الناقد المغربي بوزيان موساوي: العالم العربي يعيش قطيعة مع نفسه
حاوره: علي لفتة سعيد
منذ أن أخذه الحرف إلى طرقه وحتى متاهاته، كان على الناقد والشاعر المغربي بوزيان موساوي أن يبدأ بخطوات تقوده إلى النص الأدبي.. مثلما أخذه الحرف إلى التعليم واللغة والنحو ومن ثم الكتابة والتأليف.
صدر لبوزيان موساوي عدة مؤلفات بالعربية والفرنسية والأمازيغية، منها مجموعة مقالات أدبية باللغة الفرنسية ومجموعة قصصية باللغة الفرنسية كذلك، وديوان مشترك، وله مجموعة قصصية باللغة الأمازيغية، فضلا عن كتاب تعليم الأمازيغية للمبتدئين، وله دراسات نقدية حول موضوع الحكاية الشعبية، وإشكالية التدوين، ومراسلات شعرية «على خطى مي وجبران»، وديوان شعري «صاحبة الشال الأزرق»، وكذلك له كتاب في النقد الأدبي الحديث تحت عنوان «في رحاب الأدب العربي»،مثلما له كتب مترجمة إلى الفرنسية ديوان الشاعر السوري الكردي «رسائل منسية» ومسرحية جون بول سارتر «غرفة مغلقة» قيد الإنجاز. عن النقد وحاله جاء الحوار التالي.
■ ثمة مقولات أو تعريفات عديدة للنقد.. كيف ترى تعدد التعاريف من وجهة نظرك كناقد ومنتج للنص الأدبي؟
□ تعريف النقد أكاديميا مرتبط بالمدارس النقدية التي أسست له نظريا وتطبيقيا. ووراء كل مدرسة، أو نظرية، أو توجه نقدي، فلسفة متشبع بها، إن لم نقل أيديولوجية يتم الترويج لها، سواء تعلق الأمر بالنقد الحديث أو القديم أو المخضرم. لكن أحيانا، ولو داخل التيار الفكري نفسه، يحدث تباين بين النقاد من حيث التعريف والتنظير والتطبيق، حسب قناعات فردية ذات مرجعيات وأساليب مختلفة.
■ يواجه النقد الكثير من الانتقادات، كونه لا يلبي الحالة التي تحيط بالنص الأدبي.. هل الأمر خاضع للمزاج المتضارب والمتصارع بين النقد الأدبي والنقد الأكاديمي؟
□ يواجه النقد بصيغة الجمع عدة انتقادات، ليس فقط لأنه لا ينتبه للنصوص كذوات مستقلة في حد ذاتها، بل لأن الكثير ممن يحسبون على النقد يقومون بإسقاط نظريات جاهزة بآليات نمطية، بدون مراعاة خصوصية المتن وانتمائه ومضامينه وصاحبه، أو يعتمدون مبدأ الزبونية والعلاقات الخاصة والمحسوبية؛ فيرفعون من شأن هذا، ويحطون من قيمة آخر، ويتجاهلون أقلاما جد نشيطة وراقية.
■ من خلال دراساتك النقدية يرى المتابع ميلك إلى تفكيك النص، من خلال عمليات التقشير النصي التحتاني.. هل أنت متأثر بالمدارس النقدية الانطباعية، أو الظاهراتية أو المدارس النقدية الأخرى؟
□ لقد تأتت لي دراسة جل النظريات النقدية الأدبية والفنية الحديثة منها والقديمة، سواء كانت غربية أو عربية، إما على كراسي معاهد عليا، أو بفضل مجهوداتي العصامية الخاصة… لا أميل لنظرية دون أخرى، أؤمن بالنص، هو وحده يوجهني للمقاربة النقدية التطبيقية التي يفرضها، وأحيانا أكون مجبرا لاستعارة عدة آليات نقدية وظيفية تطبيقية من نظريات نقدية مختلفة في القراءة النقدية نفسها.
■ بحثت في النصوص في الأدب المشارقي للوطن العربي.. هل هناك حدود للنصوص الأدبية؟
□ الأدب كوني، ولا جغرافية له في نظري؛ فكيفما تطرق في مواضيعه للشأن المحلي، فهو يصبو للعالمية. موازاة مع ذلك ليس هناك نقد أدبي مشرقي، وآخر مغاربي؛ المرجعيات وحدها تختلف، فبينما تأثر (بسبب الإرث الاستعماري) المشارقة بالنماذج الأنكلوسكسونية، نهل أهل المغرب الكبير من النماذج الفرنكوفونية، إما مباشرة أو عن طريق الترجمة. هل أكتب فقط على المشارقة؟ طبعا لا، فقد كتبت الكثير عن مغاربيين من تونس والجزائر والمغرب، كما أن موضوع إجازتي في الأدب كان عن الكتاب المغاربيين الناطقين بالفرنسية.
■ بما أنك اطلعت على النصوص الأدبية في أغلب البلدان.. هل ثمة فوارق أو مؤشرات بين النصوص الأدبية؟
□ قلت في سياق غير هذا، إن الأدب والفنون تزدهر بشكل يثير الاستغراب أيام الحروب والثورات والأوبئة، وهذا ما يفسر هذا الزخم الهائل من الروايات والمجموعات القصصية والدواوين الشعرية، من تأليف أدباء فلسطينيين، وعراقيين، ومصريين، وسوريين، وتونسيين، وليبيين… نحن نراقب ونقرأ.. لم يحن بعد وقت التقييم أو القيام بالمفاضلة بين هذا الإنتاج وذاك؛ رغم أن بعض الإبداعات لا تزال متعثرة.
■ كثيرا ما يقال إن النقد العربي متأخر دوما عن النقد الغربي، وهو تابع له.. هل هذه عملية جلد للذات العربية أم هي الحقيقة؟
□ عرف النقد العربي أو المكتوب بالعربية عصوره الذهبية التي لا يجادل في عالميتها أحد، لكن التبعية والولاءات السياسية والأكاديمية، والبعثات الأجنبية في الاتجاهين بين الغرب والشرق، أو بين الشمال والجنوب، جمدت مؤقتا تألق وإشعاع النقد العربي مقارنة مع النقد الغربي. وهو تأخر توازيه تأخرات أخرى في كل الميادين؛ العلمية، والتكنولوجية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والحضارية… العالم العربي يعيش قطيعة مع نفسه.
■ ما هي المشاكل التي تواجه النص العربي ليكون نصا عالميا؟
□ هناك الكثير من المبدعين العرب الذين وصلوا للعالمية، وذلك إما بفضل جوائز عالمية كجائزة نوبل (نجيب محفوظ)، أو بفضل القضية التي يكتبون عنها (محمود درويش)، أو بفضل الترجمة (محمد شكري)، وغيرهم. لكن مؤخرا، هناك مع الأسف شروط أخرى مثل الولاءات، والانتماءات، والرشوة، والعلاقات، ووسائل الإعلام الرقمية والورقية والقنوات الفضائية؛ ناهيك من تملص العديد من النقاد من رسالتهم بالكتابة عن النصوص التي تستحق ويتم تجاهلها.
■ هل الانفتاح في النص كان بطريقة سلبية؟ أم هي إيجابية في ما بعد الربيع العربي؟
□ هناك الآن تراكمات، ساعدت على إظهارها مواقع التواصل الاجتماعي والمجلات الإلكترونية، لكن لم يحن بعد وقت التقييم.. لا بد من مسافة زمنية.
■ كيف ترى النقد العربي حاضرا ومستقبلا؟
□ مستقبل النقد الأدبي (كما الإبداع، كما باقي العلوم الإنسانية، والدقيقة…) رهين بالمجتمعات التي تنتهجه؛ وأظن أن عقارب ساعة تقدمنا في كل مجالات الحياة قد تعطلت، إن لم أقل قد توقفت إلى أجل غير مسمى… هناك مبادرات من هنا وهناك، جماعية، وفردية، لكنها لا تزال تائهة تبحث عن نفسها.
■ لماذا يركز النقاد كثيرا على الرواية بدون باقي الأجناس الأدبية؟ هل الأمر خاضع للمسابقات، أم لأن الرواية تعيش عصرها أم لأسباب أخرى؟
□ ليت الأمر صحيحا… ليت النقاد يركزون على جنس الرواية؛ فأغلب من أعرفهم يهتمون عن طريق المجاملة، أو بطلب من دور نشر، أو في مناسبات رسمية، أو لقاءات ثقافية بالشعر، أو القصة القصيرة. ومن يركزون على الرواية أكثر من غيرها، واعون كل الوعي بأن الرواية جنس نبيل يحمل في طياته مشروعا مجتمعيا حقيقيا بنظرة فلسفية وفنية للمجتمع المحلي أو الكوني الإنساني، إضافة لكون الرواية تضم كل الأجناس الأدبية الأخرى في تناغم وانسجام تامّين.
_____
المصدر: القدس العربي
إرسال تعليق