في
متواليات الأنساق القرائية للفعل الثقافي، إبداعيًا أو فكريًا أو فنيًا، تبرز قيمة
المرايا التي تعكس الظل، وتكشف عن إطار الصورة، وتدنو من تفاصيل غير معروفة هنا أو
هناك، إنها مرايا الترجمة وشفافيتها التي تلتقط الوجه الآخر للسياق القرائي وتوجهه
إلى حيث أنت هنا أو هناك .
بهذا
السياق كان لا بدّ من المختلف بالتعاطي مع الأمسيات والندوات التي تنظمها رابطة
الكتاب الأردنيين فرع إربد، وبهذا السياق كان لا بدّ من الوصول إلى بؤرة تشكيلية
لدلالة النوعية التي تمارس شدَّ قوسها المرنة الترجمة وأثرها.
الندوة
التي أدار مفرداتها القاص محمد الصمادي، جاءت بمناسبة يوم الترجمة العالمي، وفيها
اتصل المتخيل بما وراء الصورة، صورة الالتفات إلى الآخر، صورة الترجمة ودورها في
المثاقفة، تلك الصورة التي هيَّأ لها المرايا المترجمان إسماعيل أبو البندورة وعلي
عودة.
أنساق الترجمة في محافظة اربد
ودلالاتها الثقافية، والأدب الألماني في مواجهة الفاشية، توسّع فيهما المترجمان
إلى آفاق تتماس في جملة المعطيات مع السؤال الذي يثار دائما: كيف نستطيع أن نمايز
بين ترجمتين، الترجمة الحادثة من الفعل اللغوي والترجمة التي تتصل بما هو كائن في
النص من حدوس وانثيالات ربما لا تتقاطع مع الصورة الظل؟.
ولم تقف الندوة التي أقيمت في
مركز إربد الثقافي، عند حدود المفهوم للترجمة وميزانه اللفظي والتشكيلي، بل ذهبت
بعيدًا للكشف عن خفايا العلاقة المستترة بين المبدع من جهة والمجتمع من جهة أخرى،
لصفة أن المبدع هو اللسان الذي يستطيع الدفاع ووضع الأسئلة التي تطفو عندما يتساقط
عشّ المجتمع جراء الأحداث الطارئة وتقديم الحلول الناجعة، بهذا السياق قدّم
المترجم عودة قراءته لعمق التحولات التي طرأت على المرايا وتشكلاتها من خلال عرض
لمجموعة من الأعمال الإبداعية التي قام بترجمتها عن الألمانية، كاشفًا عن الصلصال
النوعي الذي أراده المجتمع من أدبائه ومبدعيه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية،
بعد أن عانى من الوضع النفسي الحاد، والتمزق، والضياع، وفقدان الثقة بالنفس وسيطرة
اليأس.
فيما استند المترجم أبو
البندورة في حديثه على أن الترجمة أصبحت نسقا ثقافيا محوريا ورئيسا من أنساق
الثقافة العربية والعالمية التي تعقد لها المؤتمرات والملتقيات وتنهض بها مؤسسات
وجامعات تضعها في مكانها الثقافي والمعرفي المؤثر وتعترف لها بخصوصية تعميق
التواصل بين الثقافات والحضارات وتعمل على الارتقاء بها لتكون في صميم عمليات
المثالية الجارية بين الشعوب والأمم.
بين إزاحة الستارة عن العلاقة بين المبدع والمجتمع، والبحث عن جذر التأصيل لفعل الترجمة والاهتمام بها، قدّم المترجمان أبو البندورة وعودة أمسية لم تقف عند حدود التنظير بل اجتهدت لوضع المادة على مائدة التطبيق الفعلي وتحفيز المادة المشرقة وجدانيًا القابلة للتمدد في التربة الخصبة التي تتماس مع المجتمعات باختلاف ثقافاتها، كيف لا، وقد أصبح العالم قرية صغيرة لا تفصلها الحدود ولا الجغرافيا، أليس ذلك بكاف أن ننظر بعين ما نريد وما يريد الآخر، ثقافيا وحضاريا وفكريا.
وفي نهاية الأمسية التي أعقبها حوار ومداخلات وازنة، كرّم الشاعر د. محمد خالد الزعبي المحاضِرين أبو البندورة وعودة بدرع الرابطة، إلى جانب تكريم القاص محمد الصمادي أيضا بدرع الرابطة.
إرسال تعليق