-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

يعزفون، لكن لآجالهم/ للشاعر مأمون حسن


 

لمن هذه الجوقة الآن تعزف لحن الوداع الأخيرْ

لعينيكَ!

للقامة الفارعة!

لنور خطاك الذي كلما لامسَتْه يدايَ،

تفجّر ظِلاً حواليكَ،     

فجّر في الروح أفقاً،

وأيقظ في البال أغنية من زمان التوهج والفاجعةْ.

لأمّك، تلك التي ملّها الانتظار

وشدّت جدائلها،

مزّقت ثوبها الريحُ،

واقفة فوق كتف المدينة ليست تنوحُ،

وتحلم بالمهرة الراجعةْ:

كلما ألهب الخدَّ سيفُ الصقيع استطالت لتنظرَ،

هل من خيال على شفة الدرب ينبئ عن فرجة في الضباب

تطلّ،

عسى تكون الخطى الواسعةْ

==

لمن تعزف الآن هذي الدّمى لحنها!

ليكفيكَ،

وكانت تبادل كفيك فرحتها

حين ترى الصخر كالقمح بينهما

تصفق حين تطل عليها من النهر،

بالعشب والماء والنار جبهتك الساطعة.

ويداك كما كانتا

تشدان على عنق الرمح

تغترفان من النهر ماءً لتسقي صغار المخيم،

لكنه الشوك يدمي

ولا يقتل النارَ،

لا يحجب النور عن ساحة القلبِ،

لا يمنع الغد كسوته اليانعة.

==

لمن تنقر الآن هذي الدمى بالنواقير!

لأبنائك الطيبين

الذين رأوا ظهر والدهم والحرابْ

لسيدة تمخر البحر بالطول والعرض،

تمتد نحو يديها الرقابْ

فتلقي بأنوارها،

ثم تخبرهم أين أنت

فتكبر فيهمْ

ويبتسمون لسيدة النار،

يختبئون بغور جدائلها

يبعدون عن اللحظة المفزعةْ

==

متى يمسكون عن العزف،

حين يرونك في لحظة يطمحون إليها،

تخرّ على الأرضِ،

تلثم أقدامهم وتئنّ،

لكي يرفعوا فوهات البنادق،

أو يبعدوا عنك نارَ سياطهمُ الموجعة.

أم تراهم سيلقون أبواقهم،

إذ تخب الضواري بلحمك،

والدود يبني مدائنهُ بين أضلاعك الهامدات،

وتملا أنوفَهمُ ريح أحلامك الهاجعة

أم انهمُ سوف ينتظرون لتنضو اخضرار المواسم،

تلقي بسيفك في اليمّ،

ثم تُسرِّح صبرك،

تنتظر القارعةْ.

==

متى يصمتون!

فإنك لو أثخنتك الجراحُ،

لو انكفأ الكون،

لو خالط الأبيض الأسود،

الأحمرُ الأخضرَ،

ما افتقدتك الحروب

وما انحاز عنك التلألؤ،

لكنهم إن خطوت أحسوا بآجالهم،

واستغاثوا بأربابهم،

ورأوا ما بنوه يغور على مهل ثم يهوي،

لتبلعه التربة الجائعة.

 

فلا تبتعد بالشذا الساحليّ،

بأيامنا،

بانتظار الأماسي للنورِ،

بالأرضِ،

لا تبتعدْ

وادنُ شيئا بمشعلك المتقدْ

ومن ملكوتك ألقِ بتفاحة في ضحى الغورِ،

ينفلت الغورُ من قبضة الكسل المستبدْ

ونادِ الجياد إليك تراهم مع الريح يأتون

للقدس من غير عدّْ

وأمي وأمك روحان تنتصبان على الدرب،

تعتليان المدى

تدقُّان بابَ السماء بأيديهما الضارعةْ.

 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016