عودة: الترجمة هي إعادة
كتابة النص بلغة الهدف
وحال الترجمة في وقتنا الحاضر لا يسر
حاوره: أحمد الخطيب
بين فعل الغواية ورسم ملامح غيرية عن الأدب العالمي الذي يسعى المترجم لتأثيث مفرداته، ضمن رفوف المكتبة الأدبية العربية، يبرز اسم المترجم الأردني علي عودة، كواحد من الذين أخلصوا لهذه الغواية، إذ لم يكتف بالرجوع إلى الأدب الألماني كمحاولة لتجسيد صور تشكيلية عن حياتهم وقشور ظاهرهم، وأنساق الباطن التي تحفر سطورها في عوالمهم، بل ذهب للإنصات إلى وجدانهم، ودقيق تجلياتهم اليومية، وأنهار فلسفتهم، ورؤى تطلعاتهم الكونية.
وفي طريق الغواية التي رصد مفرداتها في الأدب الألماني، ونسّقَ معارجها عربياً، تنوّعت أغراض الترجمة واتجاهاتها لدى المترجم عودة، بين الالتفات إلى الشرفة الكلية للأدب الألماني، عبر ضبط ملامح مختارات القصة الألمانية المعاصرة " 1999"، والوقوف على منازل الأطفال وحكاياتهم في قصص للأطفال: العائلة المكابرة " 2005"، والعروج إلى ذائقة الشرائح الأخرى من خلال: حمامات إيليا " 2002"، ومعطف الزنديق " 2007"، وعودة الذئاب "" 2007"، ولماذا تنبح الكلاب " 2009"، والملوك الغامضون الثلاثة" 2009"، والنزوع إلى ترجمة الرواية الألمانية في كتابه الأخير، صيف الغربان " 2018".
وفي سؤالنا عن البدايات، واجتراحها لفعل الغواية، وهو ينحو إلى بيوتات اللغة الألمانية وآدابها، يقول الحاصل على بكالوريوس لغة ألمانية من جامعة بغداد في العراق، بأن البدايات كانت حقيقة كذلك, فعل غواية, وفضول معرفة الأدب الألماني بتعمق أكثر, لا سيما أن الظرف الموضوعي حينذاك كان مواتياً ومحفزاً, من خلال توفر مكتبة كلية الآدب في جامعة بغداد الزاخرة بالكتب الأدبية الألمانية من كل الأصناف.
ويلفت مدير ثقافة محافظة إربد الأسبق، إلى الدور الإيجابي الذي كان يقوم به أستاذ الأدب الألماني القادم من جمهورية ألمانيا الديموقراطية في سبعينيات القرن المنصرم, إذ كان يصطحبهم كل أسبوع مرة أو مرتين إلى مكتبة الكلية، ويقرأ لهم من أشعار هاينه وقصص بورشرت وآنا زيغرز وغيرهم، حيث كان يبذل جهداً هائلاً ليلفتْ نظرهم إلى هذا الأدب العظيم ويحببه إليهم.
ويؤكد أن المهمة كانت بالنسبة له سهلة بسبب معرفته اللغة الألمانية قبل الانتظام في دراستها في جامعة بغداد, إذ تعلمها في موطنها الأصلي ألمانيا، حيث أمضى هناك سنوات عدة, الأمر الذي أعانه على بدء ترجمة بعض المواضيع العلمية والثقافية في الصحف العراقية, ويشير بهذا الصدد إلى ترجمته سلسلة من المقالات عن الواقعية في السينما الإيطالية.
ويضيف أن أول قصة قصيرة ترجمها ونشرها كانت قصة (حديث المدفأة) للكاتب الألماني هيرمان هيسه، ونشرها في الملحق الثقافي في جريدة الرأي عام 1992 على ما يذكر، إذ أعجبته القصة كما ينوّه، للسحر الخاص والجمالية المنسوجة على مزج الواقع بالخيال مع الاهتمام بالحياة, وهي السمة العامة للغة الروائي الألماني هيسه، ويضيف أن الحافز الإضافي الذي صار معيناً له على متابعة العمل في هذا المجال، هو عندما صار يقرأ ترجماته واسمه في صحف كبيرة، رغم أنه لم يحترف الترجمة وقتذاك، بل كان يرى نفسه هاوياً فقط.
وحول الترجمة، ومتى يكون المترجم فاعلاً في حضرتها، يرى عضو رابطة الكتاب الأردنيين، بأن الترجمة هي بمثابة إعادة كتابة النص باللغة المترجمة إليها (لغة الهدف), لهذا على المترجم أن يملك أدوات معرفية وكفاءة عالية باللغتين, لغة المصدر ولغة الهدف. كما ينبغي عليه أن يتمتع بالكفاءة المنهيجية, أي قدرته على التعامل مع الإشكالات الدلالية والنحوية والبنيوية للجملة في لغة المصدر, وإلّا سيشوب ترجمته بالتأكيد أخطاء كثيرة.
وعن السياق التفاعلي الحضاري والثقافي الذي تفعله الترجمة، يؤكد المترجم عودة، أن الترجمة هي الوسيلة المثلى لتبادل التجارب والخبرات وحصاد العلم والمعرفة. كما أنها الجسر الذي يصل الثقافات بعضها ببعض, وأهميتها تزداد اليوم بالنسبة لنا للحاق بالأمم المتقدمة وتعويض ما فات, حتى نبلغ ما بلغه الآخرون.
ويعتبر أن الترجمة الثقافية في أيامنا هذه من أهم وسائل النهوض، لأنها تضع أمتنا على عتبة مستقبل واعد, بعد أن عصفت بها رياح العولمة، وراحت تهدد ثقافتنا وتراثنا ولغتنا وقيمنا الاجتماعية, وتفرض علينا النمطية والسطحية، وأصبحنا مستهلكين غير منتجين نعيش على هامش العصر شهوداً فقط.
وفي سياق حديثه عن تجاوز مرحلة التقعيد اللغوي في الترجمة، إلى مرحلة نثر اللغة في إطار تفاعلي مع لغة أخرى، يؤكد بأنه لا يجترح قواعد لغوية خاصة فقط، ولكنه يتعامل مع قواعد النحو اللغوي كما هي في النص الأدبي, ولا ينكر أن كل نص له شيفرة لازمة له, وفكّها يحتاج إلى معرفة وافرة في النحو وبناء الجملة، ومن المعروف أن الجملة الألمانية تشبه القاعدة الرياضية، أي أنها علمية إلى حد كبير. أما لغتنا العربية فهي ثرية جداً وقادرة على استيعاب اللغات الأخرى.
وفي رؤيته للأوعية النصية التي يبحث عنها في الأدب الألماني، وما الذي يسعى لتأثيثه حين ينقل هذا الأدب إلى العربية، يؤكد أن الأدب بصورة عامة هو تسجيل فني لخبرات البشر, أي أنه تسجيل للتاريخ, وتطور شكل النصوص الأدبية في حد ذاته دليل على التطور التاريخي والاجتماعي. أما الترجمة في ذاتها فهي وسيلة لغاية إثارة فكر القارئ ووجدانه وحفزه على البحث عن النصوص الأدبية الجادة, بهدف الاستمتاع بها والغوص إلى أعماقها والتلذذ بما تشتمل عليه من قيم فنية وإنسانية, كما أنها أي الترجمة, تزيد من التقارب بين الشعوب والتعرف عن كثب على بعضها البعض من خلال إنتاجها الأدبي, إذن رسالتنا هنا كما يرى هي تقريب الأدب والثقافة الألمانية إلى أبناء أمتنا.
أما فعل الترجمة، وانتقاله عبر لغات العالم، وآثاره التي يحدثها عند انتقاله من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، والعكس، ومدى قدرة هذا الفعل على تسويق الأدب العربي في قطار الترجمة، يرى المترجم عودة، أن الترجمة ضرورة لا غنى عنها وفي عصرنا الراهن تتنامى الحاجة إليها يوماً بعد يوم، في هذا العصر الذي يتميز بالتفجر المعرفي الهائل والتقدم العلمي المتسارع والمثقل بالاختراعات والإبداعات التقنية وما يصاحبها من مصطلحات جديدة, إذ يتولد كل علم قرابة (8000) مصطلح جديد، وبناءً عليه يرى بأن العرب إذا أرادوا النهوض والتقدم فلا مناص لهم من اعتبار الترجمة هي حجر الزاوية لمعرفة ما توصل إليه الآخرون في ميادين المعرفة المختلفة، لأجل نقلها واستيعابها وتمثلها، توطئة لتوطينها والبناء عليها كما فعل العرب قديماً الأموي والعباسي.
ويؤكد أن حال الترجمة في وقتنا الحاضر لا يسر, سواء كان ذلك من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى أو بالعكس. وغالباً ما تقوم الأعمال المترجمة على الجهود الفردية الخالصة, لذلك تكون هذه الجهود عفوية ومبعثرة. لذا, وحتى يستقيم الحال لابد من تنسيق حركة الترجمة في البلاد العربية ووسائل النهوض بها من حيث التخطيط والتنظيم والتمويل.
وفي سؤالنا عن المقصد الرئيس من الترجمة بالنسبة للمترجم، هل هو نقل غواية شكل الكتابة وأسلوبها، ولفتْ نظر المؤلف العربي، أم ما يقدمه الأدب العالمي من مهارات في التقاط الموضوعات وتقديمها لجمهور القرّاء، يرى بأن الترجمة تحقق أهدافاً جمة منها: تنمية اللغة العربية باستيعاب المستجدات اللغوية العلمية المعاصرة, وتوفر للمواطن العربي فرصة الاطلاع على الثقافات الأخرى، كما أنها تساهم في تحقيق النهضة العلمية والأدبية, وأفضل مثال لذلك كما يرى التجربة اليابانية. إلى ذلك تتيح المجال للاطلاع على التجارب الأدبية العالمية وأشكالها وأساليبها.
وحول آخر ترجماته التي قام بتأثيثها عربياً، والغواية التي وقفت خلف ذلك، ومدارها، يقول المترجم عودة، بأنها رواية " صيف الغربان " للكاتبة النمساوية إليزابيث شتاينكلنر، وهي ثمرة تعاون ما بين معهد غوته ودار نشر الان ناشرون وموزعون، ويضيف بأنها قصة عن الصداقة ومخاوف المستقبل والتغييرات, قصة وداع ومعارف جديدة، تروي هذه القصة مدى صعوبة عثور الانسان على ذاته وتحديد ما يجب فعله بالمستقبل, ولكنها توحي بأنه على الرغم من كل شيء على المرء أن ينظر إلى الأمام ويأخذ الحياة بين يديه.
وبالمقابل وفي سؤالنا الأخير عن فتنة الكتابة الإبداعية، وما قاربه من أدبيات ألمانية، وأَثَر هذه المقاربة بتجسير الطريق أمامه للذهاب بعيداً في التنوع، بين الترجمة والتأليف الخاص به، يؤكد بأنه لم يجرّب التأليف باللغة العربية، ككتابة القصة ونحو ذلك، لسببين، هما، أولا صعوبة الموضوع، وثانياً لعدم توفر شروط الكتابة لديه واكتمالها.
إرسال تعليق