سلّامة الجماعيني تجعل من جناحي وردتها
بساطاً للرّيح
تجعل من ذكرى الحبيب أوكسجين الحياة
بعد أن
كانت سلّامة الجمّاعيني قد أفردت سجادتها على مساحات شاسعة من مفردات صلاة العشق,
في حالة من الإحلال الصوفي, ورفعت يديها إلى السماء, تخاطب روح الحبيب المرّة تلو
المرّة, في دعاءٍ انتشرت ذبذباته في الفضاء لتقول, ما زلت أدعو دعاء الوفاء,
فاترك روحك هنا ودعها تداعب روحي فأنا في شوق إليك لا يعلم مداه إلا من خلق
الشوق, وجعل منه لغة للتواصل بين البشر. تنطلق سلّامة على عجل, تدخل حديقتها الغناء والمزروعة بالورد بكل
الأشكال والألوان, وبكامل وعيها تقطف وردة من الورود التي جعلتها وقفاً لروح
الحبيب.
وبجرأتها
المعتادة على جعل الروح تلتحم بالروح, وبقدرتها المشهودة على استحضار روح من
أحبت, تجعل سلّامة من جناحي وردتها بساطاّ للريح "على جناحي وردة" تحفر
العنوان وتهيم في فضاءاته وتحلق في السماء, حتى تصل القمر وقد صار بدراً, فتمطره
برحيق الكلمات التي عصرتها في رحلة الذهاب والإياب, وتستمطر روحه بعبق الوجد,
وعبق الفقد وتعود .وتبقى في حالة من الصّعود والهبوط, إن
صعدت, كان لها أن تعيش في ضوء البدر سويعات, وإن عادت رافقها ضوؤه لتستقر حيث
استقرّت, وجاءت روحة لتجعل من وجودها نواةً, تحوم في مداراتها.
وعلى
جناحي وردة, تمارس سلّامة أولى ومضاتها بهمجية الملهوف, الذي ذاق طعم الحب, وفي
ليلة ظلماء انكسر الحب وباتت الروح تخاطب الروح وتقول: سأمارس همجيتي على مساحات فمك وأقرأ عليك
آياتي، إذن هي حالة تحيل الوعي إلى اللاوعي, وتنتج همجيّة في السلوك, همجيّة في
شغف الحب, ويكون الفم مسرحاً لهذه الحالة, وتستكمل ما تبقى من صلاة العشق, وتعيد
إلى حالة الإحلال الصوفي وتقرأ آيات لم يكن المقام يتسع لتلاوتها في صلاة
العشق, فكانت على بساط الريح, على جناحي وردة.
تأتي الرّوح وترتحل, لتبقى على دوام السعادة حين الحضور
وعلى
جناحي وردتها الخامسة, كان القتل هو العنوان فكتبت تقول: غيابك الطويل أوراقي ممحاتي.. ساعة الحائط تقتل حنيني إليك وهل يقتل
الغياب الطويل الحنين؟ أبداً, لا يقتل الغياب الحنين, وعندما تقول قتلني غيابك,
لا تعني الانتقال من الحياة إلى الموت, بل تعني أن الشوق بات يأكل ملامحها
ويحيلها إلى حالة من العذاب, فأنا أعاني, لكنه قدري أن أبقى في حالة انتظار,
ونجد في الومضتين تناصاً مع كلمات إبراهيم ناجي وأغنية الأطلال التي لحنها رياض
السنباطي:
لست
أنساك وقد أغريتني ..
بفمٍ عذب
المناداة رقيقْ
ويدٍ
تمتد نحوي كيدٍ ..
من خلال
الموج مدت لغريـق ْ
يا
حبيباً زرت يوماً أيكه ..
طائر
الشوق أغني ألمي
وحنيني
لك يكوي أضلعي ..
والثواني
جمرات في دمي.
وكانت الومضة السابعة في صميم ما قلنا, فقد تأتي الرّوح وترتحل, لتبقى على دوام السعادة حين الحضور, فلا يمكن فك الارتباط بين روحين تعيش كل منهما على ذكرى الروح الأخرى, فالروحان صنوان متلازمتان وتنجح سلامة في تحويل روح الحبيب إلى نسيم عليل, يشفي القلب وروحها, وتجعل من ذكراه أوكسجين الحياة . حين ترتحل أترك لي بعض الذكرى فمن الحب أن أتنسمك وقد مارست سلّامة العشق في كل قصائدها, ونصبت من ضلوعها خشبة لتكون مسرحاً لا يحلو العشق إلا من خلاله, فكانت وسيلة للتعبير عن حالة الحب الذي ما زالت تعيش, وعند كل فجر تستجمع القصائد لتصلي على سجادة نسجت خيوطها من حروف الحب. كل قصائدي التي أحببتك فيها رتقتها أمي في الفجر سجادة صلاة وما الحب إلا مشاعر وأحاسيس داخلية, لا بد من التعبير عنه بطريقة أو بأخرى, اخترنا منها نماذج لتكون شاهداً على ما أقول.
إرسال تعليق