الغزال والأرنب بقلم الأديب د. سلطان الخضور
لم يكن إلا غزالاً وديعاً يكتنز في نفسه كل معاني الاحترام والتقدير لكل من هم في الغابة.
كان يحب الجميع ويصدر بين الفينة
والأخرى سليلاً ليناديهم بأحب الأسماء لديهم. لم يعرف في طفولته الغابة على
حقيقتها، كان يظن أن كل من حوله لديهم حنان أمه وعطف أبيه، فكان بعض من حوله
يشاركونه حتى طعامه وشرابه، ولم يكن ليشكو أو يتذمر . ولما تشكل الوعي
لديه، وصار يعتمد على نفسه، بدأت أمور المحيط تتكشف لديه شيئاً فشيئا، وبدأ يدرك
أنه في غابة وأن شريعة الغاب للأقوى، وأن لا مكان في الغابة إلا للأقوياء، وبدأ
يدرك أن الثعلب مهما أحسنت إليه سيظهر صفة المكر والخداع. وبالتدريج ونتيجة
لسوء الأجواء المحيطة التي كان دائماً يسببها ذاك الثعلب الماكر ومن يستطيع جرهم
خلفه من المنبوذين الواهمين. وفي يوم من الأيام و بالصدفة رأى شجرة صغيرة
يأكل الأرنب ورقها ويبقي على جذورها، فقال في نفسه، لم لا آكل الجذر الذي يبقيه
الأرنب؟ وكلما رأيته يأكل من شجرة مثلها، سأحفر على الجذر وآكله. وعندما علم
الأرنب بذلك ضحك حتى سقط على ظهره وقال : مسكين هذا الغزال ستنمو الجذور في بطنه،
وأنا كان من الممكن أن آكلها لولا أنني أعرف أنها تنمو في بطن من يأكلها وتتضخم
وتسبب له نمواً غير طبيعي وسيصبح كائناً ضخماً، وسيظهر على غير صورته المألوفة. وعندما
علم الغزال بما قاله الأرنب، ذهب إليه ليستطلع الأمر ويسأله عن هذه الجذور.
استقبله الأرنب وهو يضحك ويضحك
ويضحك. تعجب الغزال من كثرة ضحكه، ولما انتهى قال له:جئت لأسألك عن الجذور، أما
وقد رأيتك تضحك فسأسألك عن الاثنتين جذور النبتة التي تأكل أوراقها وسبب الضحك.فقال
الأرنب: أما الجذور فهي حتماً إذا أكلتها، ستنمو فيك ويتضخم جسمك كثيراً، وستطول
قرنيك، وأما ما أضحكني، فأني تخيلتك متضخماً، شكلك شكل الغزال وحجمك حجم الجمل
ولديك قرون طويلة. قال الغزال: جميل أن أتضخم لعل الثعلب يخشاني! سأل
الغزال الأرنب عن اسم هذه النبتة، فقال يا صديقي هذه نبتة التمرد، ولكنها مرة
المذاق، وأنا أخاف أنك إذا أكلت منها أن تصبح متمرداً، عندئذ ستصبح عدواً لكل من
هم في الغابة، فاستغرب الغزال من جوابه وقال: كل من في الغابة سيكونون معي إلا ذاك
الثعلب وتابعيه، فهو معروف بمكره وقدرته على الاستقطاب. ضحك الأرنب من جديد ضحكة
هزت بدنه واستثارت الغزال الذي عاد وسأله عن سبب ضحكته هذه المرة، فأجاب الأرنب
انك يا صديقي مسكين فعلاً، ولن تنفعك حسن نواياك، وعليك أن تكون قادراً على
المواجهة، ولا تظن أن كل من في الغابة سيكون في صفك؟ إن كل من في الغابة مع القوي،
وإذا أردت أن تسيطر يجب أن تكون قوياً. قال الغزال:ستصبح قوتي في حجمي، وعلى
الأقل إذا حفر الثعلب حفرة لأسقط فيها، سيحميني حجمي المتضخم من السقوط، وسأنطح من
يحاول الاعتداء علي بقرني.
أعجب الغزال بفكرة التضخم، وذهب
ليأكل من جذور النبتة، وفعلاً شعر بعدها بانتفاخ في جسمه وداوم على هذه الحال حتى
صار بحجم الجمل أو يزيد.
أرأيت غزالاً بحجم الجمل؟ نعم، كبر
الغزال وصار بحجم الجمل. وصار يتحدى الثعلب، وكلما رآه يسخر منه ويلمز عليه، يهدده
بأنه لم يعد يخشى مكره وأنه من الممكن أن يفعسه بقدميه. عاش الغزال على نبتة
التمرد بقية عمره، ولم يستطع الثعلب أن يوقعه من جديد، حتى بات الأسد والضبع
والنمر يتحاشون غضبه، وعاش بقية عمره شامخاً في الغابة. ولما رآه الأرنب على
هذه الحال بدأ يشاركه البذور من أجل أن يكبر ويتمرد هو الآخر . إنها
نبتة التمرد، إنها الثورة على الظلم.
إرسال تعليق