"الرمانة" هي قصة قصيرة نسج خيوطها الروائي الفلسطيني محمد شريم, قصد من خلالها التأكيد على حق الفلسطيني بأرضه, الحق الذي لا يزول بالتقادم. وقد أقام شريم حكاية "الرمّانة" على قواعد متجذرة في الارض وأعمدة صلبة ليثبت بشواهد الحق عمق العلاقة بين الفلسطيني وأرضه التي جبل بطينها واختلطت قطرات دمه بعذب مياهها وليبيّن ان قوة الحق ستدحر حق القوّة ولو بعد حين.
فقد رسم شريم في بداية
القصة ملامح شخصية الفلسطيني أبي منصور باعتمار الكوفية الفلسطينية المرقَّطة
والعقال, لأنه يدرك رمزية الكوفيّة ومعناها لدى الكل الفلسطيني, ثم استدرج مفردتي
"المعبر والهوية" برمزية تشير إلى تقطع أوصال الأرض وكيف تحولت إلى
أشلاء يتحكم المحتل بالشّلو الأكبر منها ويحرم أهلها من استغلالها.
وعاد الكاتب بعدها ليشرح في قصته وقع اللحظات الأولى من كارثة الرّحيل, حين وصف لنا أبا منصور وهو يغوص في الزمان عميقا ويعود لسن الطفولة, حيث تحدث عن الخشية في حينه من تجدد القصف ومحاولة " أبي منصور" الطفل الإفلات من أمه ليقطف الرمانةً التي زرعها وجده, ثم يصف هول الموقف بقوله على لسان والد أبي منصور" ـ إذا أمهلتك القذيفة إلى أن تقطف الرمانة هل تضمن أن تمهلك حتى تأكلها" وبقيت الرّمّانة الحبة والرّمّانة الشجرة تجول في خاطر من تركها تحت وقع القصف والتدمير.
ونجح الكاتب بالربط
الزمكاني مع شخوص القصة في عودة أبي منصور وابنه لشجرة كان زرعها وجده قبل سبعين
عاماً, ليشكل من الحنين والاصرار على العودة متلازمة تستحضرها الذاكرة في كل حين,
ونجح أيضا في الربط بين جذور الشجرة وفروعها التي انطلقت في الفضاء بعد أن حاول
المحتل خلعها, وجذور صاحب الأرض وفروعه حيث ربط ما بين جد أبي منصور وابنه في
مشهديّة تسلسلية مدهشة لا تنقطع رسمها من
خلال صورة أبي منصور وهو ساجد خلال زيارته لأرضه, ثم عبر عن ارتجاف القلب والشّوق
بالدموع التي انهمرت من مقلتيه, ثم تحسسه بيديه غصون الشجرة التي نبتت وتفرعت,
تلاها الحديث عن الصّبّار ليرمز إلى مسألتي العناد والصّبر على المحن وشوك
الصّبّار الذي سيجرح حلق المحتل, وتلك البيوت التي مازالت آثارها تحكي حكاياتها,
ورغبته في التجول ليشاهد ما تبقى من القرية.
وفي مقصديّة لإثبات الأحقّية في الأرض, سطّر الكاتب حواريّة بين ضابط الاحتلال الذي منعهما من الزيارة بحجة ازعاج المتنزهين وبين أبي منصور بجمل جاءت على لسان أبي منصور مثل: "جئنا لزيارة قريتنا وبيتنا- نحن أهل المنطقة –أنا ولدت هنا وهذا بيتي- شجرة الرمان هذه جدي زرعها قبل سبعين عاماً- اسأل جدك أين زرع رمانته".
وينتقل الكاتب في تناص مع أبيات
أحمد شوقي التي يقول فيها:
(أحرام
على بلابله الدوح
حلال للطير من كل جنس؟
كل دار أحق بالأهل إلا
في خبيث من المذاهب رجس
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي)
جاء بحوار الضابط مع أبي منصور وابنه وصديقه, الذي اتهمه وابنه
وصديق ابنه بإزعاج متنزه شرقي الملامح مع شقراء غربيّة جاءا للتنزّه, يرتدي كل
منهما بنطالاً قصيراً في إشارة إلى اختلاف الثقافات, وتعريجه على رعب المحتل وعدم
استقراره حين عبر الشاب والفتاة للشرطة عن خوفهما من الإشارة باتجاههما - دون قصد -
بعصاً كان العجوز يتوكأ عليها, مما حدا بالشرطة للتحرك نحو المكان وتخييرهما ما
بين المغادرة أو الاعتقال, مما يشي بسياسة الاستقواء, فقد استطاعا بمكالمة مع
الشرطة اخراجه من أرضه ومنعه من زيارتها.
إرسال تعليق