك على حساب الخلق الإبداعي، فأهمل في سبيل تلك
الجماهيرية التي أرى أنها جماهيرية زائفة، طرائق مهمة نحو محض الإبداع منها على
سبيل المثال التجريب، خصوصا في الشعر ما سبب نكوصا واضحا في تجارب كثير من الشعراء
الذين بدأوا بدايات مهمة فانتهى بهم الأمر لأن يكونوا مجرد لاهثين وراء «اللايكات»
و«الرتويتات» في تويتر!
■ أصدرت كتابا يتيما للأطفال «النخل والبيوت»، ، فكيف كانت
التجربة، ولماذا لم تمتد؟
□ هي تجربة وحيدة وما زلت أحلم بكتابة مختلفة عن السائد للأطفال.
أحب عالم الطفل وأشعر بمسؤولية ضخمة، وأنا بصدد الكتابة للطفل وبالتالي أتردد
دائما في نشر ما كتبت، لأنني لم أكتب بعد ما أرضى عنه حتى الآن. مؤخرا بدأت مشروعا
جديدا لم يكتمل بعد.. أتمنى أن أحقق من خلاله بعض طموحي في ما أود أن يجده الطفل
العربي من نصوص. لم يعد يناسب أطفال اليوم ما كان يناسب طفل الأمس. الأطفال اليوم
أصبحوا أكثر اطلاعا على العالم بواسطة ما توفر لهم من وسائط جديدة وسريعة جدا.
أصبحوا يتواصلون مع ثقافات مختلفة ليس فقط عبر الأدوات والألعاب، بل عبر البشر
أيضا. أطفالنا الآن يتحدثون مع أطفال من عوالم ودول وثقافات وديانات وتوجهات
مختلفة بعيدة جدا. يتواصلون معهم بسهولة ويتحدثون معهم يوميا، فهل أستطيع الآن أن
أحكي لطفل ينتمي لهذا العالم الراهن حكايات كنت أسمعها وأنا طفلة صغيرة وأنبهر
بها؟ حتى الأساطير والحكايات الشعبية القديمة علينا إن أردنا تقديمها لصغارنا أن
ننفض عنها غبار الزمن ونعيد كتابتها بما يجعلها أكثر قدرة على التماهي مع ثقافات
الأطفال ومقدراتهم الفكرية حاليا.
■ انطلاقا من تجربتك في الكتابة النقدية، هل ترين بأن النقد
العربي يتجدد مع تجدد المنجز الأدبي؟
□ لا.. النقاد العرب في غالبيتهم أكاديميون منغلقون على تدريس
النظريات القديمة ولم أرى إشارات على تجارب نقدية جديدة إلا قليلا جدا، وعبر أسماء
محدودة للأسف. طبعا أستطيع أن أشير لبعض الأسماء المهمة والفاعلة في المشهد النقدي
العربي فعلا ولكنها للأسف غير كافية.
____
المصدر: القدس العربي
إرسال تعليق