في القرون الثلاثة الأولى من الحضارة الإسلامية، ولدت علوم اللغة
العربية وتم تقعيدها، والغريب في الأمر أن اللغة العربية لم تكن هي المقصودة
والهدف الأول في هذا التناول الذي شكل كل بنيانها من نحو وصرف وبيان وبلاغة ومعنى
وبناء على مستوى الكلمة والجملة،ثم حفظها في معاجم وبيان فصيحها من غيره وما تبعه
من تشدد في شرط المعتد به والمهمل، زمانا ومكانا حيث كان علماء اللغة يردون من
اختلطت لغته من أهل أطراف الجزيرة العربية
وما كان هذا الأمر من التشدد ليكون لولا كتاب الله
المقدس الذي فرض قيمة علوية وموضوعية على علوم اللغة وعلمائها خشية الجنوح إلى
الكذب فيما يخص الكتاب والسنة من دلالات ومعاني تُخرج النصوص المقدسة عن دلالاتها
ومعانيها، ومن ثم ما يترتب عليها من اجتهاد، وقد تلت القرون الثلاثة الأولى قرونا
اشتغلت على شرح ما تقدم من نحو وصرف وبيان ولغة دون أن تقدم أو تجتهد إلا ما ندر،
هذا الارتباط العضوي ما بين المقدس من الخطاب والتقعيد اللغوي، أثّر سلبا على
إشكالية الاجتهاد في علوم اللغة حيث أن مرحلة التقعيد كانت تعتمد شروطا لها ظرفها
الذي تم تجاوزه زمانا ومكانا وإنسانا.
إن الشرط الموضوعي الذي كان ما قبل التقعيد لم يعد موجودا ولم
تعد اللغة بحاجة إليه، مما جعل الشراح يركنون إلى أن ما سبقهم لن يصلوا إليه، فكان
عظيم ما يمكن تقديمه في هذه المرحلة الإتباع والشرح مما أفقد اللغة العربية طاقتها
الجامحة والتي لم تتوقف في أيام سعد هذه الأمة أو نحسها حتى يومنا هذا، حيث أثبتت
الدراسات أن الشعر والأدب عامة كان يتقدم في أحلك مراحل ضعف الأمة، في الوقت الذي
لم تعد علوم اللغة تواكب ما يعرض من أدب
وبخروج الأمة العربية من مشروعها التاريخي الذي شكل فكرها ودولتها وانتقاله إلى أمم إسلامية غير عربية لم تكن قادرة على حمل همّ اللغة العربية، بدأت ظهور أعراض الانهيار للغة والدولة على اعتبار أن محمول الفكر الذي نهضت به الدولة كان قد تمثلته اللغة فأصبحت اللغة صنوه الذي لا ينشق عنه ولا ينفصم، لهذا نستطيع تفسير محدودية تلك المراحل التاريخية التي تنهض بها الأمة ثم تكبو حيث أن المدَّ الفكري المحمل على اللغوي لا يعدو أن يكون مرحليا ولا يواكب البنيان العمراني الشامل كامل اللغة بوصفها حاملة الفكر الإسلامي الذي يشكل بنيانه الدولة، وقد ظهر هذا في واحات الانتصار المتفرقة عبر التاريخ الإسلامي في أيام الدولة الزنكية والأيوبية والمماليك، أما الدولة العثمانية فقد كانت تحمل شقا واحدا من هذا البناء للدولة والذي كان يعتمد على الجانب الدعوي الصوفي للإسلام فكانت دولة فتوحات وحرب، ولم تأخذ بعين الاعتبار لمدنية الدولة الذي يتمثل حضارة في اللغة العربية حيث أنها الحاضنة الشاملة لمفهوم الدين والدولة عبر تاريخ لم ينقطع منذ الرسالة النبوية الشريفة إلى يومنا هذا والذي لم ولن تجده في أية لغة في العالم، لانفصام في بنية الفكر الذي تقوم على تشويهه اللغة أو بتره بسبب في بنية تشكل اللغة وتغيرها وأنبتاتها عن الأجيال المتعاقبة
إرسال تعليق