يعتبر الشاعر المغربي محمد اللغافي، نموذجا في النضال الإبداعي والحياتي، على حدّ سواء، ولم تزل تحكمه خلفيات البيئة التي خرج منها، كونها عنوانا للهامش، ملطّخا بشتى الأوبئة السياسية والمجتمعية، ما صنع من الرجل، طرازا خاصا يبلور مواقفه بجرأة وصلابة وتقديس رسالة، أيضا، دونما المهادنة في تمرير قناعاته وما يحسه تجاه ذاته، أولا، ثم منظومة ما ينبثق عنها انتهاء.
يكتسي منجزه الشعري، طابع الفرادة، من ماهية منتصرة لكائنات الهامش، ومعتقدة بفلسفة تبني الأبعاد الإنسانية في المغامرة الإبداعية المتشبعة بلغة الخلق وخطاب الواقع ورؤى الاستشراف.
الشيء الذي جعل العديد من الأقلام تتناول تجربته، ولو أنه لم ينصف، لحد الآن، كما يجب، شأنه في ذلك ، شأن أصوات كثيرة، تعزف على ذات الوتر، وتترنم بسيمفونية جيل التهميش والضياع والإنكسار.
يقول الدكتور محمد عزيز لحبابي:
علمت أن تلك المجموعة من الشعراء المجهولين. تسكن بإحدى ضواحي الدار البيضاء الصاخبة وتعيش في غفلة من التاريخ..إنهم جميعا شباب قانعون بما يسر الله لهم مقتنعون بأن للشعر مستقبلا ومزايا ..ولذلك ينسجون للغد شعرا بجهود وعرق وابتسام.
من هم..؟
قد أفرغت كل ما أعرف عنهم، أسماء غفل بلا شهادات بلا سيارات بلا مساكن. ولا عنوان مضبوط رصيدهم الوحيد هو ما يريدون أن يحققوه في المستقبل بالشعر وللشعر. ..
فتحت (سوق عكاظ) فعثرت على أعلام نكرة في الآداب..محمد اللغافي..رضوان مصطفى..محمد كوبري..وحميد بركي..وثلاث أسماء. شطب عليها من تحت القصائد..سنقف عند اثنين منها ..الأولى
فتحت (سوق عكاظ) فعثرت على أعلام نكرة في الآداب..محمد اللغافي..رضوان مصطفى..محمد كوبري..وحميد بركي..وثلاث أسماء. شطب عليها من تحت القصائد..سنقف عند اثنين منها ..الأولى
(كلمة رجل البارود).
النصان الآتيان هما للشاعر محمد اللغافي..وقد شطب على الاسم من تحتهما (لظروف خاصة)
[ممكن أن أطرق بابك يا شعر
ممكن أن أجعل الأبناء مردودين إليك
عائدين بالقوافي
سابحين في بحورك
ممكن أن اقرع بابك يا شعر
فأوظف الحروف بين وكنة البياض
فوق صدرها الحنين
أصنعها بيت حلمي
وأنوم عليها الحزن
حين يستيقظ أمسي](1).
[ممكن أن أطرق بابك يا شعر
ممكن أن أجعل الأبناء مردودين إليك
عائدين بالقوافي
سابحين في بحورك
ممكن أن اقرع بابك يا شعر
فأوظف الحروف بين وكنة البياض
فوق صدرها الحنين
أصنعها بيت حلمي
وأنوم عليها الحزن
حين يستيقظ أمسي](1).
ويقول الشاعر والناقد المغربي عبد الهادي روضي:
إنها رؤية الشاعر للعالم والأشياء المحيطة بذاته، رؤية تنتهي بالاستفاقة على مشهد بانورامي أكثر درامية، يكشف انهيار الأفق الرؤيوي للذات الشاعرة وللعالم:
(عائد من فوضاك
تسيج زرقة السبت
في ركنك المعتاد
كبطل فاشل
تعلن انهيار العالم )(2).
ويقول الكاتب المغربي رشيد الخديري:
[إن الشاعر محمد اللغافي يخلق لنفسه عالما في عوالم متماهية مع الذات الشاعرة، المتشظية، القلقة، فهو يناقش قيم الشعر الأثيرة: المرأة/ الواقع/ الحب/ الحلم / الحلم الإستهامي ....بلغة شعرية شفافة وبسيطة تعكس روح الشاعر وهمومه الوجودية، ولا شك أن الشاعر محمد اللغافي يروم التأكيد على جوهر الإنسان، الحامل للمرآة نكاية في هذا الواقع المتشظي المرتكن أساسا إلى عوالم تمتح من المتخيل والواقعي والأسطوري ، وبتتبع النسق الشعري الذي خطه الشاعر يتضح جليا المراهنة على الذات، والتي أخذت تلوينات استعارية وإجراءات بلاغية تروم تأسيس خطاب شعري شفاف، لكن مسالكه غير آمنة تحتاج إلى خبرة متسلق وتأمل حكيم، حتى نتمكن من فك طلاسمه وشفراته، والوقوف عند أهم تمظهراته وإشاراته](3).
من هنا نجد الشاعر محمد اللغافي، مجددا، يعتبر الفعل الإبداعي، منوطا بتراكمية مسجلة لهوية عمر بأكمله، وكل كتابة تجب ما قبلها، والإبحار إنما يجدر أن يكون في اتجاه واحد، المستقبل ومواكبة إفرازاته، خاصة ونحن نعلم، جميعا، مدى تجاوزات عالم التقنية، لأحلامنا المشروعة، وجوره على إنسانيتنا، من خلال تغريب الروح ونفيها، حتى بات معه سؤال غائية الشعر خصوصا والأدب بشكل عام، أكثر إلحاحا على لحظات العدمية التي نشاكس تطاولاتها، ونحاول مسح الضباب عن مراياها، سعيا وراء ملامح إنسانيتنا التي تشوهت كثيرا، وتكاد تضيع بالكامل.
هذا الكتاب، يحوي عدد من المقالات التي قاربت تجربة شاعرنا المبدع، بصمتها أسماء وازنة في مشهدنا الأدبي، وهي أقل ما يمكن قوله في حق مبدع عصامي، تكالبت عليه الإيديولوجيات وتفاصيل حياة الحيف والتهميش، لكنه لم يستسلم، بل خاض مقامرة مجنونة، ضد التيار، كي يثبت هويته ويعطي معنى لوجوده، كإنسان أولا ثم كمبدع يأبى أن يكون مجرد بوق تتقاذفه أيادي طعن الثقافة والحقيقة والإنسانية.
ليس ذنبا أن تعقّ الغصن، صديقي الصعلوك النبيل، وثق بأني احتراما ومحبة ، أرفع لك القبّعة.
هامش:
(1)مقتطف من مقالة " مغربيون من نوابغ القرن الواحد والعشرين " للراحل د.محمد عزيز لحبابي.
(2)مقتطف من مقالة " المتنسك بشجرة الشعر " للناقدعبد الهادي روضي .
(3)مقتطف من مقالة " معالم الكتابة في ديوان يسقط شقيا لمحمد اللغافي،كتبها المغربي رشيد الخديري.
*شاعر وناقد مغربي
إرسال تعليق