-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية
  • جديد الموقع
  • جاري التحميل ...
  • جديد الموقع
  • -على أَبوابِ الحِجْرِ/مدائن صالح- مهنّد ساري


    أَنا هوَ هذا الذي قد رَوى ما رَوى

    -على أَبوابِ الحِجْرِ/مدائن صالح-

    مهنّد ساري

    2013

    .

    لِتَبْكِ الحمامَهْ

    لِتَبْكِ على فَرْخِها ضائعًا في

    الأَساطيرِ

    وَلْتََنْتَظِرْهُ على .. شُرُفاتِ القيامَهْ

    .

    وأَمّا أَنا فسأَبْكي على فَقْدِ سلْمَى

    وأَبْكي الذي قدْ جَهِلْنا مِنَ

    الكلِماتِ القصِيّهْ

    سأَبْكي الذي قدْ أَضَعْنا منَ الكلماتِ

    القديمةِ .. في جَسَدِ الصّخْرِ

    كمْ كان يُمْكنُنا أَنْ نذوقَ هناكَ

    على الرّمْلِ 

    ما فاضَ مِنْ عَسَلِ الأَبَدِيّهْ !

    .. 

    لِتَبْكِ الحمامَهْ

    فإنّ لنا مطرًا في سِوى 

    هذه الأَرضِ .. لا ينتهي

    لنا مطرٌ يَتساقَطُ مثْلَ الرِّهامِ الخفيفِ

    أَمامَ منازلِنا السّاحِلِيّهْ

    .. 

    ولَمْ نَبْكِ بَعدُ بما سوفَ يَكْفي لِتَرْجِعَ

    سلْمى إليَّ

    ويَرْجِعَ فَرْخٌ إلى أُمّهِ

    أَوْ لنُرْجِعَ ما ضيّعَ النّاسُ منْ

    مطَرٍ ضارِعٍ في سماءِ الأَساطيرِ

    خلْفَ مَدائِنَ خاويَةٍ

    ودمٍ يتساقطُ.. منْ قاتِلٍ وضَحِيّهْ

    * *

    لَمْ نَقُلْ للحقيقةِ مِنْ أَينَ جِئْنا

    وكيفَ وُلِدْنا ! 

    لنا هَدَفٌ واضِحٌ :

    أَنْ نكوْنَ الغموضَ الذي ليسَ

    يَجعَلُنا هَدَفًا واضحًا 

    في برارِيِّنا المالِحَهْ

    فلَعلّ المُؤَرِّخَ يَغْفِرُ رغبتَنا في

    الخفاءِ، ونحنُ نَسِيْرُ على طُرُقٍ

    طُرِقَتْ قَبْلَنا - كالحقيقةِ : 

    غامضةٍ / واضِحَهْ

    سوفَ تَروي الحكايةُ – وهْيَ تُؤَرِّخُ

    مَولِدَنا في الطّبيعةِ - أَخبارَ

    مَوجَتِنا البَدَويّةِ :

    كانوا منَ البَدْوِ ، مِنْ مَوجَةٍ

    مِنْ بُحور الرّمالِ .. أَتاحَ لها الوقتُ

    والجُهْدُ أَنْ تَتَمدّدَ بَعْدَ رحيلِ (أَدُوْمَ)

    وبَعْدَ الفراغِ الأَدُوْميِّ ...

    إِنّ الطَبيعةَ تَكْرَهُ صمْتَ الفراغِ

    فَتَمْلَؤُهُ بضجيجِ الحياةِ ، وبالأُغنياتِ الجديدةِ ... 

    قد نَخْزُنُ الماءَ في الصّخْرِ وَفْقَ

    أَساليبَ شائعةٍ أوْ خُصوصيّةٍ .. في مُتُونِ الحِكايةِ

    لكنّنا لم نكُنْ يَمَنِيّينَ أَكْثَرَ حتّى

    نُدوِّنَ بالمُسْنَدِ الجافِّ أشعارَنا في الصُّخورِ

    ونُجري مدائحَنا فوقَ حِيطانِ هذي المَعابِدِ ... 

    إِنّ مَدائحَنا تَتساقطَ فوقَ البلاطِ ندًى خاشعًا ..

    ورسائلَ مَثْقوبَةً بالحنينِ

    ونَحْنُ الذينَ إذا نَبَتَ الشُّعَراءُ بِساحاتِهمْ رَقَصوا

    فَرَحًا ، ورَمَوا نِصفَ أَرزاقِهم للطّيورِ

    ولم يَدَعوا لَيلَهم ساهرًا وَحدَهُ ... 

    نحنُ مَنْ ظَلَّ يُمْسِكُ روحَ النّدى في الكلامِ

    وكانت قناديلُهُ تَتَوَهّجُ في فَمِنا الحُلْوِ إمّا

    مَدَحْنا السّلامَ وآلِهَةَ السّلْمِ :

    فلْتَحْفَظْينا منَ اللّيلِ والذّئبِ أَيّتُها

    الصّلَواتُ

    ومِنْ إخْوَةٍ شابَهونا لِسانَ ( أَرامَ )

    ولكنّهمْ أُشْرِبوا حُبَّ ( روما ) وَفِضّتَها ... "

    .

    ويقولُ المُؤَرِّخُ : مِنْ ذلك الحِلْفِ / حِلْفِ

    ثَمودَ وقيْدارَ جاؤوا ...

    ولكنّهم في تقاليدِهمْ ، رَعَوِيُّونَ بَدْوٌ، وهذا

    لَعَمْري - يُحَيِّرُنا !!

    قد يكونُ الخليجُ هوَ الوطَنُ الأُمُّ ،

    أَوْ مِنْ جَنوب العراقِ أَتَوا معْ ( نَبوخذَ نصّرَ ) !

    ذلك أَنّ نُقوشَ (الهَفوفِ) و (هَجَّرَ)

    تُشْبِهُ ما قد وَجَدْنا بِأُوْرَ وأُوْرُوكَ ...! 

    سوفَ يقولُ المُؤَرِّخُ - .../

    .. 

    لكنّنا عَرَبٌ خُلَّصٌ ، فاعْرِفونا بأَسماءِ

    أَطفالِنا ، وبأَسماءِ زوجاتِنا ، وبأَسمائنا

    لا بِخَطِّ أَرامَ القديمِ الذي نَسْتَعيرُ لأَجْلِ

    التّجارةِ .. والأُغنياتِ الجديدةِ ...

    ثُمّ اعْرِفونا بِحَمْحَمَةِ الخيلِ حينَ نُزَوِّجُ بِنْتًا

    لِعاشِقِها .. ونُزَيّنُ أَسواقَنا بالعقيقِ ، وحينَ

    نُقَلِّدُ أَبوابَ هذي البيوتِ وأَولادَنا بالتّمائمِ ... 

    سُكّانُ هذي الحياةِ الجميلةِ نَحْنُ ، 

    وقُطّانُ كُثْبانِها والجبالِ /

    الجبالُ مَحاراتُنا الحَجَريّةُ تَحرُسُنا منْ فَيالِقِ

    روما، وأَحلامِها في 

    التّمَدّدِ فوقَ الجزيرةِ والأَرَضِينَ _

    الجبالُ قلوبٌ قَسَتْ فَرْطَ ما

    انْتَهَبَتْها خُيولُ الرّياحِ المُغيرةُ ..

    نحنُ أطِبّاؤُها العالِمونَ بأَوجاعِها ومَراراتِها

    ولذا قدْ سَكَنّا بها لِنُرَقِّقَها ، ونُعِيدَ لها 

    دَوْرَةَ الحِسِّ بالسّالِمَيْنِ : الطّبيعةِ

    ثُمّ عواطِفِها .. في عُرُوقِ الحِجارةِ ... 

    .. 

    نامَ عُبادةُ سَيّدُنا بينَ بَتْرا وغَزّةَ

    إِنّ الدّوائرَ تأخُذُ دورَتَها في الهزيمةِ والإنتصارِ

    ولا شكْلَ للمُدُنِ الدّائريّةِ / قدْ

    يَأْخُذُ اللّيلُ مِنّا المدينةَ في اللّيلِ

    لكنّنا نَسْتَرِدُّ المدينةَ فجْرًا، ونأْخُذُها منهُ حتّى

    ينامَ معَ الظّلِّ تحْتَ ضحًى عابرٍ

    لنْ تُميِّزَ عيناهُ أجْسادَنا الذّهَبيّةَ في ضوئهِ ...

    (يانَيُوْسُ) سيأخُذُ غزّةَ من أجْلِ (حسْمونَ)

    لكنّنا سنُحرّرُها لينامَ عبادةُ مثْلَ

    الملوكِ الذين ينامونَ تحْتَ ضُحَى الأَبَدِيّةِ

    في نَحْتِهِم فارِهِينَ، هنا في مرايا الأُلوهةِ

    والبَشَريّةِ مُبْتَسمينَ بلا قلَقٍ مِنْ صُروفِ

    الرّمالِ .. ومنْ لُعبَةِ المَدِّ والجَزْرِ فيها ... !

    .

    وغزّةُ قد زَهِدَتْ في التّجارةِ ، واخْتارتِ

    الفأْسَ والحقْلَ :

    "لي رِئَةٌ مَلَّتِ الرّمْلَ في جَنَباتِ الرّياحِ

    تقولُ - ولي فضّةٌ سأُلمِّعُها بدموعِ

    النّباتِ دمًا يَقْذِفُ البحرَ من مِلْحِهِ ...

    فنقولُ لها : أَنتِ مِنّا ، ونحنُ كذلكَ 

    منكِ وإِنْ خَطَفَتْكِ الزّراعةُ ثُمّ

    اتّجهْتِ إلى البحرِ ... 

    صحراؤنا هيَ بحرٌ ، ونحنُ كذلكَ بَحّارةٌ

    لا يَمَلُّونَ رَمْيَ الشِّباكِ وأَرواحَهمْ

    في ظلامِ الرّمالِ .. وفي عَتْمَةِ الموجِ .."/

    .. 

    نامَ عُبادَةُ في ليلِ مَعبَدِهِ

    ونَما ظِلُّهُ أَثْلَتَينِ سماويّتينِ بِإِثْلِبَ .. 

    نامَ عُبادةُ في موجةٍ من رمالٍ ولَمْ

    يَستَفِقْ ! 

    لمْ يَقُلْ للقبائلِ من خلْفِهِ أَينَ قدْ

    يَذْهَبُ الظّلُّ إنْ ماتَ صاحِبُهُ ! 

    لمْ يُفسِّرْ لنا شُبَهًا أوْجَعَتْ لَيلَنا في

    القصائدِ .. أَوْ قلَقِ السّامرِينَ ... /

    أَلِلظّلِّ إنْ ماتَ صاحِبُهُ رِئَةٌ يَتَنَفّسُ

    منها ؟ لَهُ اسْمٌ سَيَحْفَظُهَ منْ

    ضياعِ الهُوِيّةِ في مَجْمعِ الظّلِّ في أَبَدِيّتِهِ؟!

    أَلَهُ عَرَقُ مِثْلَنا ؟ ويَدانِ حَقيقيّتان لِنَقْرِ

    الصّخورِ ، وكَسْرِ قلوبِ الجبالِ بلا أَلَمٍ ؟!

    وبَناتٌ يَخَفْنَ عليهِ ؟ ويَغْسِلْنَ في

    دَعَةٍ قَدَميْهِ ؟!

    لهُ أَصدقاءُ وفِيّونَ من بَعْدِ صاحبِهِ ؟! /

    ... 

    لمْ يُخَبِّرْ عُبادةُ عُبّادَهُ الخائفينَ ولا

    ظِلَّهُ

    ولَمْ يَسْتَفِقْ ! 

    فلعَلّ القَلَقْ

    صِفَةٌ للظّلالِ كذلكَ ، أَوْ

    شَوْكُ أَرواحِنا يَتَرَنّحُ في الأَثْلِ في

    قَبْضَةِ اللّيل .../

    .

    غَزّةُ تأْتي وتَذْهَبُ ، 

    في اللّيلِ تأْتي وتَذْهَبُ ، 

    في الخَطِّ بينَ أَرامَ وروما تُبدِّلُ

    عاداتِها .. حينَ تأْتي وتَذْهَبُ ...

    غَزّةُ تَخْتَبِرُ الإحتمالاتِ ؛ 

    تَأْخُذُ حِصّتَها من حُظوظِ الرّياحِ ، وتَبْقَى

    على حافّةِ البحرِ جُرْحًا وسيْفًا معًا ! 

    فهْيَ أَشْجَعُ مِنْ أنْ تموتَ جفافًا كأرضِ

    عُبادةَ ، أوْ هيَ أَضْعَفُ مِنْ أنْ

    تَعيشَ على موجةٍ من رمالِ القبائلِ

    فاخْتارتِ الجهَتَينِ معًا :

    حَقْلَ خَسٍّ على بابها في الشُّروقِ ، 

    وأسماكَ فضّيّةً تَتلوّى وتَلْمَعُ خَلْفَ

    نوافِذِها في الغُروبِ ...

    وكانتْ تمامًا كما بَشّرَتْ بِوِلادتِها القابِلاتْ

    هواءً نَدِيًّا وأَفْئِدَةً ، 

    وظِلًّا وَفِيرَ الغِلالِ على

    الشُّرُفاتِ التي امْتلأَتْ .. بِزُهورِ الرِّئاتْ !

    * * *

    سَوفَ نَحْفِرُ آبارَ أُخرى لِتَمْتدَّ واحاتُنا حولَنا

    وَنُرَبّي معَ الخيلِ نَخْلًا شديدَ الشُّبوبِ لِأَعلى _

    الزّراعةُ تَحْمي بِصَلْصالِنا الذّكرياتِ القديمةَ ، 

    والصّيدُ في البحرِ يَجْعَلُ من غَدِنا جَرّةً في

    اليدَينِ ، لذا نَصْنَعُ السُّفُنَ الخشبيّةَ كي

    نَمْلأَ الغدَ بالذّكرياتِ الجديدةِ ... 

    لا إِرْثَ يُوْجِعُنا ها هنا ، لا وصايا تُؤَرّقُ أَرْواحَنا

    لا غُموضُ الزّمانِ بِدادانَ أو ما صَنَعْنا بِلَحيانَ ... 

    هذي السّماءُ مُحايِدَةٌ فَوْقَنا

    والجبالُ أَوانٍ على الأرضِ آمِنَةٌ

    ولذا سَنُخَزِّنُ فيها المياهَ لأَحيائنا

    ونُخَزِّنُ أَجسادَنا حَجَرًا زائِدًا ، رُبّما سوفَ

    تَحفَظُهُ زَمَنًا في الكهوفِ

    لأنّ الزّمانَ على الصّخْرِ أَوْهَنُ نَقْرًا .. وأَبْطَأُ ... 

    .. 

    مِنْ نُقْرَةِ الصّخرِ تُوْلَدُ هذي الحياةُ ، 

    مِنَ الصّخرِ والماءِ تُوْلَدُ ،

    منْ كلِماتِ الأَغاني على فُوْهَةِ البئرِ تَكْثُرُ

    هذي الظّلالُ .. ويَنْكَشِفُ الرّملُ ... 

    مُرُّوا إلى مِصرَ والشّامِ تَحْتَ عُيونِ النُّسورِ

    لِيَحرُسَكمْ ظِلُّنا يا رجالَ القوافلِ ، 

    مُرُّوا لِتَيماءَ شَرْقَ الشّمالِ وتَدمُرَ ... 

    هذي التّوابلُ والمُرُّ في عُهدَةِ الرّبِّ - رَبِّ

    القوافلِ تحتَ ظِلالِ السُّيوفِ ... 

    ولنْ يأْخُذَ الرّومُ هذا البخورَ لزوجاتِهمْ وجَواري

    تُراجانَ ) إذْ لمْ نَزَلْ بَعدُ 

    أَحياءَ فيما هنا .. ونَشُمُّ الهواءَ ... 

    ونَحنُ الذين نُروِّضُ هذي الجبالَ كما

    رَوّضَ الوحْشَ أجدادُنا منذُ عُلْيا ثَمودَ

    ولكنّنا قد عَجَزْنا نُرَوِّضُ هذا الزّمانَ الذي

    لا نَراهُ ونَلْمَسُهُ ! 

    لا شُقوقَ بهذا الزّمانِ لِنُنْشِبَ فيهِ أَزاميلَنا

    ونَعَضَّ على لَحْمِهِ وَهَيوْلاهُ .. 

    لسْنا سوى بشرٍ عاجزينَ ، سَنَمْلِكُ

    هذي الجبالَ وهذا المكانَ قليلًا ونَرحَلُ .. 

    تَخْطَفُ أرواحَنا ريحُ هذي السّماءِ إذا

    نحنُ مُتْنا ، وأَجسادُنا سوفَ يَشْربُها الماءُ في

    أَبَدِ الصّخْرِ

    آسادُنا سوفَ تَحْرُسُ أَنْفاسَنا وهْيَ تذوي معَ

    الوقتِ، آسادُنا بِرُؤُوسِ نِسائيّةٍ مِثْلما قد تَرَونَ، لأنّ

    الجميلاتِ مِنهُنَّ وَحْشٌ منَ الوحْشِ

    فَلْتَحذَروا أَيّها العابثونَ بهذي المقابِرِ منهُنّ ،

    مِنْ لَعنَةٍ سوفَ تَحرُسُ روحَ المكانْ

    واحذروا لَدغةَ الأُفْعُوانْ

    واحذروا مِنْ تَفَلُّتِ أَرواحِنا

    من شُقوقِ الحِجارةِ

    أَوْ .. دَمْعَةِ الأُقحُوانْ

    * * *

    ما الذي كان يَجعَلُ من رَجُلٍ شاعرًا شَعَرا ؟

    حِسُّهُ ؟ أَمْ هواءُ الموانئِ في رئتيهِ

    يُناديهِ :

    خُذْ موجةً من حدائقِ بَحريَ وارْحَلْ

    عليها .. خفيفًا ، خفيفًا كأنّكَ زرقَتُها .. 

    لا متاعَ ولا أهْلَ تَذْكُرُهمْ غيرَ 

    قلبِكَ مُنْشَغِلًا بالقطا والغزالةِ ... 

    وارْكُضْ هنالكَ تحتَ الغيومِ التي

    كنتَ تَرْفَعُها بِيَدَيكَ وتَضْفِرُها

    مِثْلما كنتَ بالشِّعرِ تُنْزِلُها مَطَرا !

    .. 

    ما الذي كان يَجعلُ من رجلٍ شاعرًا شَعَرا ؟

    أَمْسُهُ ، أَمْ غُموضُ المقاديرِ في غَدِهِ ؟

    ربّما لن يَعوْدَ إلى بَيتِهِ بالحريرِ ولا بالهدايا

    ولن يَعْرِفَ الرّملُ إيقاعَ خُطوَتِهِ

    ومَدائحَ مَحْتِدِهِ

    حين يَرْجِعُ مِنْ بَرْقِهِ لِدَمٍ

    فوقَ أنصابِ مَعْبَدِهِ ! 

    ذو الشِّرَى نائمٌ في رَتابةِ صخرتِهِ

    ليسَ يَعْبأُ بالعابدِينَ ، ولا

    السّاخرينَ الخبيثينَ منْ موتِهِ في تَأَبُّدِهِ

    فالعبادةُ حُرّيّةٌ كالطّبيعةِ ، لا خيرَ فيها إذا

    أخطأَ القلبُ معراجَهُ قَبْلَ أَو بَعدَ مَوْلِدِهِ

    أَوْ إذا هوَ في دَربِهِ عَثَرا ! 

    .. 

    ما الذي كان يَجعلُ من رَجُلٍ عابِدًا سَكِرا ؟

    الأَواني التي انْكسَرتْ فيهِ ، أَمْ خَمْرُها النّبطيّةُ 

    أَمْ نَوْحُ ريحٍ شَماليّةٍ .. في شُقوقِ الحجارةِ ؟!

    قد يَجعَلُ الذّنْبُ صاحبَهُ حَطَبًا ناشفًا ، 

    ثُمّ قد يَجعلُ الدّمعُ صاحبَهُ بَعْدَها شَجَرا !

    .. 

    ما الذي يَجعلُ النّسرَ في بَيْتِهِ

    حينَ نَنْحِتُهُ - في يَدَينا هنا حَجَرَا ؟!

    خَفْقُ ليلٍ من الرّيشِ يَحْمِلُ هذا

    الغُبارَ الخفيفَ على ريحِنا في القصائدِ ،

    أَمْ رَغْبَةُ الرّمزِ في أَنْ يَفُكَّ عُرَى الوَهْمِ

    عن عُشْبِةٍ لا تُخَلِّدُ صاحِبَها

    مَلِكًا كانَ ، أَمْ كانَ نصْفَ إلهٍ

    هنا في الأساطيرِ .. أَوْ بَشَرا ! 

    .. 

    الأَزاميلُ تِلْوَ الأَزاميلِ مَكسورةٌ في فَراغِ

    المسافاتِ ، مَكسورةٌ في الرُّؤَى .. 

    يَحْلُمُ الحالِمون لنا ولَهُمْ

    فتصيرُ الصّخورُ حقائقَ أَوْهامِنا

    وشقائقَ هذي السّماءِ على الأرضِ

    إذْ هكذا قد تَطيْرُ النُّسورُ بِلا طيَرانٍ

    وتحيا بلا نَفَسٍ .. في تَشابُهِ هذي

    الرُّموزِ بِصَلْصالِنا الرّخْوِ .. بالحالِمينَ وقد نَحَتوا

    في أقاصي الظّلامِ - لنا ولَهُمْ - قَمَرا

    .. 

    ما الذي كان يَجْعَلُ من نَسْرِنا

    حجَرًا طائرًا في السّماءِ

    كما كان في مَدخَلِ البيتِ ، أَوْ

    في مَعابدِنا .. طائرًا حَجَرا ؟!

    ثُمّ لَمْ يَقْضِ مِنّا وَلَمْ

    نَقْضِ مِنْ رَمْزِهِ .. وَطَرا ! 

    .. 

    ما الذي كانَ يَجعلُ مِنْ نَسْرِنا

    عالقًا في الصّخور وفي رمزِ أَشعارِنا - صُوَرا ؟!

    وقتُ هذي السّماءِ إذا فاضَ عن

    حاجةِ الأَبَدِيّةِ للوقتِ ؟ أَمْ رَغْبَةُ القلبِ في

    جَبْرِ أَغصانِهِ في الأَعالي 

    إذا صَوتُنا .. جَفَّ وانكَسَرا ! 

    .. 

    آهِ لو كان للماءِ شكْلٌ وظِلٌّ 

    إِذًا كانَ طارَ مَعَ النّْسرِ أَعلى ... 

    ولو كان للنّسْرِ مثلَ الحمامِ يَقينٌ 

    لَما احتاجَ هذا العُلوَّ عن الأرضِ ، بَلْ

    ربّما انماعَ في يدِنا تحتَ نَقْرِ الأَزاميلِ

    مِنْ خَشْيةِ اللهِ !!

    لكنّنا بشَرٌ كلُّنا.. 

    مُوْضِعونَ لِغَيْبٍ بهذا السُّرَى .. !

    .. 

    الطّبيعةُ من حولِنا بشَرٌ

    والنّباتاتُ والصّخرُ ، هذا القطا بشَرٌ

    والغزالةُ والذّئبُ ، وِديانُنا والجبالُ التي

    الْتَحَفَتْ بالسّرابِ ، 

    وروما وفارسُ مِنْ حَوْلِنا بَشَرٌ ... 

    كُلُّهُمْ بشَرٌ مِثْلُنا جائعونَ لِمَعنى الخُلودِ

    وإنْ أَخطؤُوا طُرُقَ العُشْبِ والضّوءِ

    أَو صافَحوا دمَنا بالحديدِ

    ولَمْ يَرحَموا العابدينَ ولا السّاخرينَ ولا

    ذا الشِّرَى .. !

    ما الذي يَجعَلُ الكائناتِ الخفيفةَ

    حتّى وإنْ قَتَلَتْ نفْسَها - بَشَرا ؟

    ما الذي يجعلُ النَّسْرَ أَغْمَضَ في لَحمِهِ

    ثُمّ أَوْضَحَ في الرّمزِ إنْ أَسْكَنَتْهُ يدٌ حَجَرا ؟

    العوالمُ مَمْلوءةٌ بَشَرًا يا إلهي ،

    يَفيضون عنْ قلْبِها وعنِ الجانبينِ

    نَرَى وَتَرَى :

    يَأْكُلُ الوَحشَ وَحشٌ بها ،

    أُمَّةٌ أَكَلَتْ أُمَّةً في الغَبوقِ

    كما نَفَرٌ في صباحٍ مِنَ الدّمِ واصطَبَحوا نَفَرا !

    العوالِمُ مَمْلوءَةٌ بَشَرًا يا إَلهي وَيَنْقُصُها

    أنْ يكونوا بها مَرّةً .. بَشَرا !

    * * *

    ويقولُ ليَ النَّسْرُ في سُدَّةِ البابِ :

    أَعْرِفُ وُجْهَةَ قلبي الّتي كنتُ

    أَجْهَلُها قَبْلَ أنْ أَسْكُنَ الصّخْرَ ... /

    في الصّخرِ يَجْعَلُني الرّمزُ أَقوى ، فلا

    تستطيعُ رياحُ الجنودِ هزيمةَ ريشي .. 

    زماني هُنا صارَ أَبْطَأَ : 

    عاميَ دهرٌ طويلٌ 

    وظِلِّي تَنفُّسُ روحي وبُلْغَتُها للنّجاةِ مِنَ

    الحَربِ / ما كان منها .. وما سوفَ يأتي ... 

    فَلِلّحمِ خَيْبَتُهُ في السّماءِ هنالكَ حيثُ

    سهامُ الجنودُ تُفَتّشُ عن نَبْضِهِ !

    ثُمّ لا جِهَةٌ تَحصُرُ الرّمزَ ، لا

    سَهْمَ يَخْطَفُ منهُ الحياةَ .. ولا 

    نابُ أفْعى ...! 

    ولكنّني لا أُوافقُهُ الرّأْيَ /

    - : ما حاجةُ النَّسْرِ ، إنْ طارَ يومًا ، إلى

    جِهَةٍ ؟!

    اتْبَعِ القلبَ يا نَسْرُ صَوْبَ 

    جهاتِكَ .. فيكَ وحَولَكَ ، 

    صَوبَ حَنينِكَ للأَبَدِيّةِ في 

    مَطَرٍ .. ليسَ يَهْدَأُ ... 

    لَحمُكَ أَقْوَى منَ الصّخْرِ ، إذْ تَستطيعُ بِهِ

    أَنْ تُكَثِّرَ نَفْسَكَ أَكْثَرَ

    والرّمْزُ ليسَ سِوَى شَبَحٍ عاقِرٍ ... ! 

    عِشْ قليلًا ، فإنّ القليلَ سيكفي

    لِتُبْصِرَ هذي المَمالكَ تَهوي بِلُعبةِ

    أَصحابِكَ البَشَرِ الزّائلينَ ...

    امْتَلِئْ حِكْمةً تَنْجُ مِنْ وهْمِنا أَيُّها النَّسْرُ ، 

    لا تَبْقَ في صَخْرِنا شَبَحًا عالِقًا

    نَحنُ نَسْجُنُ حتّى الرُّموزَ الّتي نَتَعَشّقُها في

    القصائدِ .. أَوْ نَتَمَلَّقُ أَسْرارَها في الحجارةِ ... 

    إِنّ جُنونَ التّملُّكِ لَعنَتُنا الأَبَدِيّةُ يا نَسْرُ ، 

    فافْهَمْ كلامي تَفُزْ بِحَرارَةِ نَبْضِكَ ..

    لا قَلْبَ للآدَمِيّينَ إذْ طَبَعوكَ على الصّخْرِ وانْسَحَبوا

    منْ أَصابِعِهمْ دوْنَ تَلْويحَةٍ للوَداعِ ولا نَدَمٍ !

    لمْ تَعُدْ أَنتَ نَفْسَكَ في صَخْرِهمْ مُنْذُ أَنْ

    صِرتَ غَيرَكَ في رَمْزِهمْ .. أَيُّها النَّسْرُ .../ 

    .. 

    لكنّهُ لا يوافِقُني الرّأْيَ : 

    ما حاجتي لِجناحينِ حتّى أُحَلِّقَ ، 

    ما حاجتي لِعُروقي وَنَبْضيَ ؟

    في الرّمْزِ تَحصُرُني صورتي ، لا السّماءُ ولا

    الأرضُ ! ما حاجتي للحياةِ لأَمْلأَ حَوْصَلتي ؟

    قد سئمْتُ من الحرب ، مِنْ لُعبةِ الزّائلينَ الخفيفينَ - 

    أَصحابِكَ المُتعَبينَ 

    سَئِمْتُ منَ الجوعِ أَوْ ضِدِّهِ

    ومشاركةِ الضّبْعِ ما ليسَ لي ولَها ... 

    نُقْرَةُ الماءِ في الصّخْرِ تَكفي ،

    لأَنجوَ منْ

    ظَمَئي الخُلّبيِّ إذا صِرتُ رَمْزًا !

    وما حاجتي لِينابيعَ شاردةٍ في

    الغيومِ ، وما حاجتي لِجَثامينَ أُخرى 

    لأَمْلأَ بالدُّودِ حَوْصَلتي ؟!

    هكذا نِلْتُ في الرّمزِ ،

    في قَفَصِ الصّخْرِ .. حُرّيّتي ! 

    .. 

    ولكنّني لا أُوافقُهُ الرّأْيَ /

    إنّ هناك الكثيرَ لِتحيا لهُ ها هنا

    بِمَمْلَكةِ اللّحْمِ يا نَسْرُ:

    خَضُّ المدى بِجناحيْكَ ،

    قُدْرَتُكَ المُشْتَهاةُ على حَمْلِ نَفْسِكَ في 

    الرّيحِ ..

    صَوْتُ الهواءِ على الرّيشِ ،

    رَجْفَةُ تلكَ الفرائِسِ تَحْتَكَ 

    أَوْ طَعْمُها في لسانِكَ ...

    أَنفاسُكَ الذّهبيّةُ حتّى تَشُمَّ على

    الأَرضِ ما شئْتَ من عَرَقٍ يَفْضَحُ الكائناتِ

    ويَكْشِفُها في الجُحورِ العميقةِ

    حاجةُ عيْنيْكَ للنّومِ بينَ حياةٍ

    أَرَقْتَ .. وأُخرى ...

    ضَراوةُ تلكَ المخالبِ وهْيَ تُمزِّقُ لَحمَ

    الضّحايا لتزدادَ عُمْرًا بما أَنقصَتْهمْ منَ

    العُمْرِ ..

    بَرْدُ الرّمالِ التي بَلّلَتْها ظلالٌ

    تَساقَطُ من شَجَرِ الأَثْلِ

    والبرْقُ يهوي ليُبْصِرَ صورتَهُ في 

    زُجاجِ الصّخورِ.. ويرْجِعُ من نفْسِهِ خائفًا ...

    خَدَرُ الماءِ من لَدْغَةِ الشّمْسِ

    زَهْوُكَ بالمِنْسَرِ الصُّلْبِ / مِنْقارِكَ المَلَكيِّ... 

    هناكَ الكثيرُ لتحيا له أَيُّها النَّسْرُ ..

    تحيا هناكَ بَمَمْلَكةِ اللّحْمِ منْ

    أَجْلِ نَفْسِكَ فرْدًا وحيدًا سعيدًا

    ولكنَّكَ الآنَ في الرّمزِ تحيا لغَيْرِكَ

    مُلْكيّةً لِسِواكَ ومُسْتَعْبَدًا مَلِكًا صِرْتَ !

    كم أَنتَ تَجْهَلُ يا نَسْرُ !

    مَمْلَكَةُ الرّمزِ قاسيةٌ ، ليسَ تَرْحَمُ

    فيها الملوكَ الذّليلينَ وهْيَ تُلبّي هنالكَ

    شهْوَتَهُمْ للخلودِ النّبيلِ !

    هنالكَ تَكْسو عراءَ الضّحايا بأَثوابِها الشّبحيّةِ ...

    يا نَسْرُ، لا تَحْيَ عبدًا لِعالَمِنا المُسْتَبِدِّ

    ونَقْشًا عقيمًا على بابِ مَعْبَدِنا ...

    سوفَ تَيْبَسُ فيكَ الحياةُ على

    لَحْمِ هذي الصّخورِ.. لذا ارْجِعْ

    لذاتِكَ حُرًّا ، ومُتْ في حِفافِ الجبالِ كما

    يَفْعَلُ الحُرُّ ..

    كمْ أَنتَ تَجْهَلُ يا نَسْرُ !

    مَنْ أَنشَبَ الصّخْرُ فيهِ مَخالبَهُ الأَبَديّةَ

    لَمْ يَنْجُ من مَوْتِهِ الدّائمِ الأَبَديِّ

    فكُنْ عاقلًا واتّعِظْ بصديقِكَ لُقْمانَ

    وانْجُ بنفسِكَ من جوعِ معْبدنِا للرّموزِ

    ولِلّحْمِ...

    وانْجُ بظلِّكَ فوقَ الرّمالِ أَيا

    ملِكًا للأَوابِدِ ، مَنْ لا ظلالَ لهُ لا

    حياةَ لهُ في كتاب الحياةِ وإنْ

    صارَ مثْلَكَ في صخْرةٍ مَلِكًا

    يَسْجُدُ العابدونَ لِصورتِهِ وهْوَ لا

    يُبْصِرُ السّاجدينْ

    ولا يَسْمَعُ الصّلَواتِ تُمجِّدُهُ – خالدًا -

    فوقَ أَلْسِنةِ الزّائلينْ !

    وكم أَنتَ تَجْهَلُ يا نَسْرُ !

    لقمانُ أَخْنَى عليهِ الزّمانُ وغابَ

    وأَفْزَعَهُ أَنْ يَرى ما رَأَى مِنْ تَساقُطِ ريشِكَ ...

    إنّ الرّموزَ تَساقَطُ في آخِرِ الأَمْرِ معْنًى فمعنًى 

    فماذا ستُبْقي لنفسِكَ منها ؟!

    وعرشُكَ في الصّخْرِ مَنفاكَ

    عَرْشُكَ حَتْفُكَ ، سوفَ يُعالِجُ

    صخرتَكَ الموتُ حتّى وإنْ لم تُحِسَّ بهِ ،

    بِدَبيبِ مَخالبِهِ في الشّقوقِ الصّغيرةِ !

    فاخْلَعْ جَناحيكَ عن بابِ مَعبدِنا

    وطِرْ أَيُّها النّسْرُ ، واتْرُكْ فراغَكَ في

    الصّخْرِ بَعْدَكَ فخًّا لِغَيْرِكَ ممّنْ

    سنختارُهُ .. من ضحايا الرّموزِ

    مِنَ النُّجَباءِ/ الملوكْ

    لقد خانَكَ البَشَرُ الزّائلونَ

    وما أَكْرَموكَ ، وما أَبّدوكَ 

    ولكنّهُمْ .. قَتَلوكْ ! /

    * * *

    كُلُّ صَوْتِ صَدًى

    كُلُّ صَوْتِ صَدًى حائرُ

    كُلُّ عَيشٍ سُدًى

    كُلُّ عَيشٍ سُدًى خاسِرُ

    كُلُّ خَطْوٍ رَدًى

    كُلُّ خَطْوٍ رَدًى عاثِرُ ]

    أنا هيَ ( سَلْمَى) التي كَتَبَتْ فوقَ

    شاهدةِ القبرِ / قبريَ هذا .. كلامَ الوداعِ الأَخيرِ

    و(عَدْنونُ -هذا- ابنُ حِبَّى) أَبي ،

    وتَزَوّجَ من بَعْدِ أُمّي مَناةَ

    الجميلةَ – إبْنةَ عَمْرٍو

    وكانتْ - لَعَمْريَ- تَصغُرُهُ بثلاثينَ

    عامًا وشَهرينِ !

    ثُمّ قُبيْلَ الثلاثينَ مُتُّ بِلَدْغَةِ 

    أَفْعى ، وأَوصيْتُ : 

    لا تَدفِنوا أَحَدًا لِصقَ قَبري ، 

    أَنا بِنْتُ أُمّي الخجولةُ ، أَحتاجُ

    عُزلَةَ روحيَ منْ بَعْدِ موتي 

    لِآخُذَ حُرّيّتي في الغِناءِ

    وحُرّيّتي في البُكاءِ

    وخَلْعِ الملابسِ في الحَرِّ بَعدَ انتهاءِ الجِنازةِ ... 

    هذا وقد مُتُّ عَذراءَ ( بِنْتَ بُنوتٍ ) بِأَوّلِ آبَ

    الطّويلِ الثّقيلِ على القلْبِ والرّملِ

    مثلَ الرّدَى .. وَحُميّا السّنينْ

    غيرَ أَنّي صَنَعتُ بهذي الحياةِ القصيرةِ خيرًا

    فأَتْقَنْتُ نَسْجَ الحصيرِ الأَدوميِّ

    أَتْقَنْتُ مثْلَ العَجائزِ خَبْزَ العَجينْ 

    لأَهلي وَزُوّارِنا الطّارِقينَ بلا مَوْعِدٍ ... 

    وَخَدَمْتُ أَبي والجميعَ بِصِدقٍ ولَمْ أَتَذمّرْ 

    كما تَفْعَلُ الفَتَياتُ - ولو مرّةً

    لكثرةِ ما قد جَلَبْتُ من الماءِ في قِرْبَتي

    لِمناةَ وأَبنائها / إخْوتي الظّامئينْ

    فإنْ تَذْكروني اذْكُروني بخيرٍ ولا

    تَرفعوا سَقْفَ قبريَ عنّي ، 

    أَنا بِنْتُ أُمّي الخَجولَةُ ، لَمْ 

    أَحتَمِلْ زِينَةً وأَساوِرَ مِنْ

    ذَهَبٍ .. أَيُّها العابرونَ 

    لكي تَهْتِكوا سِتْرَ قَبري الذي قَدْ نَأَيْتُ بهِ

    مثْلَ سَهْمٍ بَراهُ اليقينْ

    وقولوا : وداعًا لِسلْمَى / حمامةِ

    هذي السّماءِ ، التي لَمْ تَجِدْ رَجُلًا

    لِيَذودَ الرّعاءَ ويَسْقي لها

    ويكونَ فتاها القويَّ الأَمينْ

    وداعًا

    لِسَلْمَى الصّغيرةِ تلكَ الّتي انْكَسَرَتْ 

    مثْلَ قارُورَةٍ فوقَ مَوجَةِ رَمْلٍ .. 

    ومِنْ قَبْلُ كانتْ

    ندًى وسلامًا .. على أَهْلِها الطّيّبينْ

    .. 

    .. 

    أَنا هُوَ هذا .. (مُهنّدُ ساري) الذي

    قد رَوَى ما رَوَى

    مَرَرْتُ ضُحًى بِمَدائنِ صالِحَ

    لكنّني لَمْ أَجِدْ أَحَدًا بينَ جُدْرانِها لِأُكَلِّمَهُ

    أَو أُقاسِمَهُ دَمْعَ صَمتي وَبُحّةَ أَشْجانِها ...

    أَنا شاعرٌ مثْلُ سلْمَى

    أَنا عابرٌ مثْلُ سلْمَى التي

    ادّثَرَتْ صَمْتَها بَعدَ هذا الكلامِ الأَخيرِ على 

    حَجَرٍ صاخِبٍ !

    صِرْتُ في الأَربعينَ منَ العُمْرِ ،

    لي مُدُنٌ غيرُ هذي ، 

    وَخَطٌّ سِوَى خَطِّ آرامَ ...

    لَمْ يَتَزَوّجْ أَبي امْرأَةً غيرَ أُمّي

    ولا عِلْمَ لي أَنّ لي إخْوَةً آخَرينَ سِوَى

    مَنْ عَرَفْتُ ومَنْ أَنْجَبَتْهُمْ حَليمةُ !

    لا نَسْرَ لي في الصّخورِ ولا

    في السّماءِ الّتي أَتَخَيّلُها

    ولَمْ أَجْعَلِ النَّسْرَ رَمزًا لشيءٍ بِشِعْري

    لأَنّي أُحِبُّ العصافيرَ أَيْقُونَةً لا الجوارِحَ ... 

    أَيضًا خَدَمْتُ كثيرًا من الناسِ

    لكنّني قد تَذَمّرتُ شيئًا قليلًا لِخِسّةِ

    أَكْثَرِهِمْ .. وَفسادِ طَوِيّاتِهمْ ... 

    أَعْبُدُ اللّهَ رَبًّا / إلهَ الجميعِ -

    إلهَ عُبادةَ والرّومِ والفُرسِ ...

    أَعْرِفُ أَكْثَرَ مِمّا أَقولُ كثيرًا

    ولكنّني قد خَبَأْتُ وَراءَ لِسانيَ قلبيَ

    واخْتَرتُ صمتي

    كما اخْتَرْتُ أَنْ أتزوّجَ سَلْمى

    حَمامَةَ تلكَ السّماءِ التي انْكَسَرَتْ فوقَ

    موجةِ رَمْلٍ كقارورةٍ مِنْ ندًى... 

    ثُمّ هذا يكونُ هنالكَ في غيرِ هذي الحياةِ القصيرةِ

    إِنْ رَضِيَتْ بيَ زَوْجًا قَليلَ

    الحِباءِ لوالِدِها ... 

    رُبّما أَتَعَلّمُ لَهْجَتَها

    أَوْ أُعَلِّمُها لَهْجَتي

    وأَقولُ لها :

    سأَكونُ هنالك ماءً لرَمْلِكِ عَذْبا

    وجنَّتَكِ المُشْتهاةَ ، 

    وفاكهةً لكِ فيها .. وأَبّا

    فَغَنّي معي يا حمامةُ

    وابكي معي فَرَحًا مِنْ نِهايةِ أَحْزانِنا ،

    واغْفري لأَبيكِ خِيانةَ أُمِّكِ أَغْفِرْ

    لِروما الذي فَعَلَتْ بأَبي وأَبيكِ

    وأُمِّكِ والصّخْرِ والرّملِ والبَحْرِ

    والعالمينَ - كذلكَ - قَتْلًا ذَرِيْعًا .. ونَهْبا

    أَنا هوَ هذا الّذي قد رَوَى ما رَوَى

    وَلَمْ أَدّخِرْ في الرّوايةِ قَلْبا

    وجَدْتُكِ مَيّتَةً حَيّةً

    كما وَجَدَ التِّرْبُ يوْمًا

    على هذهِ الأرضِ .. تِرْبا

    فَظَلّي بِخَيرٍ وَطَيّبَةً

    يا حمامةُ

    يا بِنْتَ ( عَدنُونَ - ذاكَ - ابنِ حِبَّى ) 

    1. جميييييل يا عزيزي مهند ساري لست ضليعا بفن الشعر ولكن تملكتني الدهشه إذ استطعت أن تكون مؤرخا فتصيغ التاريخ شعرا فيخرج تاريخنا قصيده واي تاريخ هو تاريخ الهويه والذات تاريخ من نحن ،ذاتنا إذ نبشت بها في اقلها منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام ،هكذا لست تكتب تاريخنا شعرا بل وتكثفه فيتقطر في أرواحنا مكثفا حلوا فنمتصه كاسفنحة عطشى اكتشفت ذات قصيدة هويتها ... ذاتها..
      بقدرتها على الامتصاص .
      مهند ساري كاني في قصيدتك أعدت قراءة رفا من كتب أو في اقلها كتاب من اربع اجزاء يحوي ١١٤٦ صفحه
      دمت قلما جميلا ملتزما عميق المعرفه ....شكرا

      ردحذف

    التعليقات



    جميع الحقوق محفوظة

    العهدة الثقافية

    2016