بيضة الديك / قصة محمد عارف مشّة
بالضبط هذا ما حدث دون زيادة أو نقصان . كنت أجلس القرفصاء على طرف الحصيرة ، خشية أن ألفت الأنظار لي بسلوك خاطئ ما يراه الآخرون من ضروريات طردي من المكان وحرماني من تناول الغداء مع الضيوف . حرصت أن لا يخرج مني صوت أو أقوم بأية حركة، وبقيت طول الوقت أنظر نحو الضيوف خلسة وأستمع لحديث الرجال . هكذا كان يوصيني أبي رحمة الله عليه، وكان يقول لي : مجالس الرجال مكسب في أن تتعلم من مواقف الرجال يا أحمد . فحافظت على وصية أبي الذي كان هو أكثر المتحدثين كي أستفيد من خبرات أبي والآخرين والأهم أن لا يتم حرماني من المشاركة في تناول الطعام معهم، وكلما تخيلت شهية لحم الديك بالمرق ازددت التصاقا بالحائط دون حركة ومغلقا فمي أكثر، لكنها السعلة. ألا لعنة الله على السعال والزكام والمرض الشديد حين فاجأني سعال متواصل كنباح لفت أنظار الرجال، وصمت المتحدث لارتفاع صوت سعالي وحدّته، فانتبه لي أبي كأنه يراني لأول مرة وأمرني بالخروج بنظرة ناهرة لي كادت تفتت عظامي لشدتها وقسوتها، فخرجت راكضا خائفا وبسعالي المستمر دون انقطاع إلى أن وصلت أمي والنسوة وهن يقمن بإعداد الطعام في قدور كبيرة و ( بوابير ) كاز تهدر من تحت القدور . نظرت فوجدت الديوك تسبح في الماء الذي يغلي فازدادت شهيتي للأكل . نظرت لي أمي مؤنبة وأمرتني بنظرة من عينها للخروج وأضافت هامسة: اذهب واجلس عند الرجال . أبي طردني . قلت اذهب والعب في الحارة إذن، قالت أمي باقتضاب ألعب في الحارة ؟ والطعام ؟ همس في داخلي شيء لم أنطق به . جررت قدميّ عنوة و اتجهت نحو باب الحوش علّني أجد من يلعب معي في الحارة ويلهيني عن الجوع قليلا، فلفح قيظ الصيف وجهي بينما الشمس تقندح في عزّ الظهيرة . الشارع الترابي خال تماما إلا من زوبعة عمت عينيّ حين ثارت فازداد لها سعالي وامتلأ فمي بالتراب
إرسال تعليق