د. علي جعفر العلاق يكتب: جمهور الشعر أم قرّاؤه ؟
تساءلت، في كتاب لي عن الشعر والتلقي، صدر قبل سنوات “ما الذي يدفع شاعراً مثل أدونيس إلى أن يتحدث، في حوار مع إحدى المجلات الأسبوعية، بهذه النبرة اليائسة "ليس لي جمهور، ولا أريد جمهوراً". وقد شدتني إلى ذلك الحوار، نقطة شديدة الذكاء، ميز فيها أدونيس، بجملة حاسمة، بين القراء والجمهور : "الخلاقون لهم قراء".
إن قراءة القصيدة في الغالب هي جهد العزلة الفياضة بالتأمل المشرق في ما نقرأ. وهي أيضا حصيلة التحام، نفسيّ ولغويّ وتخيليّ، بالنصّ. تعززه المعرفة، ويوسع مدياته إحساسٌ قويّ بما نقرأ. أما مصطلح الجمهور، وهو ما أشرت إليه في المناسبة ذاتها، فهو بقية من بقايا الفاعلية الشفاهية التي حكمت، ولا تزال، مسيرة القصيدة العربية الحديثة في طريقها إلى المتلقي.
وإذا كان أمام قارئ القصيدة نصّ ماثل يعكف عليه، أو كتلة مترابطة يعالجها، بالتكرار أو الإعادة أو الإبطاء أو التحديق في فضاء ورقيّ يحتضن اللغة ويتسع لامتداداتها، فليس للجمهور مثل هذا الرفاه في عملية التلقي. لأن الجمهور، في أحيان كثيرة ، هو كائنٌ شفاهيّ يتلقى أثر القصيدة دفعـة واحـــدة. اختلاجات في الجسد، أو نشـوة مؤقتـة في الحواس .
وباستثناء القراء المدربين جيدا على الإصغاء إلى
ما يهمس به النص في خلوته المجيدة، فلا أعتقد أن للقصيدة العربية الحديثة الآن،
جمهوراً كبيراً مهموما بسماع الشعر، أومقولات الحداثة الشعرية، أو نظريات التلقي.
وهكذا فإن ما نراه، في الغابة المقابلة لنا، أشجارٌ متراصة، في انتظار الشاعر الذي يوقظ ، بفرادته وصدقه الجميل، حفيفها المؤجل منذ سنوات.
______
عن صفحة الشاعر الشخصية ( فيس بوك)
إرسال تعليق