هوامش لافتة ذات علاقة:
*أنهيت
قبل مدة قراءة رواية جورج اورويل “متشردا في باريس ولندن” الذي يتحدث فيها عن
معاناته كمتشرد فقير في المدينتين في ثلاثينات القرن المنصرم كاشفا خفايا التشرد
والمعاناة أثناء وجوده مع رفاقه مسلطا الأضواء على تفاصيل غسل الصحون في المطاعم
الباريسية القذرة وحياة التشرد البائسة بلندن القديمة ولا مجال لمقارنة متعة
القراءة التفاعلية الطريفة الصريحة الفريدة هنا مع ملل وتصنع قراءة معظم الروايات
العربية التي تحفل باللاواقعي والمفتعل والسماجة والرسائل الباطنية المضللة …فتبا
لأي كاتب يتجرأ وينشر رواية بلا مهارة سردية ولا موهبة وصفية وصراحة كاشفة وإمتاع للقارئ…
*سبحان الله للمفارقة فقد تحسرت روائية شهيرة لعدم
فوز روايتها عن القدس بالرغم من فوز روايتها العادية عن كابول بجائزة “كتارا”
المرموقة وهي التي لم تزر أفغانستان في حياتها فكيف تتجرأ وتكتب رواية
مستمدة من الخيال الافتراضي…ثم تقدم شهادة إبداعية تحفل بالتحسر والاستغراب بينما
قدم زميلها المبتدئ في الكتابة الروائية شهادة إبداعية أخاذة تدل على نبوغه
واستحقاقه للجائزة الشهيرة: فيا للمفارقة بين ناس متعالية بطرانة وناس مبدعة
متواضعة فيها إشراقة! حيث يبدو لي أن معظم لجان الجوائز العربية لا يتعمقون كثيرا
بتفاصيل الروايات المرشحة للفوز والله اعلم!
* أنهيت تقريبا قراءة رواية جورج اورويل في الهواء
الطلق حيث أنصح معظم الروائيين العرب بقراءتها ليتعلموا الانسيابية والشفافية
وبلاغة الوصف العميق اللافت للأشخاص والأمكنة والأهم كيف تتجنب أن تكون مملا وثقيل
الظل… كذلك يقودك “جورج اورويل” لروعة الصدق والصراحة بسرده الخلاب
لانطباعاته وعلاقاته بدون تزييف وتجميل وادعاء وتصنع!
*على فكرة الغرب وفي خضم الحرب الباردة سلط الأضواء
بقصد على نمط روايات محدد لارويل لمقارعة الاتحاد السوفيتي ونظامه الشمولي ونسي أو
تناسى بقصد رواياته اليسارية الممتعة الفاضحة للنظام الرأسمالي المتعفن وانجررنا
كعرب وراء ذلك كالعادة!
*أكاد انهي رواية الطلياني (التونسية) الفائزة
بالبوكر، ولم أجد فيها إلا مشاهد جنسية سافرة لا تنتهي على خلفية تواترات ونقاشات
سياسية وقمع من فترة بورقيبة وابن علي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وأساس
الرواية غير مقنع يتحدث عن شاب وسيم متمرد وشقيقه الأكاديمي الطموح ومسار حياتهما
المتناقض، كما يتحدث عن فتاة ريفية جميلة جامحة تتعرض للاغتصاب معا من قبل والدها
وشقيقها بطريقة همجية غير مفهومة…إذا كانت هذه الرواية واقعية لحد ما فيكمن لنا أن
نفهم إذن أسباب تذبذب المجتمع التونسي الصارخ ما بين الداعشية السلفية والفلتان
الأخلاقي، حيث يبدو انعدام الحلول الوسط …والله اعلم
*سمعت طرفة واقعية تتحدث عن روائي غربي بحث عن
قارئة انتقدت روايته الأخيرة بشدة ثم قام بضربها…ورفعت عليه قضية…هذه ما اسميه
“الضرب الانفعالي بمواجهة النقد الموضوعي”، وعند العرب لا يحدث هذا إلا قليلا مع
كثرة السحيجة والنقاد “المنافقين الغير- موضوعيين” ومع كثرة عقد النرجسية
والانتفاخ التي يعاني منها معظم الروائيين العرب!
*أما أسلوبي في التلخيص الفريد الجديد (القديم)
للكتب والروايات فيستند في وضع أهم الفقرات والجمل المعبرة الوصفية المدهشة
والفريدة بلا تدخل وتعليق وتحليل (من وجهة نظري طبعا وكما فعلت أعلاه بتلخيصي
للكتاب)…تاركا للقارئ النبيه الفرصة ليطلع ويبدي رأيه وفضوله إن وجد وليوفر على
نفسه قراءة رواية مكونة أحيانا من حوالي ال300 صفحة وأكثر وربما تزيد رغبته بقراءة
الكتاب عندئذ، وخاصة وأن معظم العرب “لا يقرؤون” كما هو معلوم إحصائيا …وهذا الأسلوب
“الريادي – المبتكر” الخاص قد لا يلقى أحيانا الرواج لدى بعض النقاد والكتاب
والمحررين في الصحف وبعض المواقع الالكترونية والناشرين بالتأكيد وهم على أي حال
قلة محدودة وهم أحرار فهذا أسلوبي من منطلق “قل كلمتك وامش”…أو “ضع ملخصك
وامش”…ولكم خالص تحياتي و “قراءة سعيدة تفاعلية”، وقد فوجئت بروائيين مشهورين
يعجبهم هذا الأسلوب الريادي فيضعون مقالتي الملخصة لروايته على صدر صفحتهم في
الفيسبوك مما سرني كثيرا…
*بصراحة فخلال الخمس سنوات لخصت وكتبت عن خمسة
روايات عربية ولا احد من هؤلاء يستحق (من وجهة نظري الخاصة) أن يقضي المرء الساعات
الطوال لقراءة روايته المليئة بالملل والتكرار والاجترار والاقتباس والتطويل واللاواقعية
مع خيال “متواضع-واهن”… ومقابلها يحصد الجحود والنكران من هؤلاء الكتاب المتعالين
“المغرورين” بمعظمهم، وربما اختياري لهذه الروايات لم يكن موفقا من أصل تشكيلة
ضخمة فيها “الغث والسمين” بالتأكيد…لذا لن اكرر ذلك لرواية إنسان عربي إلا نادرا،
علما بأني لخصت رواية خيال علمي لكاتب مصري يعيش في المهجر وقدر ذلك كثيرا مع أني
انتقدت بعض الطروحات بكتابته، وكذلك فعل الروائي الجزائري المبدع “واسيني الأعرج”
صاحب رواية العربي الأخير (وهي كذلك خيال علمي رائع) فهو يستحق التقدير والتبجيل لإبداعه
وعمق كتابته التي تحمل نفسا روائيا عالميا لافتا: حيث عنده رأي لافت يبرر فيه ضعف
السرد والحبكة في الرواية العربية وينسبه لما يسمى النص “الأملس”: الذي يقول كل
شيء، إلا ما يجب قوله: لهذا يعاني النص الروائي العربي اليوم من كثير من المعضلات
الثقافية والاجتماعية التي لا يملك لها حلولا: وهذا ما اكتشفته بالبديهة وبالذائقة
الأدبية والحس الجمالي تجاه النصوص الروائية والقصصية!
*يمكن القول بسهولة إن قراء الأدب يمتلكون حسًا
راقيًا وقدرة على فهم شعور الآخرين، وقدرًا من الذكاء، لكن ولفترة طويلة لم يتمكن
العلماء من حسم الإجابة حول السؤال عما إذا كان الأذكياء يجدون شغفًا بقراءة الأدب
أم أن قراءته هي التي تزيد معدّل ذكائهم، وعما إذا كانت قراءة الروايات مثلًا تزيد
قدرة الأشخاص على التعاطف مع الآخرين أم أن الأشخاص الذين يميلون للتعاطف مع
الآخرين في الأصل، هم من يحبون قراءة الشعر والأدب كثيًرا!
إرسال تعليق