في محاولة لرصد الألم والتهجير، وفي مقاربة للوعي الانتمائي، ذهبت القراءات الشعرية التي نظمها ملتقى إربد الثقافي، مساء أول من أمس، لنخبة من الشعراء السوريين، وهم: عبد الكريم الحمصي، محمد إبراهيم الحريري، ناجي نعسان آغا، محمد عبد الستار طكو، ومحسن رجب، في متونها إلى جدلية الاستقصاء البصري لمفرد الغربة عبر محورين أساسيين، محور الحضور، حضور الوطن في الوجدان، وحضوره في الذاكرة.
الأمسية نفسها التي أدار مفرداتها الروائي السوري محمد فتحي المقداد، لم تترك حالةً تعاين أوجاع الوطن إلا وحفرت حروفها على سهول من الأنين، وعلى جبالها شروداً روحياً من الأمكنة التي استظل تحت أشجارها اللاجئون، فاستلّ الشعراء المشاركون أقواس نصوصهم وصوبوها نحو حياةٍ ملؤها العذابات تحديّاً وإيماناً بقدرة الوطن على تجاوز هذا الهدير الصاخب، إلى ذلك حضرت الحياة في نصوصهم بكامل تجلياتها وحيويّة أبنائها وأشجارها وطيورها.
استهل الشاعر الحمصي الأمسية التي حضرها حشد من محبي الشعر، بقراءة باقة من نصوصه الشعرية، ويقول صاحب ديوان " الغامدية" في إحدى نصوصه: " أما أنا فتركت الشام تكتبني، ورداً وعشقاً بلا صبرٍ ولا جلد، ما كنت أعرف أن الشام عزف دمي، حتى ابتعدت عن الأحباب والبلد".
تلاه الشاعر الحريري، فقرأ باقة من المعزوفات الشعرية، ومن القراءات التي قدمها، قصيدة " تحت خطّ الصمت"، يقول فيها صاحب ديوان " وطن بين هلالين": " بين سطر وهامش من خياله، شاهدوا لاجئاً مغطّى بحاله، لا يبالي بناقد كان يهذي، داخل النص أو على أطلاله، لا يبالي بعالم الشعر ماذا، ينفع الانفعال باستغلاله".
ومن جانبه قرأ الشاعر آغا باقة من نصوصه الشعرية، ومن قصيدته التي عارض فيها قصيدة الجواهري الشهيرة" يا جبهة المجد"، نقرأ المقطع الآتي: " شممت تربك استجدي الهوى ألقا، وبرعم الشوق عن أكمامه انبثقا، شوقي إليك أحال القلب مجمرة، حتى توهج مني العود واحترقا، شآمُ رفقاً فألواني مكدرة، منذ اغتربت ومني العمر قد سُرقا".
وقرأ الشاعر طكو صاحب ديوان " بتوقيت دمشق إلا قصيدة"، باقة من قصائده الشعرية، من مثل " تراتيل دمشقية، وبتوقيت دمشق"، يقول في الأخيرة: " قل للبدايات قد ساءت نهاياتي، واستـأسد الحزن في أجراس أبياتي، تمدد الغيم حتى خلته ظلماً، خلفي سواد، أمامي ظلّ أمواتي، أمضي انحدار دموعي، أقتفي وجعي، تقتات من عشبة الكابوس ناياتي".
واختتم القراءات الشعرية الشاعر رجب، فقرأ باقة من نصوصه الشعرية، يقول صاحب ديوان " نسمات دمشقية"، في قصيدة بعنوان " فقد الأحبة": "قلبي على فقد الأحبة ينزف، وأنا الغريب ببرد ركنٍ أذرف، شكوى من الوجع المرير بغربةٍ، كالنجم أهوي خلف غيم أُكسف، ناديتها، فتجاهلت، وتمنعت، قالت لدونك بات زهري يقطف".
وكان الروائي المقداد قال في تقديمه للأمسية، ما أجمل اللقاء إذا كان على مائدة الكلمة الساحرة، وعلى الأخص الكلمة الشاعرة التي تصدر من شاعر، كالموسيقى الرقيقة تداعب مشاعرنا، لافتا النظر إلى أن الشعراء هُم قوام الشعر ومادته الأولية، مبينا أن الشعر لم يفقد أهميته في حياة الأمة قاطبة، وما زال للشعراء مقامهم المرموق في وجدان وضمائر الناس، فهم المتقدّمون خطوة السبق لمحيطهم
إرسال تعليق