هل يعقل هذا الإنتاج الروائي الكبير، من دون أن يصاحبه إنتاج نقدي؟ حتى التسعينيات كان عدد الروائيين في الأردن أقل من عشرة، أشهرهم مؤنس، وإلياس، وجمال، وسميحة، وهاشم، وإبراهيم، وزياد. وكان مجموع الروايات لا يتجاوز الخمس في السنة الواحدة. وكل رواية جديدة كانت تحظى باهتمام نقدي فور صدورها، في الصحافة الثقافية، والدراسات الأكاديمية، والكتب النقدية. واليوم لا يوجد ناقد يمكنه الزعم أنه يتابع بشكل كامل الإنتاج الروائي في العشرين سنة الماضية. ويخلو الميدان من دراسة نقدية جادة وشاملة، أو جزئية ومعمّقة، خصوصاً النوع الذي يتناول التجارب الجديدة، والأصوات الأولى.
الخمود النقدي غريب في مقابل الثوران في الإنتاج الروائي. وهذا الصمت النقدي صار فاضحاً من حيث كونه شكلاً من أشكال النقد السلبي، الذي يشبه الإضراب عن العمل، واحتجاجاً صامتاً على ظاهرة الانفجار الروائي، والظروف الواقعية المحيطة به؛ سهولة النشر، مطاردة الجوائز المالية، الرغبة في الشهرة.
لا يمكن أن يستمرّ "الروائيون" في
تسلق أسوار البستان والحارس نائم، حيث لا رقيب ولا حسيب. يجب على النقد أن يصحو
ليقول كلمته في شأن هذه الهجمة على البستان، إن كانت لإضافة شجرة مثمرة فهي خير.
أما إن كانت لتخريب البستان وتجريف تربته وقلع الأشجار الراسخة في أرضه، فلا بدّ
للنقد أن يتصدّى لذلك.
في البداية تحوّل كتاب القصة إلى روائيين، ثم تحول الشعراء إلى روائيين، وتبعهم الأكاديميون، ثم الصحفيون، فطلاب وطالبات الجامعات، فطلاب وطالبات المدارس. وهذه ظاهرة لا يمكن الاعتراض عليها إلا نقديا. النقد هو الجهة المخوّلة بفرز الرواية من اللّارواية. وهو السلطة المسؤولة عن حماية النوع الأدبي من خطر التغيرات البيئية، التي افقدتنا القدرة على التمييز بين أمطار الخير والفيضانات المدمّرة.
______
عن صفحة القاص الشخصية ( فيس بوك)
إرسال تعليق