أحيانا أهرب من عصر الكتب الإلكترونية، إلى عالم الكتب الورقية، وتحديدا إلى تلك الأعمال التي تركت فيّ مفهوم الثورة، وأهمية مكاشفة الواقع كما هو دون رتوش، أعترف أنني قرأت هذه المجموعة أكثر من مرة، وعلى فترات متباعدة، فهي من النهج الأدبي (الثوري)، ذلك الأدب الذي (يفش الغل) ويجعل المتلقي يشعر أنه يصارح الواقع العربي بكل ما فيه من عيوب.
المجموعة مكونة من ثمان قصص، منها من جاء بصيغة القص الخارجي: "قتلوا الحمام، رائحة الغرباء، أنت أيها الفتى الغريب، بائع اللوز الأخضر" والقصص الأربعة الباقية جاءت بصيغة أنا القاص: "بيتزا من أجل ذكريا مريم، غرفة باردة... موحشة!، الرعب، الضبع والشيخ والرجل الذي... الخ" حيث خاطب القارئ مباشرة في آخر قصتين، كاسرا حاجز السرد القصصي، وكأنه يدعوه بهذا التكسير إلى ممارسة الثورة/ التمرد على واقعه، بصرف النظر عن النتائج، وهذا ما وجدنا في قصية "بائع اللوز الأخضر" الذي ثار على واقعه بعدم توقفه أمام حركة السير مما أدى إلى دهسه، فبدا "أبو حسين" وكأنه يمارس الانتحار ردا على واقعه البائس.
 ونلاحظ أن القاص يبدي غضبه وحنقه على الواقع الرسمي العربي من خلال حديثه بصيغة أنا القاص: "أصخب أيها البحر، وارتفعي أيتها الأمواج عالية، وأخرجي أيتها الأسماك، يا أسماك القرش الرهيبة الأشداق اقفزي من أعماق البحر، من جوف الدبابات الفولاذية الجبارة وانهشي لحمنا وأحلامنا وأطفالنا" ص8، فبدا وكأنه الملك "لير" المكسور/ المهزوم/ المخذول من أقرب الناس عليه.
ونلاحظ حنقه من خلال صيغة القص الخارجي، فنجد بطل قصة "أنت، أيها الفتى الغريب" يتحدث بحنق عن واقعه: "سأذهب لدفنها في المكان المناسب، وفي طريقي سأحرق الرايات، ودور الإذاعة ومحطات التلفزيون، وسأتلف أفلام الاحتفالات، كل أشرطة أغاني الانتصارات، أما جوازات السفر فسأحرقها، وأحولها إلى جمر أكوي به عيون وأفواه كثير من الرجل المهمين الذين يزينون صدورهم بالأوسمة" ص43، أحيانا، نحن بأمس الحاجة إلى هذا الشكل المباشر من الغضب، فما نحن فيه من انكسار وخذلان يجعلنا (نكفر) بكل ما في الواقع: "يا رب الشعوب أيها المطل علينا، لماذا بالضبط أخذت مريم والمخلوق الفلسطيني الذي لم يتكون بعد، ولماذا حملتني كل هذه العذابات طيلة سبع سنوات" ص10، فالقاص هنا، يتحدث عن مأساة الاقتصادية من منظور طبقي، ومأساته الوطنية كفلسطيني يعيش غريبا بين (أشقائه).
 فالهموم الطبقية/ الاقتصادية، والهموم الوطنية الفلسطينية كانت حاضرة في المجموعة وبوضوح، وكأن القاص أراد تأكيد الترابط بين التحرر الوطني والتحرر الاقتصادي، وضرورة التخلص من هيمنة الأنظمة العربية التي يراها مجرد أدوات قمع لكل ثائر/ متمرد، يسعى لأخذ حقه: "أخذوه إلى السجن وقالوا فدائي يتسلل عبر الحدود، ثم نقلوه من السجن وذهبوا به ليدلهم على الطرق المؤدية للوطن، وها هم يضيعون بقية الوطن" ص14و15، القاص تعمد عدم تحديد النظام الذي اعتقل الفدائي، ليقودنا ذلك إلى كل الأنظمة المحيطة بفلسطين، ودورها في حماية دولة الاحتلال من هجمات الفدائيين.
أعتقد سبب (غضب/ حنق) القاص في مجموعة "بيتزا من أجل ذكرى مريم" يعود إلى عدة أسباب، منها كونها كتبت أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي نجدها حاضرة في أكثر من قصة: "انطلق رصاص غزير... اختبئ، لكن الرصاص تواصل، فترنح جسد عمر" ص18، أغمض عينيه قسرا... وفي رأسه اختلط دوي الرعد بنباح الكلاب... بالرصاص... وهدير الطائرات" ص26، ومنها حياة الفلسطيني الذي يعيش الموت والتشتت الأسري: "أولاده ماتوا، واحد في فلسطين (يا الله شو أخذت هذه الفلسطين...) وواحد قتل في لبنان (لا يعرف متى، ولا لماذا) أما الأخر، الثالث فقد داسته سيارة عسكرية" ص47و48، كل هذا يجعلنا نتفهم طريقة تقديم المجموعة والشكل الذي قدمت به، فالخطاب المباشر للقارئ: "أما أنا كاتب هذه القصة، فإنني لن أكف عن (بلع) الفاليوم والأقراص المنومة" ص49، هذا ما جاء في قصة "الرعب" فهل انتهى القاص من  (بلع) الفاليوم وحبوب المنوم، أم أنه/ إننا ما زلنا بحاجة إلى تعاطيها، وتعاطي المزيد من أمثالها!؟.
المجموعة من منشورات الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين" الطبعة الأولى 1981.

إرسال تعليق