في لحظات تأمّلي لمجموعتي الشعرية الجديدة
” جبل خافت في سِلال القُرى”، أفزعني هذا العنوان بقدر ما أدهشني، أفزعني لأنني لم
أكن لأعثر على لوحة فنية تجيد الرماية إلى دائرة الفعل الشعري، وأدهشني، لأنني
ربما أعثر على عملٍ فني كبير يكون واحداً من النصوص التي لم أكتبها، بل تخيّلها
تشكيلي هنا أو هناك. فبحثت هنا وهناك، في المعارض الفنية التي تقام في الأردن، وفي
المعارض التي تقام في العالمين العربي والعالمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو
المواقع الإلكترونية، لعلّي أجد ضالتي، بحثت لأيام وأسابيع وأشهر، فلم أجد ما يروق
لي كعتبة تشكيلية نصية، تكون نصاً مضافاً إلى نصوص العمل، وليس فقط غلافاً يزيّن
الديوان، فبدأت أرسم وأنا الذي لا تربطني بالفن التشكيلي سوى تلك الذائقة البصرية
التي حفّزني إلى تلقّيها المتخيّل الشعري، رسمت ورقياً، وبمساعدة البرامج التي
تختص بهذا الشأن، فلم أفلح.
أثناء تصفحي لموقع العربي الجديد، طالعت مقالة
بعنوان ” معتوق أبو
راوي.. أنفاس الغرقى في المتوسط، بقلم محمد الأصفر، بنغازي”، لفت نظري هذا السرد
الفني النقدي حول تشكيلي يجابه في متخيله البصري قوى الظلام، وينحاز للفقراء،
ويرصد قوارب الموت، وإذ لفتت نظري هذه المقالة، لفتت نظري لوحة ملحقة بها، لوحة
تخيّلتُ ابن شيبان، الشخصية المحورية في الديوان، وهي تتعربش بتلك الحبال التي
ظننتها حبالاً، وما هي إلا هياكل بشرية تتعلق بالمجهول، لحظتها،
هدأ خاطري، وأنا الذي لم أترك فسحة إلا ونظرت من خلالها إلى غلاف ديواني الجديد،
وما تخيّلتهُ من أمواج متلاطمة، وقهر مستمر، وعبث عالمي، أمام تشويه صورة
الإنسانية، الإنسانية التي ناضل ابن شيبان من أجل أن تسمو في العالم، اللوحة لم تقارب المضمون والأسلوب فقط، إنما
رأيت أنها قرأت سيرة ابن شيبان الذي انطلق من فلسطين إلى بقاع العالم وهو يبحث عن
لحظة إنسانية تعيد له إشراقة الأمل. كان الديوان في مراحله الأخيرة في المطبعة.
وكنت يئستُ من التقاط لوحة تشكل نصاً إضافياً له، فعمدت إلى
لوحة قريبة مما أظنه ولا يجبر خاطري، فأوعزت للمطبعة أن تعتمده، ولكن سرعان ما
أيقظتني لوحة التشكيلي الكبير أبو راوي التي حاصرتني على حين انكسار خاطر، فهاتفت
صاحب المطبعة وطلبت منه وقف العمل على الغلاف، وقلتُ له: غداً سأزوّدك بنص جديد،
نص يعي مسالك ابن شيبان، نص شكلته لوحة التشكيلي الليبي معتوق أبو راوي، نص
لا أظنّ أنني، وقد صدر لي ما ينيف عن العشرين ديواناً، أن فزت به من قبل.
هكذا استلم ابن شيبان
أولى المحطات في رحلته إلى العالم، من لوحة أفرغت كلّ حمولتها أمامه، ليرى بعين
البصيرة مآل رحلته ونضاله، وهكذا فزتُ أنا بالسماء الأولى لهذا الديوان، وبحثت في
عالم النت عن لوحات أبي راوي، لأجدني أمام تشكيلي لا يُجارى، ومن لحظتها وأنا أبحث
يومياً عن كل ما يتعلق بأبي راوي، التشكيلي الكبير الذي حمل ديواني الجديد ” جبل
خافت في سلال القُرى” إلى العالم.
إرسال تعليق