-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

سيوقّع الأميُّ خلف قصائدي / أحمد الخطيب

 
من ديوان حارس المعنى 2014

                               (1)

كفى أرقًا

ومُدَّ جناحكَ الوافي

ولا تعذرْ سرابَ اليومِ

لا تعذرْ خرابًا

في منازلهِ

كفى أرقًا

وخذْ شيئاً مِنَ البلّوطِ

لا تجرحْ غيومَ القلبِ

كُنْ حَجَرًا على سطحي

ولا تضربْ حمام الروحِ

وانسلْ صوفَ  نائلهِ

كفى

وامتدَّ مثل السَّيْلِ قُدّامي

فجفَّتْ غيمةٌ غزلتْ لها جسدًا

وبعد صريخِ أحفادي

رأتْ مطرًا على بابي

ولَمْ تعذرْ رماحَ البيدِ

إذ عبرتْ قوافلُهُ

وسهمي لَمْ يقمْ

مِنْ غمدِ ساحلهِ

 

                              (2)

أنا القرويُّ أسراري مؤجّلةٌ

ونصفي

كم لنصفي مِنْ مدى

والليلُ رمحي

لَمْ أذقْ موتًا

فقد آليتُ أنْ أحذو تجاهِ الحزمِ

في تعليلِ أطرافي

وأنْ أغري نبالَ القمحِ

لا بستانَ يُزهرُ عند طلّتها

ولا قمحٌ يدير رحى الأيامِ  في السهلِ

ويغزلُ في عيون الرَّحْمِ

ما كانتْ تخبئهُ ذيول الشمسِ 

فارمحْ أيّها القرويُّ

ها سكانُ أرض اللهِ

لا بابٌ تخطّفهم

ولا أرضٌ هناك الآنَ في الكلماتِ

تأخذُ مِنْ رؤى الأرواحِ مِهنتها

ولا شجرٌ يقامرُ فوق جسم الأرضِ مَهزومًا

لأبكي حيرةَ العتّالِ في سوق الطواحينِ التي

ذهبتْ قُبيلَ عبورِ حاملهِ

كما لو أنني وحدي

وأسكرُ مِنْ تناسلهِ

أقولُ لها

كَسَرْتُ الوزنَ قبل دقائقٍ موشومةٍ بالبوحِ 

ردّيني إلى عنبي

إلى عتبي

إلى غضبي

وهزّي داخلي مع روحِ قائلهِ

 

                             (3)

مُرِّي على قصرِ الشموعِ

أذبتُ في كأسي هواءَ الوجدِ، ردّيني

لأمسكَ غفلتي وحدي

أنا المسكونُ بالحنّاءِ، ردّيني

فإمّا صبرُ أيامي

وإمّا ماء أحلامي، وردّيني

فقد أشجيتُ في قصري طيورَ العشقِ

فاختلتْ موازينٌ

وقانونٌ

وأفيونٌ سرى في مقلةِ الأمصارِ ، رُدّيني

لأكتبَ سيرة العشّاق

محكمتي هنا في الأرضِ

والأيامُ أشباهٌ معطّلةٌ

لقوسٍ بعد غيم الصّيف

يدنيني مِنَ المرآةِ

قلْ يا وجهُ مَنْ أعطاك حيلتهُ

لتأخذ موجتي

والبحرَ

والأسماكَ

مَنْ أعطاك حبل الريحِ

كي تمشي بعيدًا عن مفاصلهِ؟!!!

 

                              (4)

وخلفي نصفُ حافلةٍ

أرى الطرقات تنهرها

وتدفعُ ناسها نحوي

وتغلقُ بعد جرعتها سماءً

لا أرى مدنًا على الطرقاتِ

يهجرُ ناسُها موتي

فأدفنُ غايتي

وأعود بالمعنى إلى لغتي

لأنسخَ طاقتي

وأُركِّبَ الإيقاعَ مِنْ تفّاحتينِ

كأنني أمشي إلى نحتي

فيزهق مَنْ يطوف الليلَ مسلوخًا

عن الأشياءِ 

والأسماءُ لا تعرى أمام الموتِ

لا تعرى، ففي النسيانِ ريحٌ

والمدى سيْلٌ مِنَ الأحْجارِ

والأشجارِ

أوقفني على قَدَرٍ

ولَمْ يرمِ الحدود بنصل سكينٍ مقلَّمةٍ

ومحبرةٍ

ومائدةٍ على عجلٍ

وجدتُ الصّبر فيها ذائبًا 

ويدي تحاولُ طهيَ روح الخوفِ

أرجأني إلى النسيانِ

هل يمضي صداهُ إلى فضاء الفجرِ

يستحيي مِنَ الغزلانِ نائمةً

على قَدَرٍ

أنا ابن الحارتينِ

ولدتُ مِنْ كأسي على أثرِ الجمالِ

فهزّني تاريخُ أندلسٍ

مَحاكمُ قبل ريش الفجرِ تستدعي أجنّتنا

وتنهانا عن النّسيانِ

لي لغتي

وأمزجها بماء الوردِ

كي تحيا مصادفةً

ولي لغتي

إذا جنَّدتُ ساريةً مِنَ الفوضى

على قَدَرٍ يعودُ الظلُّ

يسعى  نحو حاملهِ

 

                               (5)

وأعودُ محتاجًا إلى فَرَجٍ

ومِنْ حرجٍ أرى نفسي تُقعِّرُ حيرتي

وتذودُ عن أبنائها عرجًا

ومِنْ عَرَجٍ أرى فوضى الإمارةِ

لا تبيضُ

ولا رمادَ على الطريقِ إلى المدينةِ

زُخرفي عَلَمٌ على درجٍ

وبعض جنائني مفتوحةَ المعنى

ومغلقة شواطئها أمام تزاحم الأرواحِ

بعضُ منازلي جبلٌ مِنَ الألغام

فاهتزّي إذًا،  يا أرضُ

لي جبلٌ

وقاطرةٌ مِنَ الكلماتِ

لي غرفٌ مصفّدةٌ 

هنا في فجرها أبقيتُ نصفَ الكأسِ 

قلتُ أجيزها للخمرِ  والأعراسِ

فاحتملتْ جنوحيَ مع تثاقلهِ

 

وأعودُ محتاجًا لنصف الكأسِ

كنّا قبل فضفضةِ السحابِ

نطيلُ أقفاص الحياةِ

ونجتبي مُدناً معلّقةً على خشبِ الغروبِ

نقيمُ متحفها على ورق الخريفِ

ونجتبي أُمَمًا مسالمةً

وتنهضُ مِنْ غبار الصمتِ

تسأل عن غبار الوقتِ

تجمعنا على طبقٍ مِنَ الفوضى

فَنَسْعَدُ بالمساءِ

نكوّرُ الجمرَ انقباض يدٍ، ونبسطُها

ولا خشبٌ

ونحبطُ بعض ذاكرةٍ

إذا فاقتْ على طينٍ تجمّعَ في منازلهِ

 

                               (6)

بينا أنا  أحمي الندى مِنْ شوكهِ

مرَّ الفتى القرويُّ

قلتُ أهيئُ الريحَ، اركضي

هذا بيانُ الطاعنينَ على الخلافِ 

ولا خلافَ

ولا مضافَ

أضيفُ نصفَ مسالكي

لحقيقةٍ أخرى

وأصدعُ بالنشيدِ: هنا المسالكُ

والمهالكُ 

والممالكُ

والمعاركُ ضربةٌ أخرى مؤجّلةٌ

لموتِ الناسِ عن صفصاف دولتهم

وأصدعُ بالنشيد: هنا المعاركُ

دولةٌ أخرى

لحمحمة الخيولِ

وقهوة الوجد الذي يسعى لقائلهِ

 

                               (7)

سيوقّع الأميُّ خلف قصائدي

فأجيزُهُ

لا حبرَ للصور العتيقةْ...،

سيوقّعُ المنفيُّ، أرجئهُ إلى نصٍ جديدٍ

كي يمارسَ شهوة الهذيانِ

سيوقّعُ الموتى على جسدِ القبورِ

ولا طرائقَ للخروجِ على الشّجرْ

ستُوقِّع الأنثى

ويُعتقلُ الذَّكَرْ

سيموت مَنْ سيموتُ

والعصرِ الذي دفع الظهيرةَ للتخفي

سوف ينتشرُ الغجرْ

وعلى الأريكةِ سوفَ ألمحُ قطّتينِ

وبعضَ أبناء المطرْ

سيُجنبُ الموتى دمي

وأعيذ أحلافي مِنَ القُطنِ القليلِ

ومِنْ تراشق قطّتينِ على سَفَرْ

سيُوقِّعُ المقهى

ونصفُ سجائري معطوبةٌ

والناسُ - يعقلُ حارسي وتري -

كالطينِ ينتشرونَ في عرس الشجرْ

وبلا أثرْ

الطينُ نصفُ الكأسِ

والمرآةُ

والعتّالُ

والموتى

وكلُّ أزيز هذا البوحِ شيءٍ مُدَّكَرْ

سيوقِّعُ المئويُّ

والطفلُ الذي بلغ الفطامَ

ومرَّ متّكئًا يدي

ولهُ غدي

وقصيدةٌ أخرى

سيوقِّعُ الجبليُّ

والقلبُ المصابُ بوردةٍ قرويّةٍ

أرختْ ستائرها

وحجَّتْ مع بدائلهِ

 

                               (8)

ولحالتي قلقٌ

ونصفُ روايةٍ أجَّلتُها

لأتمَّ أجمل ما رسمتُ على الصحائفِ

كانت الأشجارُ واقفةً على ظلي

وكان يقودها ألَمٌ

فهبّتْ مِنْ طرائقها إلى جسدٍ تبللَ بالحنينِ

وكنتُ لا أشوي على جبلٍ

غزالًا فاقدًا للموتِ

يمّمتُ الخطى

لأبي الذي فقدَ المكانَ وظلَّهُ

والشمسُ لَمْ تأخذ نياشيني

ولَمْ تمطرْ لها الصحراءُ

شعرًا قابلًا للوقتِ

يمَّمتُ الندى سربًا مِنَ الحسُّونِ

فارتجّ الفتى مِنْ جمرِ ما ألقتْهُ ريحٌ

حاجةٌ

لغةٌ مشتْ فيها حروفُ المدِّ

دمعٌ عائدٌ للبوحِ

ريحٌ لَمْ تعدْ مِنْ حوضِ سائلهِ

 

                               (9)

فوضايَ أنّي لَمْ أكنْ متردِّدًا

حين التمستُ الكهرباءَ

على شواطئ نزوةِ التاريخِ

هجّاني على الإسفلتِ ثُعبانٌ

وسيّدةٌ تحاورُ ظلّها

فوضايَ أنّي كنتُ أسترقُ الخطى

مِنْ جمرة الإسفلتِ

كانت تستريحُ

وكنتُ جاوزتُ الحبيبَ بخطوتينِ

وكان يسألُني نصيبي عنْ مقارعة الخطوبِ

فقلتُ أرشُدُهُ إلى كأسي

وكأسي نصفُ عاريةٍ، وأشربها

وتشربني

وأنسجُ مِنْ بلادي رقصةً وتريّة الميلادِ

لا أيقونة في الريحِ

لا بابٌ إلى المبنى

ولا فوضى سوايَ

أنا الذي قرأ الجريدةَ مرّتينِ

ولَمْ يسارع بالتقاطِ الحربِ مِنْ خبرٍ

ذوى في صفحةِ الموتى

ولَمْ يسأل يدِ الزّوارِ عن تاريخ أجدادي

ولَمْ يفصلْ رؤى النارنجِ عن عرسِ المها

وأنا الذي مزجَ الخيالَ مع الخيالِ

ولَمْ يجاملْ سندبادِ الأرض

لَمْ يقرأ على جسد الرمالِ مدينةً أخرى مؤجّلةً

ولَمْ يشعلْ لأهلِ البيتِ قنديلًا

ولَمْ يمدحْ شتات الخوفِ

لَمْ يعرجْ عليهِ دمٌ

وبعضُ النّاس أَخَّرَهمْ خروجيَ

عن مقايضة النُّشوءِ، أنا النُّشوءُ

ودارتي مرهونةٌ للموتِ

لا صدري يبيحُ لوردةٍ أنْ تنحني

لِتَلُمَّ نصفَ قميصيَ الأوّلْ

وأنا النُّشوءُ، وأوّلي أوّلْ

والبابُ نصفُ كتابهِ زيتونةٌ

عرجتْ إلى نخل القصيدةِ، قلتُ أتبعُها

وسيّدةٌ أتاحتْ لي على عجلٍ دمي

ونشوءَ قامتها برغم الموتِ

رغم ضراوة التهميشِ

رغم غبار أطراف المدينةِ

وهيَ تسعى باتجاه تكاملِ التُّحف القديمةِ

لا متاحف ينطوي ظلي على أرجائها

لأموتَ ثانيةً

ويتبع خطوتي ولدٌ تناحلَ كالغيومِ

ولَمْ يمارس بعلُ هذي الريحِ

في الأهواءِ معنًى مِنْ خمائلهْ!  

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016