الشاعر جبر جميل شعت وديوان "لأول ذئبة في الطريق"
الكاتب
والباحث/ ناهـض زقـوت
ما زال
الشعر ديوان العرب رغم سطوة النثر على المشهد الأدبي العربي، وما زال الشعراء
المؤمنون بالقصيدة كأداة بوح بما يختمر في داخلهم يعبرون عن تجربة إنسانية ذاتية
وشاملة في رؤية عميقة أداتها اللغة، ويتوشحها الخيال، ومليئة بالمعاني والدلالات
الجديدة والإشارات والإيحاءات المدهشة. والشاعر الأصيل لا يقدر على فهم تجربة
الحياة دون الغوص في المشاكل الإنسانية الكبرى. يتأمل ويتنقل في عالم الإنسان
والكون الذي يعيش فيه.
شاعرنا
جبر جميل شعت من هؤلاء الشعراء الذين يربطون القصيدة بالحياة فلم تعد القصيدة لديه
مجرد محاكاة، بل سبيل إلى جوهر الوجدان، وإطلاق عواطفه، وهو الذي يهب الإنسان
الحياة في عالم مليء بالكدر.
الشاعر
جبر جميل شعث من مواليد 1966 في خان يونس، حاصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها
من جامعة باتنة الجزائرية سنة 1990. عمل في وزارة التربية والتعليم في الجمهورية
اليمنية، ثم في صحيفة الحياة الجديدة الفلسطينية، ويعمل حالياً في وزارة التربية
والتعليم الفلسطينية. عضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين. صدر له أربعة
دواوين: (أ ب/ سنة 2003) و(آثام بيضاء/ سنة 2008) و(كأني أنا/ سنة 2010)، و(سيرة
ضالة/ سنة 2012).
وقد
أهدانا ديوانه الخامس (لأول ذئبة في الطريق) الصادر عن مكتبة سمير منصور بغزة سنة
2022. يقع الديوان في 104 صفحة من القطع المتوسط، ويضم 56 قصيدة تختلف طولاً وقصراً،
وهو دلالة على ولع الشاعر بالتفاصيل والتقاطها ثم الحديث عنها بأسلوب شاعري لا يسع
المرء إلا الاستكانة له والإنصات إليه، ولا ريب أن ما يميز الشعر الرفيع هو البحث
عن التفاصيل ومحاولة التعمق فيها، فالشعر كما يقول فولتير: "لا يتألف إلا من
تفاصيل جميلة".
نقف
عند عنوان الديوان (لأول ذئبة في الطريق)، جاءت القصيدة الأخيرة في الديوان تحمل
العنوان، ولكن ما دلالات تلك "الذئبة" التي تصدرت غلاف الديوان هل
الذئبة امرأة (بين هاوية وليل/ أراك تتعرين تحت القمر/ لا لتحبلي منه/ إنما لتطفئي
شبقاً ذئبياً، يمتصك حتى الغيبوبة)، أم هي مرض ينتشر فيصيب الكل بوبائه (وجدوه
مرمياً كبقية طير مفترس على حافة مستنقع/ خيط الحياة فيه كعصف داسته الأسنان
والأقدام معاً/ وعلى ذمة الجارات الثلاث ذوات الألسن الآثمة:/ أن باعة متجولين
وجدوه ملفوفاً عند باب مسجد/ آثار دم عليه، مصفر الجلد، ينوص كجرو)، أم هي دلالة
على الثبوت على المبدأ والرأي وعدم التنازل (صعب/ أن أقسم بهذا البلد/ صعب/ أن أحل
بهذا البلد/ صعب/ أن تستقيم آدميتي/ في بلد يستقيم الظل فيه/ والعود أعوج).
ولكن
الشاعر عبر عنها بالوحدة (جالساً في عتمة البيت/ فرداً)، هذا الشعور الذي ينتاب
الشاعر حين يبحث عن ذاته في وسط واقع مليء بالزيف والخداع، متمسكاً بالمبدأ
وثابتاً على الموقف، فلا ينتظر من أحد أو صاحب أن يذكره عند سيد الجبل، لكي يعرفوا
قيمته، فهو يسعى نحو حريته، وحينما افتقدها (انتظر طيراً يلتقط الوسواس من رأسي/
أو نخاسين بررة، يلقمونني لأول ذئبة في الطريق). لقد عبر الشاعر عن مكنونات نفسه
بلغة مختلفة عن اللغة السطحية المتعارف عليها بين الناس، لغة ترتفع ويرتفع معها
الشاعر كلما أبتعد عن كل ما هو عادي ومألوف، فيقوم بتحطيم نسغ اللغة، فتكون لغته
كالبرق والصاعقة، فتحل التنافر والتعرض والغرابة محل التجانس والنظام.
يعد
الشاعر جميل شعت من فرسان قصيدة النثر في المشهد الشعري الفلسطيني، فيلجأ إلى
الصورة الشعرية المتفردة بجمالها وبإيقاعها المتحرر من سلطة النظم الايقاعية
القديمة، ليقدم صورة انسانية يسري بها من آهات وأحاسيس مفرطة تشدو لحناً محملاً
بالأماني، ورغم ذلك لم تكن صورة بسيطة بل هي صور مركبة ومعقدة وتحتاج إلى الصبر
والأناة لفهمها، حيث المعنى في شعره مفتوح على المدى ويحتمل العديد من القراءات.
لقد استطاع الشاعر التعبير عما يختلج بداخله بواسطة الصور البليغة المتنوعة التي
يمتلئ فيها الديوان، بلاغة مكنت الشاعر من الإمساك بالحالة النفسية وتجسيدها في
لغة تعبيرية قادمة الينا من أعماق الشاعر متوهجة صادمة ومثيرة للتأمل.
غزة:
2/4/2023
إرسال تعليق