وفق دراسة استمرت 17 عاماً وشملت مئة ألف شخص
تبين أن خطر الإصابة بالخرف dementia في سنوات متأخرة من العمر ينخفض لدى أصحاب الوظائف المحفّزة للذهن، بالمقارنة مع العاملين في وظائف غير محفزة، وفق بحث صدرت نتائجه أخيراً.
في البحث، تتبع العلماء ما يربو على 100 ألف مشارك في دراسات توزعت عبر الولايات المتحدة، وأوروبا، والمملكة المتحدة، وركزت على تفحص الروابط بين عوامل متصلة بالمهنة من جهة، والوفاة والعجز والإصابة بأمراض مزمنة من جهة أخرى.
واستطراداً، تتبعت الدراسة عاملين في مجموعة من المهن المختلفة، من عمال الغابات وصولاً إلى موظفي الخدمة المدنية وليس انتهاء بموظفي القطاع العام. وبالنتيجة، أشار الباحث الرئيس في تلك الدراسة إلى أن النتائج التي خلص وزملاؤه إليها، تدعم فكرة أن التحفيز الذهني في مرحلة النضوج ربما يؤخر ظهور الخرف.
ومنذ بعض الوقت، يسود اعتقاد مفاده أن التحفيز المعرفي يستطيع أن يؤخر الخرف أو يدرأ الإصابة به. ومع ذلك، فقد استندت تلك الافتراضات إلى عينات صغيرة من الناس وتدخلات قصيرة الأجل، وجاءت بنتائج غير متسقة، وفق الباحثين في الدراسة.
وبالتالي، من المستطاع تفسير نتائج هذه الدراسة الكبيرة متمثّلاً في أنه نتيجة التحفيز المعرفي احتوت أجسام المشاركين على مستويات متدنية من بروتينات معينة ربما تمنع بعض العمليات الضرورية في الدماغ.
ولقد جرى تتبع المشاركين طوال 17 عاماً في المتوسط بهدف معرفة إصابتهم بالخرف من عدمها، علماً أن مستوى التحفيز المعرفي الذي توفره لهم وظائفهم خضع للقياس في بداية الدراسة.
في توضيح علمي، أشار الباحث الرئيس في الدراسة البروفيسور ميكا كيفيماكي من "معهد علم الأوبئة والرعاية الصحية" في "جامعة كوليدج لندن" University College London، إلى أن "النتائج التي توصلنا إليها تدعم الفرضية التي تذهب إلى أن التحفيز العقلي في مرحلة النضوج قد يؤجل ظهور الخرف".
وفق البروفيسور كيفيماكي، تبين أن "مستويات الخرف التي لوحظت في سن الثمانين عاماً لدى من حصلوا على تحفيز ذهني مرتفع، ظهرت في سن 78.3 عام لدى من حظوا بتنشيط عقلي منخفض".
وأضاف البروفيسور كيفيماكي، "يبلغ متوسط التأخر في ظهور المرض (الخرف) سنة ونصف السنة تقريباً، لكن في الغالب ثمة تباين بين الأشخاص في ما يتصل بالتأثير" الذي يتركه التحفيز الذهني.
في ذلك الصدد، حدد الباحثون الوظائف المحفزة معرفياً بأنها تشتمل على مهمات ملحة وشاقة، وتنطوي على هامش مرتفع من القدرة على اتخاذ قرارات وظيفية، أو التحكم في الوظيفة، على غرار الوظائف التي يشغلها كبار المسؤولين الحكوميين، ومديرو الإنتاج والعمليات، والمديرون والرؤساء التنفيذيون.
في المقابل، وُصِفَت المهن غير المحفزة بأنها تفتقر إلى التحكم في الوظيفة وتشتمل على متطلبات منخفضة، على غرار وظائف أمناء الصناديق والعاملين في مجالات الزراعة وتربية الحيوانات وصيد الأسماك، وعمال النقل، ومشغلي المصانع المتنقلة.
وفي سياق متصل، أشار العلماء إلى أنه بسبب ساعات العمل الطويلة، يُعتقد بأن التعرض للتحفيز المعرفي [عبر الوظائف] يستمر "فترة أطول بكثير" من التدخلات المعرفية أو الهوايات المحفزة معرفياً.
وكذلك وجدت الدراسة أنه بعد أخذ العوامل المؤثرة في الاعتبار، وصل معدل الإصابة بالخرف إلى 4.8 شخص لكل مئة ألف شخص في المجموعة التي تعمل في وظائف ذات تحفيز عالٍ، بينما بلغ المعدل 7.3 شخص في مجموعة التحفيز المنخفض.
وتشمل العوامل المؤثرة المحتملة: العمر، والجنس، والتحصيل العلمي، ونمط العيش.
كذلك تبين أن النتائج لم تختلف باختلاف جنس المشاركين، وبين الشباب ومن تخطوا الستين عاماً من العمر. وفي المقابل، ظهر مؤشر على أن المهن الأقل تحفيزاً للعقل ارتبطت أكثر بمكابدة مرض "ألزهايمر"، وهو نوع شائع من الخرف بالمقارنة مع أنواعه الأخرى.
في سياق متصل، ذكرت الدكتورة سارة إيماريسيو، رئيسة قسم البحوث في "مؤسسة بحوث ألزهايمر في المملكة المتحدة" Alzheimer's Research UK أن "هذه الدراسة الكبيرة والمتعمقة تشكل إضافة إلى أدلة تشدد على الأهمية التي يكتسبها الحفاظ على النشاط العقلي من أجل المساعدة في خفض مخاطر الإصابة بالخرف".
وكذلك أشارت الدكتورة إيماريسيو إلى "بحث سابق وجد أن إبقاء الدماغ نشطاً يسهم في بناء احتياطي إدراكي، علماً أنه يشكّل نوعاً من المرونة [بالنسبة إلى عمل أعصاب المخ] تساعد الدماغ في (تجديد) روابطه العصبية بسهولة أكبر ومواصلة العمل لفترة أطول، عندما تستحوذ عليه أمراض كألزهايمر".
ومن وجهة أخرى، لاحظت الدكتورة إيماريسيو أن البحث الجديد "حدد أيضاً بروتينات في بلازما الدم ربما تكون مسؤولة عن هذه العملية"، موضحة أنه "يتعين النهوض ببحوث إضافية بغية تفحص هذه النتيجة بمزيد من التفصيل".
وأضافت الدكتورة إيماريسيو أن "اختيار الوظيفة ليس في متناول جميع الناس، لكن دراسات على شاكلة الدراسة الأخيرة تسلط الضوء على أهمية إيجاد نشاطات تساعد في الحفاظ على نشاط الدماغ، سواء عبر نوع العمل أو طبيعة الهوايات".
ختمت الدكتورة إيماريسيو بالإشارة إلى أنه "نظراً إلى عدم الوضوح حاضراً في ما يتعلق بأنواع النشاطات التي تعتبر الأكثر فائدة في بناء احتياطي إدراكي في الدماغ، يبقى العثور على أمر تستمتع بمزاولته عنصراً بالغ الأهمية، سواء أكان ذلك وظيفة محفزة أو قراءة الكتب أو تعلم لغة جديدة".
(أسهمت وكالة "برس أسوسييشن" في إعداد التقرير)
اندبندنت عربي
إرسال تعليق