في حفل أقل ما يقال عنه أنه بذر قمح المذاهب الأدبية في
حقل واحد، ودفع بالشميم من الورد إلى واجهة الأمل والتأمل، واصطاد فكرة التوازن بين وعي اللغة ووعي المفهوم،
أشهر الكاتب والفوتوغرافي صالح حمدوني، مساء أول من أمس، كتابه الجديد " زر
وسط القميص"، في بيت عرار الثقافي.
الحضور اللافت الذي تابع الحفل الذي نظمه ملتقى حقل
الثقافي بالتعاون مع مديرية ثقافة إربد وبيت عرار الثقافي، كان مبهجاً بتفاعله مع
رواد البحث عن الزّر الذي أخفاه حمدوني عن أنظار الشبق المعرفي، إذ تكاتفت أعمال
الحفر الذوقي التي قدمها على مساحات الأرض الخصبة كل من: الروائي هاشم غرايبة،
الناقد رائد محمد الحواري، والشاعر محمد العمري، وسقى جذورها القاصة روند كفارنة، تكاتفت على ترميم أدوات الأنساق التي يحتاجها
مثل هذا العنوان اللافتْ
لم تفلت فكرة التأويل من يد المعنى الذي ذهب المشاركون
إلى تفكيكه وإزالة القشرة المتاخمة لمتنه العميق، هل هي الصداقة التي تحدثها عنها
غرايبة، أم الزر المقطوع الذي أراده هكذا منحازاً إلى ذاكرة رعوية، أو الهامش الذي
يتجلى في عيون اللقطة، أو التصنيف، أو المهارة التي يشتغل بمعولها حمدوني على لعبة
التكثيف.
وهل هي الفكرة التي جمعها حواري في ضفة واحدة، أو هو
القالب الجديد الذي يأتي عليه حمدوني، أم تلك التفاصيل التي عرج إلى سماواتها ، المرأة، الوطن، والأماكن التي تمنح حمدوني الطمأنينة، أم هو العنوان الذي
ذهب إلى سيمياء حيواته وهو يفكك المضمون والشكل في تقارب واع.
أم هي الصورة التي رسمها العمري، أم هي اللغة المحكية،
أم النوافذ التي تطل على الشارع، أو العدسة التي تتصيد المشاهد، وهكذا عدسة اللغة
التي امتدت إلى مشهديات حمدوني، أم غربة الذات التي تألف الآخر وتتآلف مع المكان،
وحكاية الوطن ولعنته، واللغة الإيحائية المتنمرة، لغة تقود النص إلى حيث تريد.
صـــــورٌ تبـــــحثُ عــن صــــــورٍ، جُــــــمَلٌ تُعـــــانقُ الــــــــكلامَ .
لــــــكنَّ وجــــهَكِ عـــــطرُ الحــــــكي ، ويــــديكِ صـــــورةُ المــــعنى
الأمسية التي أعقبها توقيع نسخ للحضور، فاض بها اللون
وتجلياته، وركّزت زاويتها العدسة لتحضر التفاصيل الدقيقة التي لا غنى عنها، وأتمَّ
إشراقها نصوص حمودني التي ألقاها على موائدنا، فتعالق وجداننا معها ونحن نرى الوطن
والذات وإنسانية الفكرة، تتجسد كلها في لوحات سيكون لها حضورها الأجمل بين سطور سردية
الكتابة، وهي تتسرب من بين أصابعنا إلى موائدنا ذات كتابة.
مثلُكِ أنتِ هذا المساء- صالح حمدوني
فــــي هــــذهِ السَّـــاعــــةِ أحــــدٌ يثيــــــرُ
فــــيَّ الــــروح ... ينفــــخُ فـــي روحـــــي
إنَّــــهُ
صــــباحٌ أتـــوضَّــــأُ فيــــه مــــن عيـنــــيـــكِ ، فـــأنــــا مـفــتـــــــون
ســـــرقْـــــتُ
بالأمــــــسِ ضــــحـــــــكاتِ عــيــنـــيـــكِ ، ومــــا أحــسَـــسْــــتُ بــذنـــب
ســــرقْتُ
ابتــــــسامةً من يــــدكِ ومـــــا رجمــــــــونـــــي
ســـــــرقْتُ
من وجــــهِكِ لمـــــــسةً وما صـــلبـــــونــــي .
تعالـــــي
مـــــــلاكًا ، تعالــــــي شــــــجرًا ،
يفتـــــــحُ لعيــــــــنـيّ الســــَّــــــــــماءَ
،
تعالــــــي لأصــــــــلّي .
الياســـــــمينُ مشـــــــهدُ الفــــــــردوسِ
الجـــديـــــــد
شــــــــكلُ
المـــــخيَّمِ الضَّـــــــاحـــــــكِ علـــــى عـــــتباتِ المـــــــدن ،
أمنيـــــــاتُ
صمــــــتِ التِّــــــــلال .
مثلُ رمــــــشِ البـــــحرِ، مثـــــــلُ نرجــــــــسِ
الدُّنيــــــــا ،
مثلُكِ
أنــــتِ هذا المـــــــساء .
دمــــشقُ شـــــكلُ الـــــــروحِ ، ياســـــمينُ
الحــــــواري القــــــديمةِ ، وجــــعُ وقلــــقُ النـــــشوةِ ، اســــمُ المــــــدينةِ
ورأفــــةُ الشـــــهوةِ .
كـــــانت دمـــــــشقُ ملـــــتقى الحـــــبِّ
وبــــــردى ،
كنــــتُ أذهــــبُ إليـــــها وفــــي بالــــي
حـــــيفا
فــــي بالــــي أنْ أعــــــودَ إليـــــكِ
يــــانعًا أخضــــــرًا مــــثلُ دالــــــيةٍ .
أنْ أمـــــسحَ عـــن خــــــدِّك غــــــبارَ
التَّعــــبِ .
حـــــيفا يا وجعــــــي ، وألقــــــي ومـــــــفتاحَ
المـــــدنُ الجمــــــيلةِ
كنتُ أخـــــرجُ والحـــــزنُ في خاصـــــــرتي
. كنتُ أحمـــلُ عنكِ مــــللَ الصـــــــباحِ ،
كنتُ أرى الأفـــــقَ قنــــــــديلَ أغـــانـــــــي
، فأغـــــــــنِّي لكِ :
"والله لأزرعك بالدَّارِ يا عودَ اللَّوزِ الأخضرِ
"
وأــتعمّــــدُ أن أُغـــــيِّرَ فـــي الأغـــنيةِ
، لتنــاســــبَ اســــــمكِ . وأنا أتبــــعُ الــــــرائحةَ .
أصــلا الـــدنيا مــــليانـــة صــــور وحــــكي
.
صـــــورٌ تبـــــحثُ عــن صــــــورٍ، جُــــــمَلٌ
تُعـــــانقُ الــــــــكلامَ .
لــــــكنَّ
وجــــهَكِ عـــــطرُ الحــــــكي ، ويــــديكِ صـــــورةُ المــــعنى ،
وطــــــني حـــــكايةٌ ومــــــنفى ،
بـــردٌ ووجـــعٌ وســــطرٌ بـــعدَ السَّـــــهوِ
، حـــبٌّ ونــــورسٌ علــــى شــــــطِّ البـــــحرِ ،
ومـــوجــــةٌ ضــــاحـــــكةٌ تــــزحـــفُ
بصــــــمتٍ لتلمـــــسَ
قـــدمَـــــكِ الغــــافلـــــــةَ .
غـــــرفةُ القلــــبِ ، الـــــكرســـــــيُّ
، الكــــتبُ ، الدَّفــــــاترُ ، قـــــلمُ الحـــــبرِ الفضـــــيِّ ، غـــــــلَّايةُ
القـــــهوة ِ، الفُنــــجانُ المُنـــهَكُ
وأشـــــياءٌ أخــــرى تنتـــــظرُ شــمــــسَك
،
ضَــــــوْءُ ضحــــــكتِكِ ،
لمـــــستُكِ ،
كلُّــــــها تُمــــــسكُ طـــــرفَ ثــــــوبِكِ
، كـــــي لا أضـــــيعَ .
لأعــــــــودَ إليـــــكِ ، محتفـــــلًا كــــدبــــكةِ
الـــــرِّجال علــــى ســـــفحِ الــــــكرملِ .
لأولــــــدَ من شـــبقِ مــــــوجةٍ عـــــلى
شــــــاطئِ حـــــيفا ، من جـــــــدولٍ فـــي أوديــــةِ طـــــــبريا ،
مــــن تـــــلِّ إربـــــدَ ، مــــن مـــخيَّمِــــــها
،
زاحــــفًا زاحــــــفًا مــــثلُ نعنــــــاعٍ
وحــــــشيّ ٍحـــتى قـــاســــيون
زاحــــفًا حـــــتّى ( دُمّـــــــر)
حــــــتَّى غـــــرفتِكِ الـــــوحيـــدة ِ
حــــتى أنــــينِ طــــاولتِـــــها الصَّـــــغيرة
ِ
حـــــتى غــــــربةِ ركـــــــــنِها القــــــــصيِّ
حـــــــتى حـــضـــــنِكِ
لأقــــــولَ كلـــــمةً أبـــعـــدَ مــن الحـــــنينِ
، أبعـــــدَ مـــن الـــــطفولــــةِ المـــــسلوبــةِ ، أبـعـــدَ مــن غـــــبارِ
الحــــربِ والكـــــهولةِ :
آاااااااااااه .
لــــــشفاهِكِ طــــعمٌ آخـــــــرَ ، لقلـــــبِكِ
نبـــــضٌ آخـــــرَ ،
يُطـــــلقُ الجـــــسدَ إلــــى جــــــنونِه
الأبــــــديّ ،
فيــــــسجدُ عـــــندكِ الـــــكونُ .
خـــــذي روحــــي يــا ســـــيدةَ الــــكينونــــةِ
،
يا عــــــتبـــةَ القِـــــــدِّيســـينَ إلى
بــهاءِ الجسدِ .
نـــولدُ مــن جـــــديدٍ كلَّ ســـــاعةٍ ،
ومـــع كلِّ شـــــهقةٍ يــــغارُ الــــــزَّبد ُ،
ويعـلـــو
مـــوجُ صـــدرِكِ .
أيُّ غــيابٍ فــــي حـضـــورِكِ ســــيِّدةَ
التفـــاصــــيلِ ،
يا نــــهرَ
الأغنيـــــاتِ
يا تعـــــويــــذةَ الـــــغائبيــــــنَ .
أمــــطرِي فــــصولًا من الشَّــــهوةِ والــــغيابِ
. ليخــــرجَ الرَّبيــــعُ أخــــضرًا يانـــــعًا في تفاصــــيلِ الجــــسدِ الإلهـــــيِّ
.
أمــــطرِي شــــــوقًا ،
حـــــبًا ، لهــــــفةً ،
ليــــــصيرَ للــــــرُّوح وجــــهَها الإنــــــسيِّ.
فاللُّغـــــةُ – مثلــــي – تجتــــــاحُــــها
الرَّائــــحةُ .
إرسال تعليق