-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية
  • recent .
  • جاري التحميل ...
  • recent .
  • طارق فراج الفائز بجائزة الطيب صالح

           
         الروائي طارق فراج

     طارق فراج الفائز بجائزة الطيب صالح : الجوائز تنتشل مبدعًا من هامش الظل واعتراف رسمي بأعماله

    حوار - رابعة الختام
    بوابة الأهرام
    البيئة الجنوبية أثرت مشروعه الإبداعي، ودعمت منتجه الثقافي، فبدأ طريقه في الكتابة شاعرًا، ترجم الصحراء وواحاتها شعرًا وتوجها بديوان "صحراء العابرين" الصادر ضمن سلسلة تجليات أدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2012. أصدر عدة روايات فكانت الرواية الأولي "الشقوق"، عام 2003


    طارق فراج الفائز بجائزة الطيب صالح للرواية في حواره لـ «بوابة الأهرام»: الأفكار كما الأحجار ملقاة على الطريق.. والجوائز جواز مرور للكاتب واعتراف رسمي بأعماله

    تأثر طارق فراج الروائي والقاص الفائز بجائزة الطيب صالح فرع الرواية في دورتها الحادية عشرة عن روايته "لعبة السفر"، بحيوات أهل الجنوب وخاصة الواحات المصرية.



    ورواية "باب للخروج" وحصل من خلالها على منحة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بدولة الإمارات لعام 2009 ثم حصل على منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) لعام 2012 ورواية "الهبوط لأسفل ببطء" و"مليحة" وأخيرًا رواية "رمال سوداء" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 2019 ورواية "لعبة السفر" الفائزة بجائزة الطيب صالح هذا العام.

    وما بين الرواية الأولى والأخيرة ثمة مشروع روائي يتخذ منحى الكتابة عن الواحات التي لا يعرفها أحد. كتب عن مجتمع الواحات في الفترة من أربعينيات القرن الماضي وصعودا للعصر الحديث، لا يتخذ فراج فترات تاريخية محددة، بل يصعد ويهبط مع الزمن حسب ما تأخذه فكرة الرواية وهوى شخصياتها.

    طارق فراج روائي وقاص وباحث في التراث ومترجم، له بعض دراسات نقدية وكتاب عن الأمثال الشعبية بعنوان "لمحات من أمثال الواحات".



    ترسخ "لعبة السفر" لبيئة مغايرة، الحضور الطاغي للمكان يلقي الضوء على تلك الرواية الكاشفة لطاقة النور في قلوب أهل الواحات الطيبين، لأهل الجنوب المنسيين من إبداعات الكتاب منطقة نائية ذات خصوصية متفردة، تعالج الحياة البسيطة في مجتمع الواحات الذي ظل منغلقا على نفسه لسنوات طويلة.

    في حواره لـ «بوابة الأهرام» يلقي فراج الضوء على المشهد الأدبي، ودعم الجوائز للمشروع الثقافي والنهضوي، والترجمات ومدى تحقيقها للطموح الإبداعي.

     

    هل تاثر مشروعك الثقافي والادبي بكتابات الطيب الصالح؟

    كتب الطيب صالح العديد من الروايات التي تُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة وهي "موسم الهجرة إلى الشمال"، "عرس الزين"، "مريود"، "ضو البيت"، "دومة ود حامد" و"منسى" إضافة إلى عدة مجموعات قصصية. وتعتبر روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" واحدة من أفضل مئة رواية في العالم. مَن منا لم يقرأ الطيب صالح، ويحلق معه في سحر إبداعه؟ بالطبع قرأت أعمال الطيب صالح؛ الأعمال الروائية على وجه الخصوص، وما زلت أرى أمام عيني سحر أمكنته وشخصياته واضحًا، كما قرأت غيره من الروائيين عربيًا وعالميا. لقد بدأت أكتب الرواية بعد مرحلة من النضج تكفي بألا أقتفي أثر كاتب ما. كلنا يحب كتابات الطيب صالح ويشهد له بالعبقرية. لكنني بدأتُ شاعرًا وبالتأكيد تأثرت في بداياتي بشعراء آخرين وقلدت كتاباتهم، ولم ينعطف بي الدرب إلى براح الرواية الشاسع إلا بعد سنوات طويلة من ممارسة كتابة الشعر. لكن مما لا ريب فيه أن القراءة شجرة مثمرة تعطي بسخاء وتتراكم ثمارها داخل الكاتب رويدًا رويدًا مكونة أرضًا خصبة يستطيع بعد ذلك إلقاء بذور إبداعه فيها وريها والعناية بها. لم أقتصر يومًا على قراءة الأدب بل إن نفسي تتوق في أحايين كثيرة إلى قراءة- إلى جانب الأدب- كتب الفلسفة والأنثروبولوجيا وما يُكتب حول التصوير الفوتوغرافي والرسم؛ هؤلاء جميعًا هم أساتذتي الذين أدين لهم بالفضل.

    رايك في الجائزة وما يصاحبها من زخم ادبي واثراء للمشهد الثقافي

    بالنسبة للكاتب، يمكن أن تكون الجائزة بمثابة اعتراف رسميّ بأعماله وجواز مرور إلى انتشار أكثر، إلى التعريف بالكاتب وبأعماله، هذا إن لم يكن قد أثبت نفسه بعيدًا عن دوائر الجوائز قبل الفوز، وهي بالطبع حافز معنوي مهم يتيح لصاحبها أن يشخذ العزم ويحاول أن يصل في نصوصه القادمة إلى أقصى قدر من الإبداع يمكن الوصول إليه، وقد تعني الجائزة المقابل المادي أيضًا. قد تنتشل الجوائز كاتبًا مبدعًا من هامش الظل إلى دائرة الضوء، وتصل بنصوصه إلى القراء، كما تفسح المجال لأن توضع أعماله على منضدة النقد. تقول "جينفر سالاي" في مقال لها في "نيويورك تايمز" في كل عام، يخبرنا الصندوق الوطني للفنون أن عددًا أقل من الناس يقرؤون، وأن العديد ممن يفعلون ذلك يقرؤون عددًا أقل من الكتب. يمكن أن تكون الجائزة الأدبية بمثابة نوع من الصخب ولفت انتباه للقاريء، "إذا قرأت كتابًا واحدًا فقط هذا العام، فمن الأفضل أن تجعله هذا الكتاب". وتقول أيضًا في المقال ذاته "العملة الحقيقية للجوائز هي الاعتراف - في ندرة المعروض حيث تكافح الكتب الجيدة النادرة أن تتغلب على الوفرة المبتذلة التي يزدحم بها سوق الكتاب".



    في مجال كتابتك كروائي؛ إلى أي مدى استفدت من عملك كمترجم؟

    الترجمة تفتح أمامي عوالم أخرى يمكن أستكشافها، ودروب جديدة لم أطرقها من قبل. يحاول المترجم قدر استطاعته أن يترجم روح النص ونبض الكلمات وأمزجة الشخصيات وحالتها النفسية ومشاعرها وكل ذلك يفيدني كروائي ذلك لأنه ما من كلمة أو عبارة جديدة يتعلمها الإنسان إلا وتقع داخله بمكان. يستطيع الروائي بسهولة أن يتقمص شخصياته ويغوص داخل أحوالها النفسية وأفكارها، بيد أنه من الصعوبة تقمص الشخصيات التي تقوم بترجمتها من لغة أخرى، وتظل الترجمة ساحرة ومدهشة ومجهدة جداً وأيضًا قوة دافعة في تخطي حاجز المكان والزمان نحو عوالم ما كنت أستطيع أن اختبرها دون العمل في حقل الترجمة.



    هل مشروع الترجمة في الوطن العربي حقق طموحه المرجو؟

    مع هذا التتابع التكنولوجي المذهل والتدفق المعلوماتي عبر وسائل الاتصالات والتواصل الحديثة، يزداد العبء على كاهل المؤسسات المعنية بالترجمة والتي تلهث محاولة اللحاق بذلك التدفق المعرفي العالمي الهائل الذي لا يتوقف. يعد مشروع الترجمة في الوطن العربي – رغم كل المحاولات – طفلًا يحبو إلى جوار مركبة عابرة للصوت. ثمة مؤسسات عربية مهمة في حقل الترجمة تحمل العبء الأكبر ومنها المركز القومي للترجمة في مصر الذي تعاملت معه عن كثب وأعرف أنه يحاول تغطية كافة الحقول العلمية والأدبية في مجال الترجمة عن أكثر من ثلاثين لغة أجنبية، مترجمًا أمهات الكتب الأجنبية إضافة إلى الكتب الحديثة في كافة المجالات وأنا أزعم أنه منبرًا عربيًا مهما ورئيسيًا في حقل الترجمة وجسرًا للتفاعل الثقافي بين الحضارة العربية والحضارات الأخرى. هناك أيضا مشروع طموح في دولة الإمارات العربية المتحدة تتبناه مؤسسة "كلمة" محاولة ملء تلك الفجوة في المكتبة العربية من الكتب المترجمة في كافة العلوم. الجميل في مشروع "كلمة" أنه يدعم ملتقى للترجمة، بشكل دوري، يشارك في ورشاته مترجمين عالميين وعرب تهدف إلى الارتقاء بجودة الترجمة في البلاد العربية. كما تقوم بعض دور النشر الخاصة أيضًا بدورها في هذا المجال. لكن يظل الفرق شاسعًا بين عدد الكتب المترجمة في الوطن العربي مقارنة ما تتم ترجمته في الغرب. ثمة معضلة خطيرة لم تحل بعد، ألا وهي ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية حيث أن صورة الإنسان العربي ما زالت مشوشة ومغلوطة لدى الشعوب الغربية وما زالوا ينظرون إلى العربيّ على أنه إرهابي وخائن وقاتل. نحن السبب الأساسي في تكوين هذه الصورة لدى رجل الشارع في الغرب والتقصير واللوم لا يقع إلا علينا. سوف تبقى هذه الصورة طويلًا، إذا انتظرنا أن يبادر غيرنا بترجمتنا إلى اللغات الأجنبية.

    هل نجحت الكتابة في تغيير بعض واقعنا ام يكتب المبدعين في غرف مغلقة للصفوة؟

    فلنترك من يكتب للصفوة في بُرجه العاجيّ بعيدًا، محاطًا بأحلامه الخرافية عن تغيير الواقع. إن الأدب الحقيقي هو جوهر ثقافة الشعوب ونبع مائها العذب الذي يرتوي منه العاديون والبسطاء. لم أستطع يوما أن أطرح أحزاني بعيدا وألقي رأسي على راحة الليل وأستريح. أجزم إنني حين أكتب إنما أحتوي بين أنفاسي رائحة الحياة بعطرها وراحتها، بكل قسوتها، بأفراحها وأتراحها. بعد أن سبرت غور ذاتي؛ شعرت أنني لم أعد وحيدا في هذا العالم. كيف يحدث هذا والكتابة تتخذ مني صديقا يأنس بالدفء بين كل الموجودات، فتسري في دمي خضرة الأشجار، وتلمع في عيني أضواء النجوم البعيدة. إنه الأدب، أوقعني في دوامة بحره الهائج، وقال لي لن تطأ اليابسة إذا لم ينجُ العالم معك. الكتابة هي أفضل وسيلة للحفاظ على عبق الأماكن والاحتفاظ برائحتها طازجة، الاحتفاظ برائحة ناسها الذين غيبتهم الحياة، بعد أن كانوا ملء السمع والبصر. ربما يكون هذا أقصى ما يستطيعه الكاتب: أن يكتب؛ كي يسقط ذلك الجدار الشاهق الذي يقف حائلًا أمام أعين البشر، كي يضيء ذلك الفانوس المطفأ المعلق على مدخل الزقاق. الكتابة بديلًا عن الموت، وتشبثًا بالهوية وطريقة عادلة للخلاص.

    ما علاقتك بالكتب الالكترونية والمسموعة؟ وهل سحبت التكنولوجيا البساط من تحت اقدام الكتابة الورقية؟

    انتشرت منصات الكتب الإلكترونية وتطبيقات الكتب الصوتية أو المسموعة في الوطن العربي منذ ما لا يزيد عن خمس سنوات، أو أقل. وظلت محصورة لنصف هذه المدة تقريبًا بين فئة الشباب الذين وجدوا سهولة في التعامل مع المنصات الإلكترونية والأجهزة المحمولة موفرين على أنفسهم عبء شراء، أو حمل كتاب بين أياديهم. إن فيضان التكنولوجيا قادم لا محالة على جميع الأصعدة وأرى أنه يخدم الثقافة بشكل عام في هذه النقطة حيث لم تعد التطبيقات الصوتية قاصرة على ديوان شعري أو مقتطفات من هنا وهناك بل أصبحت تقدم الآن كتبًا فكرية وروايات لكُتاب كبار. يبدو أن عدد زوار هذه المواقع في تزايد وإن كان معظمهم- على حد علمي- يدخل ليقرأ أو يسمع الجزء المجاني من الكتاب، ناهيك عن أن بعض هذه المواقع لا تهتم بجودة المحتوى بما يليق بمنصة تقدم ثقافة عربية من المفترض أنها ستشيد بنية تحتية أساسية لقاريء عربي مثقف. ولا تزال التجربة في طور التكوين عربيًا وبالتالي لا تزال أمامها بعض المشكلات التي تحتاج إلى حلول مثل طريقة الدفع أو عدم تنوع المحتوى الذي تروج له بما يقابل أو يرضي كل الأذواق. لقد اعتاد الشباب على مثل تلك الوجبات السريعة من الثقافة والتي نجدها على محركات البحث أو على وسائل التواصل الاجتماعي والتي لا تنشيء جيلًا واعيًا مثقفًا يجب عليه أن يتسلم شعلة الثقافة ويمررها بدوره إلى الجيل الذي يليه. أعتقد أنه لا غني، في كل الأحوال، عن الكتاب المطبوع، حيث يتهيأ الواحد منا للقراءة جامعًا كل حواسه ومركزًا كل انتباهه داخل الكتاب.

    يقال ان الكتاب المترجم ليس هو الكتاب الحقيقي الذي كتبه مبدعه الأول فما هو رايك؟

    هذا القول على جانب كبير من الصواب، لماذا؟ لأن الكاتب حين يكتب إنما يكتب ذاته، واقعه، بيئته التي درج فيها ومراح طفولته، مكانه الذي خبره جيدًا وعركته فيه الحياة بناسه وكل ما فيه من موجودات، والمترجم، بالتالي، لم يعش ذلك الجو، ولم يمارس تلك الطقوس التي مارسها الكاتب ذات يوم، وبناء عليه يحاول المترجم جاهدًا أن يتماهى مع واقع ما يترجم وأن يضع نفسه مكان الكاتب محاولًا رؤية الأحداث ومعايشة الشخصيات. لكن يظل الكتاب رهنًا بمدى إخلاص المترجم وتفانيه. بالنسبة لي، أحاول جاهدًا أن أفعل ذلك إضافة إلى أني أقوم بجمع صورًا ومعلومات وافية حول محتوى الكتاب الذي أنوي ترجمته. ومع هذا فإن الكتاب المترجم هو كتاب تم تأليفه مرتين.

    إرسال تعليق

    التعليقات



    جميع الحقوق محفوظة

    العهدة الثقافية

    2016