-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

جيزاوي: أعمل على توليفة مسرحية


بين نص روميو وجولييت وفي انتظار جودو

جيزاوي:  أعمل على توليفة مسرحية بعنوان " باب العامود"

حاوره: أحمد الخطيب


   تُشكّل بدايات الممثل علامة بارزة للكاريزما التي يسعى إلى تأثيث تحوّلاتها، والاستعداد الفِطري للولوج في عالم المتاعب، وهي تحمل فكرة العروج إلى داخل الشخصية، الداخل الذي تسكنه جملة من التناقضات التي يحاول الفنان رسمها على خشبة المسرح، فشخصية الممثل التي تتشكّل وفق تصاريف الحالات الإنسانية، هي شخصية متلوّنة، تقنعك حين تقف على عتبات أحزانك، وتشدّك حين تذهب بعيداً في ممارسة الفرح واللهو، وهي كلٌّ في صورة، تحاول أنت كمشاهد أن ترسمها في المخيلة، لتكون معها مطمئناً، خائفاً، مرتبكاً، قويّا، وضعيفاً، وغيرها من الصفات التي تتجانس معها شخصية الممثل أثناء أداء أدواره المتنوعة والمختلفة.

   وليد جيزاوي، الممثل الذي تنهض صورته مع السرد السابق، فنان خرج من رحم المعاناة، بعد سنواتٍ طويلة من الإيقاع بفتنة التحولات التي طرأت على حياته، كإنسان أولا، وكممثل يبحث عن ذاته ثانياً، دخل عالم الفن متسلّحاً بهمومه وكاريزما شخصيته التي يتماهى معها الكثير من صفات الحياة التي تفيض تنوّعاً وحضوراً.

    يرى الفنان جيزاوي المولود عام 1958م، بأن المحطات التي وقف على ينابيعها، وهو في بدايات تجربته المسرحية، شكّلت المعين الذي لا يضب من الاجتراحات التي صار يتشابك معها أثناء قراءته للنص المسرحي، والتحضير له، وأداء ما تأخّر في المساحة الورقية التي رُسمت عليها شخصيات العمل، مشيراً إلى أنّ الحالة البنائية لتكوين الممثل جاءت وفق مساحات مدروسة، إذ تبدأ من التدريب على الصوت والإلقاء والإحساس، وعراب هذه المحطة كما يقول المخرج الأردني باسم دلقموني الذي زرع فيهم التماهي مع الأخلاق قبل التمثيل، ويضيف بأن المحطة الثانية التي وقف عليها في بداياته، هي، كيفية التوقيت بالكوميديا، ورسمها في مخيلته المخرج المصري ميشيل كامل، تلاها المحطة الثالثة والتي تحيل إلى طريقة انصهار الممثل والشخصية ما بين الخيال والتخيّل، التي تلقّاها من رؤية د. عوني كرومي ود. مقداد مسلم.

   بالعودة للمسرح في ثمانينيات القرن الماضي يقول جيزاوي بأن الممثلين كان لهم مسرحاً وجمهوراً، وكانت العروض شبه دائمة، منوهاً أن العروض كانت ذات مضامين متنوعة تتكلم عن واقع الشارع والمجتمع، وتعاين في نصوصها القضايا الاجتماعية والسياسية الكوميدية، إلى أن بدأت مهرجانات المسرح، والمسرح التجريبي صاحب جمهور النخبة من المثقفين والمسرحيين، والمسرح الفلسفي والسرياني والذي يجافي نبض المشاهد العادي، مؤكداً أن الجمهور بدأ بالانحسار تدريجياً حتى أصبح مسرحنا نخبوياً.

    ويشير الحاصل على دورة إعداد الممثل، ودورة الممثل الصامت عام 1977م، إلى أن البدايات كانت واقعة تحت تأثير إثبات الشخصية المؤهلة لحمل رسالة الفن دون الالتفات إلى قوة حضور النص المسرحي، وقوة حضور الرؤية الإخراجية، حيث ظلّت البدايات معلّقة على المحاولات المسرحية غير المدروسة نصاً وإخراجاً، لكنها فتحت باباً واسعاً لكسر الحواجز الكثيرة التي تقف أمام الممثل للصعود على خشبة المسرح، إلى أن كُشفت له الستارة عن البداية الأولى للانطلاق الحقيقي في عالم المسرح، من خلال مسرحية " ليش هيك"، من تأليف الكاتب المسرحي حسن ناجي، وإخراج العرّاب باسم دلقموني كما يقول.

   وحول أعماله المسرحية في البدايات، والفروقات التي تمددت في نصوصها، وتوقّف عندها، يلفت عضو لجنة تحكيم مهرجان الحلم للأفلام القصيرة في دورتي 2015-2016م، النظر، إلى أن اختلاف المدارس المسرحية في أعماله، من " توباز، والدنيا بتلف، وأحلام اليقظة، ورحلة نكرة، وجثة على الرصيف"، وغيرها، تماهت مع شخصيات كانت قريبة إلى وجدانه، لأنها لو لم تكن كذلك، لما قام بأدائها على خشبة المسرح، مبيناً أن الفروقات في النصوص لم تكن من تنوع النصوص، لكن من اختلاف المخرجين وتعدد الرؤى، وحضور شخصية المخرج في عمله.

   اختيار الشخصية، والدور، يأتي كما يقول جيزاوي، بعد قراءة العمل، وتأمل مخرجاته، واستقراء حياة الشخصية، وما يتمحور حولها من تبعات سلبية أو إيجابية، ولكن مع هذا يبقى دور المخرج الذي يقوم بتهذيب الشخصية وإخراجها بالشكل الملائم واختيار ما يناسبها محركاً فاعلاً. 

     بعد هذه التجربة المليئة بالمغامرات، وتعدد الزوايا التي أثثها على خشبة المسرح، والانتقال من الأدوار الثانوية إلى الرئيسية، ذهب الفنان جيزاوي إلى مغامرته في مجال الدراما، مؤكداً أن العمل في التمثيل التلفزيوني أو السينمائي الذي يقدّم للفنان الشهرة والانتشار، لم يلغِ عشقه لخشبة المسرح، بل ظلّ المسرح مرآة ينظر إليها كلما حنّ إلى روح البدايات، وكلما نظر في وجه المهمّشين على الأرض.

     وفي نظرة موحية لبنية التوجّه الدرامي التي يسعى جيزاوي لتأثيثها بموهبته، وقدرته على التقاط الزوايا الخفيّة من أدواته التي ربما كانت واقعة في العمل المسرحي تحت تأثير العلاقة المباشرة بين الفنان والجمهور كما يؤكد، تأتي أعماله التلفزيونية التي حقق فيها حضوراً مميّزا، والتي أشّرت بوضوح على الكاريزما المتنوعة التي يمتلكها كما يقول، ومنها: "راعية الوضحا" للمخرج حسن أبو شعيرة، و"ذباح غليص"، و"رأس غليص" للمخرج أحمد دعيبس.

       إلى ذلك لم تكتفِ شخصية جيزاوي الفنية، بالوقوف على محطتي، المسرح والتلفزيون، حيث ذهب متأملا الشاشة البيضاء وبريقها كما يبيّن، فساهم في بعض أفلامها، لتشكّل له مساراً يقف في منازله مع ممثلين كبار، وتقدّم له حيوات أكثر خضرة في تأثيث الجرأة الفنية، إذ بدأت علاقته بالشاشة البيضاء، من خلال الكثير من مشاريع تخرج طلبة صناعة السينما في جامعة اليرموك، حيث قدّم أكثر من ثلاثين مشروعاً، إلى أن قدّم فيلمه الأول " القتيل"، المأخوذ من المجموعة القصصية وشم الحذاء الثقيل، للكاتب الراحل خليل قنديل، ومن إخراج المخرج أشرف حمادة، ثمّ تتابعت أعماله السينمائية فقدم دوراً في فيلم " ميزان" للمخرج أنس الرشيدات، وفيلم " طريق" للمخرجة السورية حلا العابد، وغيرها، مشيراً إلى أن أنه انتهى حديثاً من تصوير دوره في فيلم  " الباب" إخراج عدنان الزعبي، والذي يؤدي فيه دور والد طفلة أغلق الباب عليها، ولم يفتح هذا الباب كما يقول، إذ أن الفيلم يحاول الكشف عن ما يخفيه المجهول خلف الأبواب الكثيرة التي أغلقت على أشخاص، ويزيد جيزاوي، أن بعض الأشخاص تغيب لتكمّل طموحاتها وآمالها، ومنها ما هو معتقل، هي أبواب كثيرة إذن تخفي مجهولا ربما نعرفه، أو لا ندري ماذا وراءه، ويضيف بأن الفيلم من خلال المشاهدة يراه المشاهد واقعياً، ولكنه سرياني المضمون، حيث ينتهي الفيلم بولادة جديدة على عتبة الباب.

التجربة الطويلة لرئيس لجنة تحكيم نجم المخيم الأول موهوبين التابع للأونروا، مدارس وكالة الغوث، وانشغالات الممثل بتطوير أدواته، واحتكاكه بالنصوص من حيث هي حيوات أخرى تحاول الخروج إلى الواقع، لا بدّ لها من تقدير وجوائز، حيث يقول الفنان جيزاوي حصلت على أكثر من جائزة، منها، جائزة اللجنة التقديرية لمهرجان الهواة الثاني، واستثنائي عن جائزة أفضل ممثل حسب قرار عضو لجنة التحكيم الفنانة نجوى قندقجي التي قالت له: " لا أستطيع أن أقارنك مع فناني هذا المهرجان كونك محترفاً".

        وعن استعداداته لتقديم عمله المسرحي الجديد، ومحاولة للوصول إلى إيقاعات العلاقة بين النص والرؤية والإسقاطات الرمزية التي يقوم عليها هذا العمل، يقول الفنان جيزاوي: أعمل حالياً على تناول القدس بتوليفة تقوم على نص "روميو وجولييت"، ونص مسرحية "في انتظار جودو لصموئيل بكت"، حيث تتصفح التوليفة القدس من عام 1946م إلى عام 1948م وما بعده، وتحمل المسرحية اسم " باب العامود"، وهي فكرة وإخراج جيزاوي، نص وأشعار الشاعر الغنائي يوسف ناجي، وتوليفة الكاتبة أرمين عبد الرحمن، وألحان عاطف النمراوي، وهي مسرحية كوميديا غنائية.

 

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016