/ مجلة الفيصل
يقف المتلقي لأعمالها الفنية مندهشًا، وهو يتأملها محاولًا
أن يصل إلى فكرة كل عمل ومضمونه. الفنانة الدكتورة زهرة الغامدي حصلت على شهادة
البكالوريوس في الفنون الإسلامية من جامعة الملك عبدالعزيز، ودرجة الماجستير في
الحرف المعاصرة من جامعة كوفنتري في إنجلترا، كما حصلت على شهادة الدكتوراه في
التصميم والفنون البصرية من الجامعة نفسها، وتعمل حاليًّا عضو هيئة تدريس في قسم
الرسم والفنون في كلية التصاميم والفنون بجامعة جدة. تحدثت زهرة الغامدي
لـ«الفيصل» حول تجربتها وحول متغيرات الفن المعاصر وخصوصية جمهوره، وعلاقته
بالمكان والزمن وتسمياته الطريفة.
رؤى وأساليب
تعتمد الغامدي على التصاميم في تعابيرها
الفنية، فهي تركز على الأسلوب التجميعي التركيبي وفن الأرض، ومن خلال فنّها
استطاعت أن تربط بين الهوية الثقافية الوطنية وبين تلك المفاهيم إنسانيًّا
وعالميًّا. حول هذا الجانب تقول: «كل أعمالي الفنية بلا استثناء تعبّر عن هويتي
الثقافية، ولكن الاختلاف هنا يكمن في كيفية نقل هذه الهوية برؤية مختلفة ومعاصرة،
بحيث أستطيع أن أجمع بين الماضي والمعاصر برؤية مستقبلية؛ لذا فإن أغلب المفاهيم
التي أتحدث عنها من خلال أعمالي تلامس واقع الإنسانية».
أسماء وعناوين
● سألنا الفنانة
الدكتورة زهرة الغامدي حول عناوين وتسميات أعمالها غير المألوفة، فهي في الأغلب
ذات مفاهيم سردية حكائية أحيانًا، مثل «الأفطورة الجارية» و«القرية الهامدة».. فهل
تحرص الغامدي في تسميات أعمالها الفنية على أن تكون بمعانيها أقرب إلى وعي المتلقي
غير العربي؟
■ عن ذلك قالت الغامدي: «ليس كذلك
تمامًا، فأنا عندما أفكر في تسمية العمل، فإنني أفكر في كيفية جعله يبدو حقيقيًّا
وواقعيًّا، بحيث يمكن إيصال رسالتي بدلًا من شرحه؛ لذلك فأنا أسمي عملي باللغة
العربية قبل الإنجليزية؛ إذ أفكر في أن من سينظر إلى عملي، إنسان، فأركز على إثارة
التساؤلات في داخله». وبخصوص عملها الإبداعي الذي يحمل عنوان «القرية الهامدة»،
ذكرت: «هذا العمل يعبر عن قرية تحولت إلى مقبرة عندما هجرها سكانها، ويُعَدّ هذا
العمل من الأعمال غير الدائمة، بمعنى أنه بعد عرضه فإنه يُزال، ولا يمكن الاحتفاظ
به إلا عن طريق تصويره، وكانت الصدمة أن هناك أثرًا إيجابيًّا ودهشة عند كثير من
الحضور، سواء من الفنانين أو المحبين للفن تجاه هذا العمل الفني».
وقالت أيضًا: «من هنا بدأت أُومنُ بأن للفن المؤقت تأثيرًا كبيرًا على متلقيه، وعلى الرغم من عدم استمراريته، فإني بذلت أقصى جهدي من أجل المحافظة على استمرارية عرضه، رغم بعض الصعوبات التي واجهتها في المعارض؛ لأن أعمالي في بداية عرضها لم تكن ذات مردود مادي، إلا أن إيماني بأن الرسائل التي أوجهها من خلال أعمالي، سوف يكون لها وقع مؤثر على المدى البعيد، وهو ما أدى إلى ديمومتها، لأن أعمالي ليست صورًا طبق الأصل من الواقع، وإنما تعبّر عن أحاسيس ومشاعر موازية أصيلة، مستمدة من ثقافتي وبيئتي، وتعبر عن حقيقة ورؤية معاصرة».
عزلة للتأمل
من أجل أن يتحقق التنويع في التغذية
البصرية والجمالية، فلا بد من مواصلة البحث والاطلاع، إضافة إلى التأمل والتفكر والعزلة
في المكان الفني الشخصي، هذا ما تؤمن به الدكتورة زهرة الغامدي. أما عن نتيجة ذلك
المناخ الصوفي نوعًا ما، بالنسبة لها وأثره في عملها، فترى أن كل عمل نقوم به
يتأكد لها بعد ذلك أن الأجواء التي كانت تحيط بالعمل هي الأساس في نجاحه، «فجلوسي
مع العمل بمفردنا، والتحدث مع نفسي في أثناء بنائه، وسماع الموسيقا التي تتغير مع
تقدمي في إنجاز العمل، كل ذلك يسهم في إظهار متغيرات العمل وأنا أشتغل عليه خطوة
بخطوة، ولقد وجدت كثيرًا من الجمهور ومتذوقي الفنون يدركون تحولات الشعور عند رؤية
أعمالي الفنية».
ولادة مكان
من بين أعمال الدكتورة الغامدي
المهمة، عمل بعنوان «ولادة مكان»، بأسلوبه التركيبي الموثق لتراث مدينة الدرعية،
الذي صنعته الغامدي ليكون ضمن أعمال النسخة الأولى في بينالي الدرعية للفن
المعاصر.
عن هذا العمل المميز الذي يتعايش فيه
كل من المكان والزمان، قالت: «يرتكز ولادة مكان (2021م) على التراث العريق لمدينة
الدرعية، التي تقع على الضواحي الشمالية الغربية لمدينة الرياض. أنجزت هذا العمل
بتكليف من مؤسسة بينالي الدرعية، عبّرت عن حنيني للمعالم التراثية وللمدينة كلها،
تلك التي بدأت تزحف إليها الأحياء الجديدة بمعالمها العُمرانية المغايرة، لقد
استوحيت فكرة هذا العمل من التبايُن الواضح بين الأشكال الطبيعية والصناعية في
المنطقة، وترجمتها إلى سمات فنية تجسِّد التراث الآخذ في التراجُع، وخلال تجهيزي
للعمل، قضيت بعض الوقت في التجوُّل بين المنازل الطينية المهجورة في الدرعية، متأمِّلةً
في مفارقاتها التاريخية وخَوائها المُوحِش، إضافةً إلى تشبعي بإحساس الاضمحلال ثم
الانبعاث إلى الحياة من جديد. تذكِّرني التشكيلات الطينية في هذا العمل الفني
بالتطوّر العمراني السريع الذي تزامن مع تطوّر المدن، وتحديدًا جهود المملكة
لإحياء الفنون المعمارية المُصاحِبة للنهضة التي تشهدها البلاد».
جرأة فنية
في
بعض الأحيان يتحتم على الفنان أن يصنع عملًا فنيًّا شجاعًا وجريئًا، بحيث يعبر عن
رأيه وموقفه، ترى الغامدي أن «هذا يحدث عندما يكون رأي الفنان نابعًا من تجربة
حقيقية عاشها».
وحول
المدى الذي يمكن للفن أن يعكس شخصية فنانه، وبخاصة في ظل ما نلحظه من تشابه ونمطية
في كثير من الأعمال الفنية السابقة، تلفت الغامدي إلى أن: «التشابه وارد في كل
أنواع الفن ومجالاته، سواء في الماضي أو الحاضر، ويحتاج التميز والتفرد أن يشق
الفنان طريقًا خاصًّا به، ويحتاج كذلك إلى صبر ومحاولات وتجارب مستمرة، ليجد
الفنان نفسه في النهاية ويكتشف ذاته وأساليبه». وفي عملها «الذاكرة المتجسدة»،
الذي عرضته الغامدي، تقول: «لقد اتكأت على فهم الأشياء، والإيمان بأن لكل شيء
روحًا وأحاسيس، سواء كان من الجمادات أو الكائنات الحية، وعليّ أن أعبر عنها، وعن
شعوري نحوها».
ثورة
فنية
لا شك أن السعودية تعيش الآن ثورة فنية، وبخاصة في ظل الاهتمام القوي والعميق المتمثل في وزارة الثقافة، ومؤسسة «مسك»، ومركز إثراء، وأيضًا المؤسسات التجارية المتمثلة في المعارض. ترى الغامدي أنه «من بين أبرز المؤسسات التي تعمل على الارتقاء بالفن وتعزيز دوره؛ المجلس الفني السعودي، الذي بدأ من عام ٢٠١٤م حتى عامنا هذا، حيث يقيم حدثًا فنيًّا كل عام في شهر فبراير، يحضره ما لا يقل عن ٢٠٠ زائر من خارج المملكة، ويشارك فيه مجموعة من الفنانين السعوديين ومن دول الخليج والوطن العربي، هو بحق يمثل نقطة التقاء تجمع الفن في السعودية مع العرب والعالم، وكان للمجلس أيضًا أثر عظيم فيَّ كفنانة، فمن خلاله استطعت أن أعرض أعمالي في دول الخليج، وكذلك في عدد من المعارض الدولية. لقد أصبح هناك حراك قوي ومشاركات بين المعارض داخل المملكة وخارجها، وصار هناك تعاون بين الفنانين، كما أصبح هناك جدولة لنشر الأعمال وإقامة المعارض، وتعاون مشترك بين المؤسسات الفنية والمسؤولين القائمين على الفن. أذكر في هذا الصدد، على سبيل المثال وليس الحصر، آرت جميل والسركال أفنيو وآرت دبي، فمن خلال هذه المعارض وغيرها استطاع الفنان السعودي أن ينتقل إلى العالمية».
تجربة الفن مع الأطفال
عن
تجربتها الفنية مع الأطفال والمراهقين، وكيفية مخاطبتها لمشاعرهم وخيالهم كي
تجذبهم نحو عالم الإبداع والفن التشكيلي في سبيل إيجاد ثقافة فنية متطورة، صرحت
الغامدي بأن تجربتها مع الأطفال تقوم على مشاركتهم في استلهام الأفكار واختيار
الخامات ومزجها، وأضافت: «في المعارض الفنية خلال العرض يكون هناك زوار من فئة
الأطفال والمراهقين، وعادةً ما يوجهون أسئلة كثيرة إلى الفنان، وعلى الفنان أن
يكون صبورًا لأبعد الحدود في تلقي الأسئلة، وشرح العمل الفني بطريقة سهلة وواضحة
حتى يمكن للطفل أن يستوعب العمل الفني بخياله وتفكيره، أما أجمل شيء عند الانتهاء
من الحوار معهم، هو حين أسمعهم يقولون: إذا كبرنا.. سنكون مثلك».
وحول
ضرورة الاهتمام بفنون الرسم لدى تلك الفئة، من أين يُفتَرض بنا أن نبدأ؟ هل ما
زالت المدارس هي الحاضنة الأولى أم إن هناك حواضن متعددة لتحقيق هذا الغرض؟ توضح
الغامدي: «قد يكون مجالي بعيدًا قليلًا من الرسم للأطفال أو إقامة معارض مخصصة لهم
بشكل خاص، ولكن من خلال تدريسي لطلاب الجامعة فإنني أعتقد أنه من الأفضل أن نبدأ
من المدارس؛ لأننا وجدنا أن المعارض التي تُقَام للطالبات في الكلية مفيدة للغاية
لهن، وتنقلهن إلى مرحلة متقدمة من الإبداع والنبوغ الفني، كما أنها تؤهلهن للعرض
خارج أسوار الجامعة».
وحول
اقتناء العمل الفني بحيث يكون له موقعه المناسب في البيت، لفتت الغامدي إلى أن
«هذا ليس صعبًا، وإنما الصعوبة تكمن في فهم الأمر ثقافيًّا. هناك أسئلة كثيرة لا
بد من إجابتها: كيف يمكنني أن أقتنى العمل الفني؟ ولماذا أقتنيه؟ وما الهدف من
اقتنائه؟ وما نوع العمل المُقتَنَى؟ قد تكون الإجابة على هذه الأسئلة صعبة؛ لذا
يبدو الاقتناء صعبًا».
إرسال تعليق