-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية
  • recent .
  • جاري التحميل ...
  • recent .
  • سنحتاج دائما إلى فيرجينيا وولف: دفاعا عن القارىء العادي



    سنحتاج دائمًا إلى فيرجينيا وولف: دفاعًا عن القارئ العادي
    إيما نايت 

     تأمل في إرث أيقونة أدبيّة

    ترجمة: سارة حبيب

    عند الساعة الثامنة ذات ليلة مؤخرًا، كانت واحدة من ذراعيّ ملتفّة حول ابنتي شبه النائمة، في حين كانت الذراع الأخرى تحتضن فيرجينيا وولف. أعني، يومياتها.

    لا بدّ أن قبضتي حول ابنتي كانت قد تراخت، لأنها استدارت على جنبها. وعندما لاحظتْ الوهج الصادر عن قارئ الكتاب الإلكتروني الخاص بي، رمقتني بنظرة صارمة.

    "احضنيني"، أمرتني.

    تحسستُ قبضتي حول وولف التي لم يمض على علاقتنا سوى سبعة عشر عامًا غير مكتملة، أحكمتُها. كانت إنكلترا تتعرض للهجوم. وكان منزل وولف في لندن قد دُمِّر لتوه على يد لوفتفافه هتلر (سلاح الجو الألماني). الاستوديو الذي كانت قد كتبت فيه العديد من كتبها انفجر إلى أشلاء، وكانت تشعر بالابتهاج جرّاء خسارة الممتلكات. قبل شهور من موتها منتحرة، كانت الكاتبة تشعر بالارتياح لكونها على قيد الحياة.

    أنا، من جهة أخرى، كنتُ أندسّ بأمان تحت بطانية عليها رسمة نمر في سرير مخصّص للأطفال. لكن، في الموسم الذي لا أدري كم رقمه من تذبذبِ الحظر، مع الـ"غرفة التي تخص المرء وحده" الوحيدة المتوفرة الموجودة داخل رأسي، لم أكن مستعدة للتخلي عن رفيقتي صافية الذهن.

    "بعد قليل، حبيبتي"، أجبتُ. "ماما تقرأ فيرجينيا وولف".

    "فيرجينيا وولف؟" تثاءبتْ ابنتي، وهي تستدير نحو الحائط من جديد. "يبدو شيئًا مخيفًا".

    ستبلغ ابنتي "إِزمي" عامها الرابع الأسبوع القادم، في الذكرى المئة وأربعين لميلاد فيرجينيا وولف (الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير). لم تشاهد ابنتي (على حدّ علمي) مسرحيةَ الحطام الزوجي الغارق في الكحول "من يخاف من فيرجينيا وولف؟" (1962) لإدوارد ألبي، أو الفيلمَ المقتبس عنها من بطولة إليزابيث تايلور وريتشارد بِرتون. بالتالي، لا أعتقد أنها تدرك أنه طوال الستين سنة الأخيرة تقريبًا، كانت ثمة نكتة سائدة تقوم على تشبيه هذه المبدعة الأدبية بشخصية الشرير المُشعِر مُعذِّب الجدّة في حكاية خرافية.

    "فيرجينيا وولف ليست مخيفة"، قلتُ لها.

    "نعم، إنها كذلك"، تثاءبتْ وهي تغط في النوم الآن. "مثلَ الذئب الكبير الشرير".*



    لعلكم تعرفون سلفًا (أنا لم أكن أعرف) أن عنوان ألبي هو لعبٌ على أغنية "من يخاف من الذئب الكبير الشرير" من فيلم ديزني "الخنازير الثلاثة الصغيرة". عام 1966، أخبر ألبي صحافيًا يحاوره أنه رأى الجملة مخربشة على مرآة في حانة، ولفتته كـ"نكتة جامعية، مثقفة نموذجية"، مثالية لشخصياته الجامعية المثقفة، جورج ومارثا. فيرجينيا وولف، تابع ألبي الشرح، تقومُ مقامَ الذئب الكبير الشرير الذي في دوره يمثّل "عيشَ الحياة من دون أوهام زائفة". تنتهي المسرحية مع جورج وهو يغني لمارثا "من يخاف من فيرجينا وولف؟" فتجيبه: "أنا أخاف، جورج... أنا".
    لكننا لا نخاف. أليس كذلك؟

    نعم، ثمة مكونات مُفزعة في سُمعة وولف. قدرة الكاتبة على أن تفتحنا كما لو بضربة فأس وتُظهر دواخلنا العاطفية، على سبيل المثال؛ أو الضررَ الذي ألحقه عملها بالمنازل القشيّة والخشبية** لصغارِ خنازير عظيمة كثيرة في زمنها. لم تكن وولف تسعى إلى أن تُبهِج. وكانت لها عيوبها بالطبع، التكبر والتحامل من بينها.

    لا بدّ أنه يُعتَبر أمرًا طبيعيًا أن نشعر بموجة عصبية عندما نرفع غلاف واحد من كتبها الأكثر إثارة للحيرة. لكن المؤسف أن يقسو هذا التخويف (ممزوجًا، ربما، بشعورنا تجاهها كشخص بارد وغير محبوب كثيرًا) متحوِّلًا إلى سخرية دفاعية. هذا شيء كانت فيرجينيا وولف ذاتها خائفة منه.

    عند موتها عام 1941، تركت الكاتبة خلفها ما يقدَّر بمُدخلات سبع وعشرين سنة من اليوميات. وقد حُرِّر المجلد الذي حمل عنوان "حياة كاتبة" ونُشر بعد وفاة وولف من قبل زوجها وقارئها الأول الموثوق ليونارد وولف (كانت أحيانًا تعمل لسنوات على رواية قبل أن تريها له، وقد تأثرتُ حين قرأت أنه تقريبًا دائمًا كان يقول لها إن كل كتاب جديد هو "أفضل كتبها حتى الآن"- تقريبًا، لكن لن أفسد الأمر عليكم). يقدّم هذا المجلد ذات القدر على الأقل من الرؤية المتعمقة في كيفية انصقال عبقرية بقدر ما تقدمه الـ240 قطعة التي قُطّع إليها دماغ معاصر وولف ألبرت أينشتاين. إنه كذلك يجبر المرء على أن يتوقف عن تعنتّه.

    "أكره فكرة أن يُسخَر مني"، كتبتْ فيرجينيا وولف عام 1934، "فكرةَ إشراقة الرضى التي سيحصل عليها A, B ، وC. عند سماع تحطم V. W." (ف. و.؛ فيرجينيا وولف).

    باستخدام سلطتها كناقدة أدبية، ساعدت وولف على انتشال كاتبة أخرى من وحل الاستهزاء المُعتِّم. كان من الواضح أن جورج إليوت فقدت الحظوة لدى الفيكتوريين الأخيرين وأصبحت "واحدة من الأضحوكات التي يسخر منها الشباب"، على حدّ تعبير وولف في مقالة كتبتها عام 1919 لملحق التايمز الأدبي. وولف التي كانت جيليًّا تعدّ من الشباب (فقد ولدت بعد سنتين من موت إليوت عام 1880)، لم تنضم إليهم؛ بل كتبتْ بدلًا عن ذلك عن "الدفء اللذيذ وانعتاق الروح اللذين يوفرهما الكتّاب العظيمون المبدعون لنا"، ويشتَهر أنها قالت عن "ميدل مارش": "واحدة من الروايات الإنكليزية القليلة التي كُتبَت للبالغين".



    إذا وضعنا نكت "الشرير الكبير" جانبًا، الكاتبة التي قدمت لنا خيبات الأمل الدفينة لكلاريسا دالاوي والأصوات الداخلية التي دمرتها الحرب لسبتيموس وارن سميث، لم تتحطم. بل على العكس تمامًا. لكن إذا كانت ف. و. ستظل تُقرَأ من قبل جيل ابنتي إِزمي (أعني، خارج الأوساط الشبيهة بوسط جورج ومارثا)، فلدينا نحن القرّاء العاديون عمل يتعيّن القيام به.

    في مؤشر (غير دقيق تمامًا) عن حب المعرفة عند الجماعة، تُظهر بيانات ترندات غوغل انخفاضًا ملحوظًا في عمليات البحث حول فيرجينيا وولف في كل أنحاء العالم منذ عام 2004 (أول سنة تتوفر فيها بيانات الترندات) حتى اليوم، مع كون عمليات البحث في السنوات الأخيرة قد انخفضت إلى أقل من ربع ما كانت عليه في الألفينات (في أعقاب رواية مايكل كننجهام "الساعات" التي نُشرت عام 1999 وتحولت إلى فيلم عام 2002). وتتضمن قائمة عمليات البحث الرائجة اليوم أسئلة استطلاعية دفاعية من قبيل: "هل لا تزال فيرجينيا وولف ذات صلة؟" و"ما العظيم في فيرجينيا وولف؟".

    حسب الخوارزمية، إذا كنت تتقصى هذه: نعم، فيرجينيا وولف لا تزال ذات صلة. ربما أكثر من أي وقت مضى. الآن وعقولنا تُمضي قدرًا كبيرًا من كل أسبوع وهي تُلكَم بماكينة وسائل التواصل الاجتماعي التي تبيع الأوهام الزائفة، سأقول إننا في حاجة أكبر من أي وقت مضى لـ"الدفء اللذيذ وانعتاق الروح" اللذين يوفرهما عملها، مثلما يفعل عمل إليوت.

    لقد علّمت فيرجينيا وولف نفسها، من خلال القراءة العميقة والملاحظة الدقيقة، من خلال التركيز الشديد وعقود من الانضباط، أن تلتقط آلياتِ عملِ الوعي البشري الخاصة وتصورها بشكل جميل على الورق. وهناك لا تزال موجودة، لكلّ من يريد أن يلقي نظرة.

     

    * تُلفظ ترجمة كلمة ذئب في الإنكليزية "وولف" مثل كنية الكاتبة.

    ** في فيلم ديزني "الخنازير الثلاثة الصغار"، يُلحق الذئب الضررَ بالبيوت القشية والخشبية التي تبنيها الخنازير الصغيرة.

     

    إيما نايت: كاتبة، صحافية، وصاحبة مشروع "غرينهاوس". درست اللغات الحديثة في جامعة إدنبرة وحاصلة على ماجستير في الصحافة. تكتب عن الكتب والصحة الأمومية في عدة مواقع، ولها كتابان في الطبخ. تقيم اليوم في تورونتو.

     _____

    العربي الجديد - ضفة ثالثة

    إرسال تعليق

    التعليقات



    جميع الحقوق محفوظة

    العهدة الثقافية

    2016