-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

المجالس الاستشارية الثقافية



المجالس الاستشارية الثقافية   


لا تخلو إدارة العمل الثقافي من محبطات تقف أمام تأثيث البيت الثقافي، ومن رؤى ربما تكون، أو تكاد تشكل في متونها، بما تتضمنه من إيقاعات روتينية، أحد هذه المحبطات التي تشكل عائقاً أمام المبدع، أو من يعمل في الإدارة الثقافية.

   مؤخراً تم تأسيس المجالس الاستشارية الثقافية في المحافظات، بناء على تعليمات أصدرتها وزارة الثقافة، لتنظيم العمل الثقافي، وتقديم المقترحات وأولوياتها لكل محافظة من خلال ما تقترحه هذه المجالس من رؤى تضعها على سلّم الحراك الثقافي، فكرة استقبلها الوسط الثقافي ورأى فيها حراكاً مختلفاً من قبل الوزارة.


   حاولنا في هذا التحقيق استقطاب عدد كبير من المبدعين، للإنصات إلى آرائهم، غير أن مردود هذا الإنصات لم يأت على قدر أهمية الفكرة وتشعباتها، فقط اعتذر بعض المبدعين الذين اعتبروا أن تشكيل مثل هذه المجالس ما هو إلا ذرّ الرماد في العيون، فيما اعتبر بعضهم الوقوف على الفكرة قبل حصادها كمن يضع ( العصي في الدواليب)، وبعضهم نأى بجانبه لأنه لا يرى ضوء في النفق الثقافي، وذهب آخرون إلى أن هذه المجالس سلطة تزيد الضيق على الوضع الثقافي البائس أصلاً، وبعضهم أكد أنه خارج الصورة تماماً ولا يعرف عن الموضوع شيئاً.


   للوقوف على مفردات هذا التأسيس، نذهب مع هذا التحقيق لنقرأ معاً، عبر آراء بعض من المبدعين الذين استجابوا، هذا الإطار التنظيمي الجديد.

 

  ناجي: دعوة للتعاون المشترك

    يقول الكاتب المسرحي حسن ناجي بأن لا علم له بقوانين وتعليمات وزارة الثقافة الداخلية حول تشكيل المجالس الاستشارية في المحافظات من أعضاء هم أصلاً ينتمون إلى مؤسسات ثقافية وفنية، ولكن يعلم أن هذه المؤسسات تتقدم كل عام بخطة برامجية لنشاطاتها خلال العام، ويعتقد أن مثل هذه الخطط الخاصة بالمؤسسة والتي هي أصلاً غير ملزمة للوزارة لكنها تمثل صورة من صور عرض الأفكار والمقترحات والبرامج والمشاريع الثقافية والفنية على الوزارة التي يمكن لها أن تأخذ بما تراه مناسباً وتدعمه بالمشاركة مع المؤسسة التي تقدمت بالمشروع أو المقترح، وهذا أمرٌ محمود يدل على مدى تفاعل وتشارك الوزارة مع المؤسسات الفاعلة، ودليل على جدّية المقترح أو المشروع، وهو صورة من صور تميُّز مؤسسة عن غيرها .


    ويؤكد الكاتب ناجي أن تأسيس مجلس استشاري ثقافي في كل محافظة قد يكون دعوة من الوزارة للمؤسسات الثقافية للتعاون المشترك فيما بينها للخروج بمقترحات مشتركة ذات صورة تشاركية.


المصري: التركيز على إربد عاصمة للثقافة العربية

    ويرى الشاعر د. حربي المصري أن محافظة إربد تتميز بثقلها الثقافي الذي تجاوز جغرافية المكان، وهي مقبلة على حدث ثقافي عظيم في عام 2021م حيث تم اختيار إربد عاصمة للثقافة العربية، مضيفاً بأن المثقفين والمبدعين بعد الاجتماع التشاوري الذي عقدته بلدية إربد مع جمع من مثقفي المحافظة والأطر الثقافية لتنسيق الجهود ومخاطبة كل الجهات والتركيز على هذا الحدث والتحضير لفعالياته الثقافية الشاملة، تفاجأوا بطرح فكرة المجلس الاستشاري الثقافي، والسير بها بهذه الطريقة لإيجاد مجلس مفرغ من كل الصلاحيات والقرارات الملزمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن غالبية الشخصيات الثقافية في المحافظة تتميز بصفة الاستقلالية، وبعيدة عن غالبية الأطر الثقافية ذات البعد المتضخم، وغالبيتها تشكو من قلة المنتسبين، وعدم وجود مقرات، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتردي الذي ينعكس على فاعليتها وتأثيرها في المشهد الثقافي بشكل عام، إلى جانب عدم الشفافية لعملية تعيين الأعضاء غير المنتخبين في المجلس.


    ويقول كان الأجدى أن تتظافر كافة الجهود وكافة الأطر الثقافية وكل الشخصيات الثقافية وكافة الدوائر الرسمية في المحافظة للتركيز على هدف واحد هو إعداد العدة لإربد عاصمة الثقافة العربية، والتشاور وتقديم المقترحات وتشكيل اللجان المتعددة في كافة المجالات الثقافية، حيث أن الحدث عظيم ويشكل رافعة ثقافية للوطن بشكل عام، ويعكس صورة الأردن الثقافي والحضاري على الصعيدين الإقليمي والعالمي.


    وللوقوف على هذا الحدث الأبرز يدعو الشاعر د. المصري وزارة الثقافة لإعادة النظر والتركيز على الحدث المرتقب وتوجيه وقيادة الزخم الثقافي بهذا الاتجاه.

رضوان:  ترحيل المشكلات

   يقول الشاعر أيسر رضوان بأن الأردن شهد منذ عامين انطلاقة فكرة اللامركزية في المحافظات، وذلك من أجل تخفيف الضغط على المركز في العاصمة لتتفرغ الحكومة لأمور أخرى من سياسية واقتصادية تصب في مصلحة الوطن، وتعنى المحافظات بشؤونها باستقلالية إدارية ومالية، ولكن الأمر كان هو مركزية اللامركزية، وما زالت قرارات هذه المجالس مرتبطة بالمركز بكل تفاصيلها، حيث لا صلاحيات من غير الرجوع للمركز، ويضيف، اليوم نصحو على قرار مشابه يختص بالثقافة، وهو المجالس الاستشارية الثقافية التي لا تملك من أمرها غير الفتات هذا إن وجد، مؤكداً أنه لن يطلق حكمه على هذه المجالس وعلى آلية عملها مسبقاً، لكنه يقدم قراءة للمشهد بشكل عام، ويتمنى أن يكون هناك تغييرا ملحوظاً في الجسد الثقافي للأفضل، وأن يكون هناك نمطاً جديداً يرقى ويتسامى لإنتاج ثقافة عالية. 


   ويشير إلى أن الوسط الثقافي ما شهده سابقاً كان  تراجعاً واضحاً، مبيناً أن وزارة الثقافة ربما أرادت من إنشاء هذه المجالس التخفيف والتقليل من حجم الضغط على المركز في الوزارة، لكن كيف سيحدث ذلك من غير صلاحيات ممنوحة لهذه المجالس وبلا قرارات ملزمة مثلاً، موضحاً أن الأمر شائك.


   ويؤكد الشاعر رضوان أن الأمر سيُحدث تمزيقاً للمزق وترحيلاً للمشكلات من الهيئات إلى المجالس التي ستحيلها إلى الوزارة التي رحّلت المشكلة مسبقاً للمجالس، وهكذا سنظل بدوامة لا تنتهي، الضحية الوحيدة فيها هي الثقافة والمثقفين، مؤكداً أنه ليس متفائلاً، وحتى لا يكون متشائماً يتمنى على هذه المجالس أن تقوم على الأقل برفع سوية المنتج الثقافي الذي يتم تقديمه.


    الزعبي: تطوير المجالس وقوننتها

   ومن جهته يرى الشاعر أكرم الزعبي أن فكرة المجالس الاستشارية الثقافية للمحافظات تبدو فكرة جميلة، خاصة مع انتشار ظاهرة المنتديات والملتقيات الثقافية التي تغلب فيها ال " كم" على ال " الكيف"، حيث فقدت الكثير من هذه التجمعات بوصلتها الحقيقية بسبب هيئاتها الإدارية التي لا تعرف من الثقافة إلا الاسم الملصق بها.


   ويضيف أن ما يلفت النظر في المجالس الاستشارية الثقافية أنها جاءت بناء على قرار من وزير الثقافة والشباب وليس بناء على نظام أو قانون، وبالتالي فإن أي وزير جديد لهذه الوزارة قد يلغي هذه المجالس بجرّة قلم كما جاءت بجرّة قلم، وثانياً، فإن هذه المجالس لا إلزامية لقراراتها أبداً، خاصة إذا ما علمنا أن مدير ثقافة المحافظة هو من يرأس هذا المجلس، وبالتالي فهو محكوم بطبيعته الوظيفية ومرجعيته الأساسية وهي الوزارة.


   ويؤكد الشاعر الزعبي أن فكرة مجالس المحافظات الاستشارية الثقافية فكرة رائدة وجميلة، لكنها تحتاج إلى تطوير وإلى قوننة، وإلى منح قراراتها الصفة الإلزامية، بالإضافة إلى اقتطاع ميزانية خاصة بها، لعلها تعيد إنتاج المشهد الثقافي بطريقة حضارية وحقيقية وسط هذا التردي والتهاوي السريع.


الكوفحي: غياب القطاعات الثقافية

   يلفت الفنان خليل الكوفحي النظر إلى أن إدارة الفعل الثقافي يجب أن تشمل جميع جوانب الإبداع الحضاري الإنساني، لهذا يجب على هذه الإدارة أن لا تغفل أي جانب من جوانب هذه الحضارة، من هذا المنطلق يرى أن المجلس الاستشاري الثقافي الذي تم تأسيسه مؤخراً لن يسهم في رسم السياسات والخطوط العريضة للعمل الثقافي في المحافظة، لأنه خلا من تمثيل كافة القطاعات الثقافية.


   ويضيف كيف يستطيع مجلس ما أن يؤسس لحراك تشكيلي أو مسرحي أو سينمائي أو غير ذلك من القطاعات، ولا يضم في عضويته أشخاصاً متخصصين، أو أشخاصاً على الأقل لهم خبرة في هذه القطاعات، عندها سيكون عاجزاً عن تمثّل الحالة التي يسعى من خلالها لتقديم سياساته ومقترحاته.


   ويزيد بأن المجلس الاستشاري الثقافي والذي لا يملك صفة رسمية تخوّله تنفيذ السياسات الثقافية المرسومة سيفقد حيويته عند أول خطة، وإذا كان القصد من وراء هذا التأسيس هو الاستشارة، فلدينا مديرية الثقافة وهي مطّلعة على الهيئات الثقافية، وعندها قاعدة بيانات للمبدعين في كافة الحقول، ولديها أنشطتها الأسبوعية، ولها تعاون مع الهيئات الثقافية في تنفيذ البرامج.


   ويخلص الفنان الكوفحي إلى ضرورة أن تعمل الوزارة على إقرار نظام، أو قانون لهذه المجالس، لتكون مسؤولة أمام وزارة الثقافة والهيئات الثقافية، وأن لا تكون ضربة حظ، أو تجمّع هوائي لا يرتبط بجذور العمل الثقافي إلا من باب التسمية، إذا كنا نريد حقاً تفعيل وتنظيم العمل الثقافي في المحافظات.


إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016