في حاجتنا إلى الشعر
للشعر "عيدٌ" عالمي، ما يعني انه بات مهملا في النسيان.
للشعر أكثر من "بيت" في العالم، ما يعني انه بات وحيدُا في العراء.
فالشعر، اينما كان، بات يحتاج إلى مُسعفات ومٌقويات، مهما كابرَ شعراء ونقاد. ذلك انه ما كان يحتاج إلى هذه كلها، ولا إلى الدعم المادي في النشر وغيره،
لكي يأتلق سابقًا في الندوات والسجالات، وفي عالي التفكير الفلسفي.
فالصورة خطفت الفنون، قبل الشعر في الآداب، وبات لمحٌ العين، والمفاجأةُ في النظرة، تَخطف أسرع من دهشة الاستعارة، وجمال العبارة.
ذلك ان الثقافة باتت تميل أكثر فأكثر إلى الاستهلاك، إلى التسلي، إلى... الكسل، مهما قيل عن روعة الصورة، أو عن طنين الأغنيات الإيقاعي.
في هذا الرواح المتعاظم صوب الصورة، تَخسر القصيدة، كما يَخسر القارئ. نخسر الحلم، ونخسر اللغة في طفولاتها المدهشة.
نخسر مجاز العالم، في أن يكون غير ما نألفه.
فإنتاجات الإنسان لم تعرف، مثل الشعر، فنًا هو الأقل مادية، والأكثر تعبيرًا في رفعته الإنسانية والجمالية.
ففي ثنايا عبارة، ما لا تألفه عين، ولا أذن. وما يًقوى عليه الشعر، لا يكون في غيره، كما لا يكون إلا في احتمالات الكلام وحدها، وفي موج الخيال من دون غيره.
هذا المضي البعيد في بدن اللغة استحضارٌ لتاريخها، لتاريخ الإنسان فيها، لما كانه، ولما تكونه معه، لما هي القصيدة إمكانُ دهشة، عندما يتمايل اللعب مع دمية الكون في كيان القصيدة.
هذا ما نخسره، من دون أن ننتبه إلى افتقادنا له، إلى احتياجنا إليه، إلى ما لثقافتنا أن تغتذي منه.
ذلك ان القصيدة تستنفر أبعدَ وأقوى قوانا، الخفية والظاهرة، الانفعالية والفكرية واللغوية، فلا نقوى على الاسترخاء معها، بل إلى الاحتشاد في أعلى يقظةٍ للإنساني فينا.
نلتقيها كما لو اننا نعرفها، فيما لم نلتقٍ بها، إلا في حلمٍ ربما، في التشهّي حكمًا.
لذلك فإن علينا أن نستحضر الشعر في حياتنا، في أن تكون لنا معه حياة جديرة بنا : ولو لدقيقة يومية في شاشة صغيرة، في ظهوره الكتابي والمدرسي، في تنمية قوى الخيال والرغبة والحلم... في أن يكون مجازً الحياة ممكنًا وحقًا لنا.
_____
جريدة نداء الوطن
إرسال تعليق