-->
العهدة الثقافية  العهدة الثقافية

اسمي أزرق ... أعمال فنية تستلهم أجواء السرد الروائي

ياسر سلطان


"اسمي أزرق"... أعمال فنية تستلهم أجواء السرد الروائي

ياسر سلطان


الفنانة المصرية هبة حلمي تحول الكتابة إلى خزفيات بالخطوط والألوان

في معرضها الذي أقامته العام الماضي قدمت الفنانة المصرية هبة حلمي تجربة بصرية ثرية بالخامات المتنوعة، من الورق إلى القماش والجلد والخيش، ومن الأحبار إلى الأكريليك، وغيرها من خامات التلوين المختلفة. في ذلك المعرض وظفت حلمي أيضاً تقنيات الخزف التي تعلمتها في إبداع أشكال جديد وصياغات خزفية مختلفة، ولونتها باستخدام الأكاسيد المعدنية والمواد الكيميائية، وغيرها من الخامات والعناصر. ما جمع بين أعمال هذه التجربة التي أقيمت حينها تحت عنوان "التعويذة" هو اشتغال الفنانة على تيمة الخط، كرؤية بنائية مشتركة للعناصر المرسومة على أسطح هذه الخامات.


في امتداد لهذه التجربة الشيقة مع الخط تعرض حلمي أعمالها حالياً تحت عنوان "اسمي أزرق" في استلهام لعنوان الرواية الشهيرة للكاتب التركي أورهان باموق "اسمي أحمر".


ويضم المعرض الذي تستضيفه قاعة موشن في القاهرة حتى نهاية الشهر مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعمال الخزفية، إلى جانب بعض اللوحات التصويرية المرتبطة بتجربة الفنانة مع الخزف. تعود حلمي وقد استقرت رؤيتها وأصبحت معالجاتها للعناصر أكثر تماسكاً واتساقاً مع الفكرة المحورية للمعرض.



"النقش هو صمت العقل وموسيقى العين"، هي عبارة تتسق مع طبيعة التجربة التي تقدمها الفنانة، وتقتبسها من رواية باموق كمحور لهذه التجربة الأخيرة. الرواية المشار إليها تدور أجواؤها في مدينة إسطنبول في عهد الخلافة العثمانية، داخل عالم صناعة المخطوطات، بما فيها من أسرار وعلاقات بين حرفيي هذه الصنعة، وهي أجواء لا تبتعد كثيراً عن محتوى الأعمال، التي تتلمس خلالها الفنانة الطبيعة البكر للغة الكتابة والخامات التي استخدمها البشر منذ فجر التاريخ لتدوين أفكارهم.


تخرجت الفنانة هبة حلمي في الفنون الجميلة، حيث التحقت بقسم التصوير الزيتي، واتجهت بعد تخرجها للعمل في مجال تصميم أغلفة الكتب. كما أنها تمارس الكتابة أيضاً، ولها حتى الآن كتابان منشوران، هما "جوايا شهيد"، ورواية واحدة هي "بنت في حقيبة".



ولعل التعامل عن قرب مع أجواء الكتابة وتفاصيل صناعة الكتاب على هذا النحو دفع الفنانة إلى خلق هذا المزيج بين دراستها للتصوير واهتمامها العملي بالكتابة وعالم الكتب. ومن أجل تأكيد هذا المزيج المتنوع لجأت الفنانة إلى دراسة الخط العربي متمعنة في أساليبه ومدارسه واتجاهاته، كما درست صناعة الخزف، وهي تستخدم في أعمالها عادة طائفة متنوعة من الخامات، وترتكن إلى مصادر مختلفة للإلهام، كما تمعن أحياناً في الجمع بين الخامات والعناصر المتنافرة، فتجمع مثلاً بين الخيش والحرير أو الورق والقصدير، والخزف والقماش.


يمكن رؤية أعمال حلمي كمعلقات أو كأشكال خزفية أقرب إلى المنحوتات، وهي أشكال تميل إلى تجريد الشكل واختزاله، يقابلها صياغات أخرى تقليدية كالأطباق والآنية. زينت حلمي أعمالها بتلك الكتابات والرسوم الخطية الملونة التي تشكل بها لغتها الخاصة. تحول الحرف في هذه الأعمال إلى وحدة للبناء أو الرسم، هو يبدو كلبنة طيعة يمكن تشكيل العناصر من خلالها، بينما بدت الحروف أشبه بالنقوش، أو كالعلامات التي تخدش من طريقها لمعان الأسطح المعالجة بالأكاسيد المعدنية.


لم تكتب حلمي هنا جملاً واضحة يمكن تتبع معانيها، كما لم تلتزم بأسلوب خطي صريح، بل لجأت إلى استلهام روح الخط وطبيعته، ووظفت على نحو مرهف انحناءاته وحركاته وانسجام حروفه مع بعضها البعض لتصنع شكلاً مختلفاً للحرف. في أعمال هبة حلمي بدا الحرف أقرب إلى الكتابات والخطوط العتيقة التي تركها القدماء على الرقاع والعظام والأحجار. يذكرك هذا النسق بالكتابات التي دونت بها المخطوطات القديمة، أو النقوش المرسومة على جدران معابد وآثار الحضارات الغابرة، كأنها تطمح إلى تلمس الهيئة الأولية للكتابة، بعيداً عن طبيعتها أو انتمائها اللغوي.

 ___________

 المصدر: اندبندنت عربي


إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

العهدة الثقافية

2016