-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

دور القصيدة في ديوان حارس المعنى رائد الحواري

 للكتابة أثر استثنائي على الشاعر، فهي من تمنحه الفرح، وهو يجد ذاته من خلالها وبها، والكتبة تعطيه حالة من الصوفية، بحيث يتوحد معها وتتوحد معه، ويمكنهما معا أن يقيما علاقة المرأة والرجل، فالكتابة هي من أهم العناصر التي تكون الشاعر.
في هذا الديوان الكبير بحجمة ـ أربعمائة وسبعون صفحة ـ والممتع بنوعية القصائد التي يحملها نجد عالم الكتابة بكل جلاء، فهي الحياة التي يعيشها الشاعر، وهي الماء الذي يروي ظمئه، والهواء الذي يتنفس، فكل قصائد الديوان جاءت لتتحدث عن أثر ودور وأهمية الكتابة عند "أحمد الخطيب" بحيث يكاد أن يكون الديوان رواية تتحدث عن الكتابة وأثرها ودوافعها وحيويتها، فاتحة الديوان جاءت بهذا الشكل:

"في القصيدة

شيء أسميه حرفة
أن تبدل حرفا بحرف إذا
ما تآمر مصف الكلام عليك، وأن
تأخذ الشمس صدفة
وتدخلها في الشمال، وتعكس شمس الغروب ...،
وتحفز غزلان دربك،
حتى إذا نام راعي الحلال،
نبهت الحليب من الضرع
فانساب رأفة

شيء أسميه حرفة
وتأويل شرفة.
تطل ما ذهب إلى الماء
تحرف عن مشهد في الحديقة
نصفه
القصيدة رمز،
إذا ما انفردت على الماء
تفرج عن عادات المكان
ورمز إذا ما اختزلت المحارات
في القاع
عزف
وألفة" ص5و6، بهذه الفاتحة يمكننا القول أن "أحمد الخطيب" يؤكد على أن عناصر المهدئة/الفرح تتكون من الكتابة/القراءة، والطبيعة، ورغم أنه يتجاهل دور المرأة في الفاتحة إلا أنه يتناولها في متن الديوان، فهو كشاعر يركز على أدواته، جاعلا منها الباعث والخالق للعناصر الأخرى "المرأة والطبيعة والثورة" على النقيض من الشعراء الآخرين الذين يجعلون المرأة هي الباعث والخالق لبقية العناصر، وسنحاول أن نبين المنحى الذي استخدمه الشاعر في هذا الديوان وتركيزه على الكتابة كعنصر مُوجد للعناصر الأخرى.

فالكتابة تكمن في "القصيدة، حرفا، الكلام حرفة، عزف، تأويل، رمز" والطبيعة ب "الشمس، الغروب، غزلان، الكائنات، الماء، الحديقة" فالشاعر لا يتعاطى من الكتابة ككتابة فحسب، بل يقدمها بكليتها، لهذا أثرها وحالاتها من خلال العزف، والرمز، والحرفة، والتأويل، فهو رفع الكتابة إلى الحالة الحقيقية لها، وليس إلى الكتابة المجردة، وعندما تناول الطبيعة، لم يقتصر على جغرافيا بعينها، بل تحدث عن جغرافية الأرض، لهذا نجد الشمس والغروب والماء، وكأنه من خلال الفاتحة الديوان يريدنا أن لا نأخذ الأشياء من زاوية واحدة، بل بشمولية، وهذا ما يؤكد أن الديوان هو رواية تتناول واقع/حالة الكتابة وأثرها.

يقول في قصيدة "يعقل ليلها الأبد":
لي ما للقصيدة من سماء خلتها تتعمد
لي ما للحوار من البلاغة مورد
فتهيئي
يا بنية الماء المسوغ للجمال
فقد جنينا الخمر منك، وأشهد
أني لفحت النار في جسد الكلام
وخضت في بيت البلاغة
ما يجوز
ويبعد
شجر قديم قال لي: يا أيها المنسي
في الكلمات، كيف أعيش منسيا هنا
ويموت قربك من تركت، فأسعد
شجر قديم
غامض في ثوبه
ومقدد
فتهيئي
يا جملة الريح القديمة، واستعيدي
من فضاء الشعر ما قد ينجلي
عن سيفه أو يغمد
فأنا تركتك في مهب الكائنات قليلة،
وحسرت ثوبك عن رهانك،
فأدخلي في جنتي
لأموت وحدي في ظلالك، أو أعيش،
وإن أعش، أمشي إلى جمر الكتابة
ثم أمشي

وأرقد" ص205-207، يحول الشاعر القصيدة/الكتابة إلى امرأة، لهذا نجده يستخدم ألفاظ "فتهيئي، جنينا الماء منك، لفحت النار، جسد الكلام، وخضت، يغمد، وحسرت ثوبك، فأدخلي جنتي" كل هذه الألفاظ والعبارات تشير إلى علاقة الرجل بالمرأة، فالكتابة ـ وهي مؤنة ـ منحت الشاعر حالات العلاقة مع المرأة، وبصرف النظر أن كان الشاعر يستخدم الكتابة/القصيدة كرمز أو كحالة هروب من المباشرة والوضوح، تبقى الكلمات والمعنى توحي إلى المرأة والمكانة التي تحملها، لكنها جاءت من خلال الكتابة، بالكتابة هي التي أوجدت هذه العلاقة، بمعنى أنها الخالق لهذه المرأة.

قلنا أن الشاعر يُوصل الكتابة إلى حالة التوحد "الصوفية" وهو يعتزل الناس والكون مختليا بصومعة القصيدة، بحيث لا يشارك خلوته أي أحد، وهذه الخلوة جاءت من خلال :
 لأموت وحدي في ظلالك، أو أعيش،

وإن أعش، أمشي إلى جمر الكتابة
ثم أمشي

وأرقد" ص207، فهنا الحالة تتحدث عن خلوة وتوحد وعزلة، وعمل ـ امشي وأرقد ـ كل هذا ليصل الشاعر إلى التماهي الكلي مع ربه/القصيدة.
ونجد الأثر الديني في هذه الأبيات من القصيدة من خلال: "تتعمد، فأدخلي في جنتي" وهذا الجمع بين المسيحة ـ تتعمد ـ والآية القرآنية يؤكد على حالة الرهبة التي يريدها الشاعر، فمن خلال تعمده بالقصيدة سيدخل جنة الخلد.

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016