-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

ولد من الجرح نفسه ، ولكن بلغتين للغناء / الكاتب والمترجم د. وليد سويركي


 ولد من الجرح نفسه ، ولكن بلغتين للغناء  / الكاتب والمترجم د. وليد سويركي

يقول فرانسوا كزافييه، الشاعر والباحث، وأوّل فرنسي يضع كتاباً عن محمود درويش: (محمود درويش والأندلس الجديدة 2001)، والذي أتبعه بآخر "درويش في منفى اللغة" ، 2004 :

"شعر درويش" منجز فريد ، ليس لأنه منخرط في حركة التاريخ فقط، بل لأنه يحمل أيضاً آلاف الكنوز من الانفعالات و المشاعر ، ولفرادة أسلوبه ورفعة وجمال نثره النادرين ... أنا لا أحبّ المقارنات ، لا يمكن مقارنة درويش بأي شاعر فرنسي من ناحية الأسلوب وتقنيات الكتابة ، إنّه شاعر لا نظير له ؛ فحتى حين يترجم إلى الفرنسية يظلّ شعره أبعد من أن يقارن، مثلاً، بأيّ شاعر عربي ممن يكتبون باللغة الفرنسية أو بأيّ شاعر آخر على ما أعلم. ولأنّ اللغة العربية لغة غنية بالمترادفات وبالطباق والجناس ؛حيث يكفي تشديد حرف في كلمة ليتبدّل معناها، فإنّ لديه عناية كبيرة في البحث عن المفردة الصائبة خصوصاً في سعيه للعثور على موسيقى فريدة. وشعر درويش غني بالإيقاعات والموسيقى وقد ظلّ ، على مستوى الوزن واللغة ، على صلة بأساليب الشعر الجاهلي..

أمَا الشاعر والأكاديمي جان-ميشيل مولبوا،( أستاذ الشعر الحديث في جامعة باريس العاشرة-نانتير) و رئيس تحرير مجلة " الديوان الجديد" فيكتب عن دروبش:

"تصطبغ أشعار درويش الأولى بمسحة غنائية عاشقة تمزج بين التعلق بالوطن والتعبير عن عاطفة الحب، حيث تحضر عناصر الطبيعة حضوراً حاسماً، فيتغنّى بالأرض، رمز الوطن، كـأمّ أولى تمثّل أيضاً سعي الشعر إلى تأكيد وجوده الماديّ الخاص(....) وفي مرحلته الشعرية الأكثر نضجاً تنفتح قصائده على التاريخ والرمز والأسطورة وتغدو أكثردراميّة، ويحاور درويش بلغته الإيقاعية بيت الشعر الحر والعروض الكلاسيكي في شعر يتطور على مستويات عدّة : غنائية ملحمية تتواشج في نصوصها أزمان وموضوعات مركّبة، تسجيل خاطف على نمط اليوميات أو الكاميرا، نشيد غنائي، ويتجاور في كلّ ذلك البعد السردي، والحوار الدرامي والأمثولة.

وإذا كان الشاعر يصغي للتاريخ فإنّه يبقي عينيه مفتوحتين على البدايات لكي يحفظ ذاكرتها. فيزاوج بين الذاتيّ والجمعيّ، حب المرأة، وعشق الأرض، التعبير عن الرغبة في الحياة، والنضال السياسي. وهكذا فإن صنيع القصيدة الخاص هو أن تمنح فلسطين هويتها بمضاعفة الصور التي ترصّع وجودها: وسواء كانت امرأة أو أرضاً، فإنهّا تتجسّد من خلال آلية غنائية مزدوجة تقوم على التمثيل والاحتفاء. تغدو فلسطين قرينة، وأمثولة، وتتوزع عناصرها الكثيرة و يعاد تشكيلها لتصنع مشهدها. وهكذا تنقذ المخيّلة ما يحطمّه التاريخ .

و يكتب الشاعر أندريه فلتِر، رئيس تحرير مجلة " كرافان" والمشرف على سلسة الشّعر لدى دار غاليمار :

"ثمّة لحظات في التاريخ، لحظات مضطّربة وقاسية في معظم الأحيان ،تبدو يائسة و لا مخرج منها، عندما يلتقي مبدع ٌ شعباً بأسره فيغدو ترجمانه ، حيث تخترع لغته الكلمات- الأجراس التي لا يتوقفّ دويّها و إلهامُها وقدرتها على الحشد وإدامة اليقظة. لفلسطين كان محمود درويش ويظلّ ذلك المبدع. منذ كتاباته المبكرة ، وجد صاحب " تضيق بنا الأرض"( عنوان المختارات التي صدرت للشاعر عن دار غاليمار الفرنسية) نفسه، على نحو ما، منذوراً للقدر، بكلّ ما يحمله ذلك من اندفاع وحماسة، وقيود وحواجز أيضاً. كان التحدي بالنسبة إليه هو أن يردّ من موقعه كشاعر وكإنسان على لعنة الزمن دون أن يفقد صوته. وفي هذا كان شاعراً فريداً من نوعه، لا يمكن أن يعوّض . بطلا شعبيّاً ، وعاشقاً وحيداً في آن : كما لو أنّه ولد من الجرح نفسه ، ولكن بلغتين للغناء

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016