كسرة خبز لحسن ابراهيمي
قراءة للناقد د. سلطان الخضور
في
كتابه "كسرة خبز" والمصنف كشذرات أدبية, الصادر عن دار المختار للنشر
والتوزيع عام 2018 في المغرب الشقيق, يَظهر الكاتب المغربي "حسن
إبراهيمي" ككاتب منتمي للوطن والأمة,
فعنوان الكتاب فيه انزياحة ماثلة لطبقة الفقراء الذين يبحثون عن لقمة العيش, وعن
الذين يصرخون في الشوارع يبحثون عن الحرية, فكسرة الخبز تعبير عما يبحث عنه الجوعى
في الوطن الكبير, وفي هذا العالم الذي بات لا ينصف فقيرا.
وإذ يحاول الكاتب في شذراته التي بدت كما
البرقيات الموجهة للأمة العربية بكل مركباتها, يحاول الكاتب من خلالها كشف الغطاء
عن أسباب فقد الحريات, وما يعتري هذا الوطن من ملامح للجوع والعوز والسير خلف
الأمم كصورة من صور التبعية والتجزئة, والبحث عن الذات.
ويبدو الكاتب محشواً بالآهات التي وجد في
كتابه طريقة للتعبير عنها, وأخذ نفس عميق, بعد نقل الهم من رقبته إلى رقاب كل
المتلقين من مثقفين وأدباء وغيرهم, باعثاً في روحه وروحهم شيئاً من الأمل بولادة
فجر جديد, فها هو يقول:" وبكل أزقة الهزيمة تعوي أشلاء الموتى.. وتتراقص دماء
الشهداء.. وبعدما تصرخ تدير الحياة وجهها لبزوغ الفجر".
وإن الكاتب إذ يشير في شذراته إلى القضية ككلمة عائمة في النصوص دون أن يحدد عن أي قضية يتحدث, يمكن أن نعزيه إلى سبب بسيط, وهو حيرته ما بين القضايا العربية التي يمكن أن يتحدث تحديداً عنها, فهذه القضايا عديدة تتراوح ما بين الجوع والاقتتال والاحتلال, وفعلاً كل هذه القضايا ما زالت معوّمة في الساحات الدولية, ولم تجد لها طريقاً للحل. فهو يشير في الشذرة التي جعلها على غلاف كتابه إلى الريح والتاريخ, وكأنه يريد أن يقول أن قضايانا كما هو تاريخنا صارت في مهب الريح. وهنا نقرأ دعوة من الكاتب للالتفات لهذه القضايا ولهذا التاريخ الذي بدا مترنحا, لعلّ يكون هناك من يلتفت إليه, ويعيده إلى سيرته الأولى, ويضعه على سكته من جديد, مرفقاً صورته كشاهد على الحدث.
ونجده في واحدة من شذراته يشير أنه
لن يكل من السعي, ليجعل منها إضاءات تضع يدها على جرح الألم الذي طال انتظار لملمة
جراحه. حيث يقول:" أظل أسكب وجعي في كل ليل صرصار... أشكو عنفوانا دامسا
لكل وجع يلملم الانتظار".
في هذه الشذرة البسيطة يحاول الكاتب أن
يستخدم مفردات وتعبيرات دالّة فهو يسكب الوجع سكباً, في محاولة للدلالة على كثرته,
ويوصف الليل بالصّرصار ليدل على شدته, ويشكوا عنفوانا دامساً, وما كلمة عنفوان إلا
كلمة داله على الدرجة الأعلى من الوجع, والدامس تتوافق معها في إشارة إلى حلكة
الليل وشدة ظلامه, على أمل أن يجعل الله في المستقبل أمراً ويغير الحال, وهذه وتلك
تتوافق مع شذرات الكاتب التي أجمعت في معظمها على بوح يحاول نفض جناحيه للطيران
والتخلص مما هو قائم.
وقد ورد في النصوص الأخرى من المفردات, ما
يعزز ما ذهبنا إليه, من أن النصوص في المجمل تحمل جانب التظلم والشكوى, وفي كثير
من الأحيان تشير إلى انسداد في الأفق, فالشذرة التالية كمثال فيها من المفردات ما
يتوافق مع هذه الفكرة. فمفردات مثل "الجمر,
والمشتعلة, والانحناء, والسقوط, والاكتواء, والمنع, والقهر والعصيان, والخدوش,"
كلها مفردات تحتوي معاني التطرف اللفظي الناجم عن اعتمال في النفس.
"ربما لم تمتلك المسافة التي بيننا الجرأة الكافية للسير بنا فوق رشات
الجمر... قد تكون الحرارة لازالت لم تكتمل في تفاصيل سلامي عليها ... وقد يكون
السلام صغيرا في سننه المشتعلة في الانحناء لمعركة ستندلع بين شفتينا... وقد يعود
السبب إلى سقوط ما أحلحله في ما بين المعصمين, أو لشرطي انهال على نظرة اكتوت
بالمنع, وهي في طريقها إلى ابتسامتك التي تخلد عيدها بباقة من القهر أو ما فاح به
عصيان خدوش السنين من القمع, أو بالابتعاد عن سحر المكان"
وفي واحدة من شذراته التي لم تتجاوز الاثنتي
عشرة كلمة, جاءت دعوته للتعبير وعدم كبح
جماح النفس عن البوح, لأن في ذلك راحة للنفس من جهة, وإسماع صوت البكاء من جهة
أخرى فنحن نبكي لنستريح, وإن لم يكن فإن النتيجة هي تفاقم الألم وانصهار كيميائي
للوجع في النفس ليعشعش الحزن ويكبر, وإلا فإنه سيتضخم ليبدو جلياً واضحاً كما هي
أغصان الأشجار.
شذرات
الكاتب القصيرة صيغت في بعض الأحيان كقصيدة النثر, والكاتب في المجمل مال إلى
السجع واستخدام التراكيب المعبرة وجعل في كل فقرة من فقراته فكرة, حاول إيصالها
بشكل موجز دون السعي لحشو الكلام, أو وضع مفردات غير ناطقة.
" بين
قضبان الريح وقف التاريخ بدون قضية... فوق أسرٌة طفولية, نامت أحداثه بدون
أسئلة.... نامت بدون سلم للأسوار... بدون كشف لعيون الأسر... و بدون قداسة بطانة
مكثت تغرد للجراح."
فهذه
الشذرة كان من الممكن أن يعاد نثرها بطريقة أخرى, لتوحي بقصيدة النثر, حيث احتوت
على الفكرة وفيها جرس موسيقي أوجده السجع, وفيها من تسكين الأواخر, ما يوحي أن
الكاتب يملك أذناً موسيقية, ويستطيع توظيف الكلم بما يخدم النص.
تمنيت لو أسعفني الوقت للوقوف على تفاصيل كثيرة مما احتواه الكتاب, لكنها قراءة انطباعية, ألتمس العذر فيها من الكاتب والقارئ.
إرسال تعليق