قصّة القصيدة اليتيمة / خالد أبو حمدية
هل بالطلول لسائل ردّ
أم هل لها بتكلّم عهد
هذا هو مطلع القصيدة التي سمّيت في تراثنا
العربيّ :بــ "اليتيمة"
وقصّة القصيدة اليتيمة تقول ،
" إنه كان هناك أميرة في نجد تدعى دعد وقد قطعت عهداً على نفسها أن لاتتزوج إلا لمن يكتب بها ولها أجمل قصيدة، وقد شاع صيتها بين الشعراء في بلاد العرب، وتوافدت الشعراء من كل حدب وصوب على أن تفوز ب"دعد" لكن لم يفلح أحدٌ في ذلك، وكتب دوقلة القصيدة وانطلق قاصدا دعد في بطحاء الجزيرة العربية، وفي طريقه لنجد وربى نجد ومن أجل دعد، قطع دوقلة المسافات، طلباً للود وبحثاً عن الجمال، وفي طريقه، قابل أعرابياً وتعارفا على بعضهما البعض.
فسأله الأعرابي إلى أين ياأخ العرب؟
فقال دوقلة إلى حمى دعد .
قال الأعرابي: هذا يعني أنك كتبت ملحمتك وأعددت نفسك للقاء الأميرة؟
قال دوقلة : نعم يا أخ العرب.
قال الإعرابي: اسمعني إياها با أخ العرب.
فروى دوقلة القصيدة، وكان من عادة العرب حفظ الشعر
من الرواية الأولى عند كثير من رواة العرب، ولما فرغ منها، أعجبت القصيدة
الإعرابي، ولكنه لم يحفظها من الرواية الأولى، فطلب من دوقلة أن يعيدها عليه،
فكررها ومازال يطلب منه حتى حفظ الإعرابي القصيدة. عندئذ قام الإعرابي وقتل دوقلة
وحمل القصيدة في قلبه لدعد، وعندما وصل لبلاط الأميرة أخبروها بقدوم شاعر من بلاد
بعيدة، حيث نسي الإعرابي موطنه الأصلي عندما حل في بلاط الأميرة.
طلبت دعد من الشاعر أن يسمعها القصيدة، فبدأ يرتل
ويصدح، إلى أن وصل لبيت في القصيدة، حفظته "دعد" (وقد كانت على قدر من
الثقافة والمعرفة وحب الشعر) وبعد أن فرغ الإعرابي من تلاوة القصيدة،
قالت دعد: اقتلوه فإنه قاتل زوجي.
فتعجب من في البلاط لفكرة الأميرة وسألوها كيف
عرفت أنه قتل زوجها،
فقالت الأميرة، يقول هذا الشاعر في قصيدته
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني أَو تُنجِدي إن
الهَوى نَجدُ
فالإعرابي ليس من تهامة ولا في لكنته شيء من هوى نجد."
تلك القصيدة ادّعى كتابَتها أربعون شاعرا ، وفي النهاية رجّحت كُتب التراث ومؤلفوها على أنّ " أبو" الشيص والعكوك العبّاسيان " هما الأقرب لكتابتها من غيرهما ، وذهب بعضهم بل ونسبت إلى ذي الرمّة
أمّا ثعلب ..فقد قطع بنسبتها لــ دوقلة المنبجيّ
بعد كلّ هؤلاء الآباء لها والحافظين والدارسين ، هل بقيت القصيدة اليتيمة يتيمةً فعلاً
وهل يستطيع فقهاء اللغة الأقدمون بكلّ ما ألّفوه واجتهدوا فيه بشأنها اقناع شاعر أو دارس في القرن الحادي والعشرين أنّ من كتب هذه القصيدة لم يكتب غيرها ، علما بأنّ القصيدة تتربع على عرش البلاغة والتصوير والسردية العالية الدقيقة التي قلّ نظيرها في ذاك الزمن وتلك المرحلة المبهرة شعريا وأدبيا في تاريخنا ..
لا ينبغي لنا أن نؤسطر الواقع لنرفع من شأن الشعر أو الشاعر في زمن ما .. ونضيف إلى كثير أمرائنا في تلك العصور أميرة جديدة اسمها دعد تتميز بالذكاء والفطنة ..
فمن هي دعد ومن أبوها ؟! :) ؟!
الجميل في هذا كلّه أنّهم كانوا يحفظون القصيدة من قراءتها الأولى .. :(
أيّها الشاعر هل تحفظ شعرَك :( ؟؟!!
أيّها الناقد الجريء .. قبل أن تضيف كتابا نقديا لرفوف للمكتبة العربية الحبلى بالكتب حدّ النزف والغبار
قم بتنقية تلك الرفوف كي يغدو لكتابك مكانه اللائق به وقارئه الصادق المنصف ..
فكثير مما نتوارثه بحاجة للعقل والحياد والدراسة من جديد كي يقف الجيل الآتي على ماض نظيف يستشرفون من خلاله النافع والصادق من تراث أمتهم دون تسييس ولا تخصيص ولا مطمح أو مطمع في أسطرةٍ وإبهارٍ ليسا في مكانهما ... الإبهار يكون في النصّ ذاته وليس في قصّة تحاك لأجله من أجل غاية ما .. لا نعلمها ، ...
القصيدة المبدعة تثبت موجوديتها دون كل تلك القصص بصرف النظر عن اسم شاعرها ومؤلفاته ، ويسعد بتبنّيها كلّ قارىء عربيّ بعيدا عن اليتم والترمّل :)
___________
عن صفحة الشاعر الشخصية ( فيس بوك)
إرسال تعليق